الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات من التراث

حكايات من التراث
7 سبتمبر 2008 00:57
رُوي عن الملك الإسكندر أنه أخضع الملوك حتى انتهى إلى مطلع الشمس من العمران، فبلغه أن بأقصى أرض الهند ملكاً ذا حكمة وديانة، قاهراً لقوته الغضبية، زاهداً في الدنيا وشهواتها، يتحلى بكل خُلق كريم ومنقبة رفيعة فأرسل له الإسكندر كتاباً يقول فيه: إذا وصلك كتابي وكنت واقفاً فلا تقعد أو كنت ماشياً فلا تجلس حتى تأتيني، وإلا مزقت مُلكك وألحقته بمن مضى· فكتب إليه ملك الهند الجواب بأحسن خطاب، ولقبه بملك الملوك العادلة، وأخبره أن عنده أربع هدايا ليست موجودة عند أحد من ملوك الأرض، وهي: الأولى ابنته التي لم تطلع الشمس على أجمل منها منظراً، والثانية قدح إذا ملأته ماء شرب عسكرك كله ولم ينقص منه شيء، والثالثة: طبيب لا يعجزه مرض إلا مرض الموت، والرابعة: فيلسوف يخبرك بمرادك قبل أن تسأل عنه، ثم قال: إني لَمُهْدٍ هذه الهدايا إلى ملك الملوك إذا عف عن هذا المطلب· فلما وصل كتاب الملك للاسكندر قلق قلقاً عظيماً لهذه الهدايا وأرسل أربعة من الحكماء يستقصون صدقها فيأتونه بها· فلما وصل الحكماء إلى ملك الهند، أخذ يباحثهم في العلم والهندسة والكيمياء وعلم النجوم وما أشبه بذلك، حتى ملأ صدورهم حكمة، وبعد أن استضافهم ثلاثة أيام خيّرهم في البقاء أو الرجوع، فاختاروا الرجوع حسب أمر الملك لهم، فلما برزت ابنة الملك عليهم ما وقع نظر أحد منهم عليها إلا علق بها· فلما وصلوا الى الإسكندر، وكان من أعظم الملوك هيبة وشهرة، وما إن نظر إلى ابنة الملك حتى شغف بها شغفاً عظيماً وأمر بإنزالها مع حرمه ثم أمر بالقدح فشرب منه وسقى عساكره فلم ينقص منه شيء، وهو قدح أبينا آدم عليه السلام، وهو مضروب من الخواص الروحانية، ثم شاهد من الطبيب ما بهر عقله، وأمر بإنزال الفيلسوف في دار الضيافة، فبعث إليه مع خادمه قدحاً مليئاً بالسمن وأمره ألاَّ يكلمه البتة·· فأخذ القدح وتأمله بحدقتيه وبصيرته، وتناول إبراً كثيرة وأغرزها في السمن حتى أصبح وجه السمن كالقنفذ وأرجعها إلى الإسكندر· فأخذ الإسكندر الإبر وذوّبها وجعلها كالكرة وأرجعها للفيلسوف، فلما وصلت إلى الفيلسوف كوّرها حتى طافت على وجه الماء وأعادها إلى الإسكندر، فلما وصلت للاسكندر ثقبها وملأها تراباً وأرجعها للفيلسوف، فلما وصلت إليه دمعت عيناه وتغير لونه وأرجعها على حالها، فأمر الإسكندر بمثوله بين يديه· فلما مثل بين يديه حياه بتحية الملوك، فنظر إليه الإسكندر وتأمله فوضع الفيلسوف أصبعه على أنفه، فقال له الإسكندر: لماذا وضعت يدك على أنفك؟ فأجابه الفيلسوف: لأنك لما نظرت إليّ وتأملتني فكرت أن حكمة هذا الشاب ليست على قدر صورته، فوضعت إصبعي على أنفي لأخبرك أنه كما أن الأنف زائد على الوجه، كذلك أنا ليس في بلاد الهند مثلي، أما خطر ببالك هكذا؟ قال الإسكندر: صدقت أيها الرئيس· ثم قال له الإسكندر: والآن اجلس أيها الفيلسوف وأخبرني عن معنى ما جرى بين وبينك من المراسلة، فقال له: أيها الملك، لقد بعثت لي قدحاً مليئاً بالسمن، فخبرني أنك قد امتلأت من الحكمة كما امتلأ هذا القدح بالسمن، فلا يزاد عليه شيء كما لا يزاد على حكمتك شيء، فأخذت الإبر وغرزتها في السمن لأعلمك أن عندي من لطائف الحكمة ما يخرق حكمتك كما تخرق الإبر السمن· فأخذتَ الإبر وجعلتها كرة، لتخبرني أن نفسك من قتل الأعداء وسفك الدماء صارت كهذه الكرة، فأخذتُها وبردختها حتى صارت كالمرآة لأخبرك أنك بالتوبة إلى الله تعالى تتجوهر نفسك وتنصقل حتى تصير مثل هذه المرآة فتشرف على الموجودات بصفائها وقوة صقلها· فوضعتها في طست ماء لتخبرني أن الأيام والليالي قد عجزت عن ذلك، فكورتها حتى طافت على وجه الماء لأخبرك أنه في الوقت القصير قد يجري بها أكثر مما جرى لها في الوقت الطويل، فثقبتها وملأتها تراباً لتخبرني بالموت، فأنا أخضع مثلك للموت ولا أغيره· ضاق عند ذلك صدر الإسكندر وذهب هائماً على وجهه حتى وصل إلى وادٍ وفي ذلك الوادي غار مهجور، فدخل فيه، وإذا بتقدير العزيز الحكيم موجود في ذلك الغار ملك محنط مسجى في نعشه عن يمينه مفاتيح خزائنه ولوح نحاس مكتوب فيه: ''بهذا ملكناه''، وعلى يساره لوح نحاس مكتوب فيه: ''وبهذا تركناه''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©