الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحايا الأخطاء الطبية بالجزائر يطالبون بالتعويض والأطباء يرفضون تجريمهم

ضحايا الأخطاء الطبية بالجزائر يطالبون بالتعويض والأطباء يرفضون تجريمهم
19 ابريل 2011 19:59
شرع عددٌ من ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر في اعتصام مفتوح أمام رئاسة الجمهورية مؤخراً، قصد إيصال معاناتهم، والمطالبة بالتكفل بهم بعد أن أصدرت العدالة أحكاماً قضائية لم تنل رضاهم بشأن الشكاوى التي قدموها ضد أطباء سببوا لهم بأخطائهم إعاقات ومضاعفات صحية كبيرة. وبالمقابل، يرى مجلس أخلاقيات الطب بالجزائر أن العدالة تقسو على الأطباء المخطئين بأحكامها ويطالب بعدم تجريم أخطائهم بالنظر إلى نبل مهنة الطب. ليست هناك إحصائياتٌ دقيقة عن العدد السنوي للأخطاء الطبية بالجزائر، إذ لم تقدم وزارة الصحة أي رقم، بينما يتحدث مجلس أخلاقيات الطب عن نحو 650 حالة تقدم أصحابها بشكاوى للمجلس منذ عام 2004 إلى الآن، ومنها 100 حالة فضل أصحابُها مقاضاة الأطباء الذين أرتكبوا أخطاء طبية أو المستشفيات للمطالبة بتعويضات مالية، أما عبد الناصر ورغي، رئيس اللجنة الوطنية للدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية فيتحدث عن 500 حالة سنوياً وهو الرقم نفسه الذي يقدمه البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس هيئة ترقية الصحة بالجزائر والذي دعا وزارة الصحة إلى فتح تحقيق في الموضوع بسبب تفاقم هذه الآفة وتفشيها في المستشفيات والعيادات الخاصة على السواء في السنوات الأخيرة. دعاوى قضائية عادة ما يلجأ المتضررون إلى العدالة إذا ترتب عن الخطأ الطبي وفاة أو إصابة بإعاقة أو عاهة مستديمة تؤثر سلباً في حياة المريض، ليطالب المتضررون الدولة بالتكفل بهم في كل الحالات وبتعويضهم قبل معاقبة الأطباء المخطئين، لكن قرارات العدالة لم تكن مُرضية للكثير منهم، كما أن الكثير من القضايا لا تزال عالقة أمام العدالة بسبب تعقّدها وتشابك خيوطها وكذلك غياب قانون خاص بمعالجة هذه الحالات، حيث يُكتفى بمعالجتها ضمن مادتين فقط في قانون العقوبات تمنحان سلطة التقدير للقاضي بناء على تقارير الخبرة الطبية. وكمثال على مدى تفشي آفة الأخطاء الطبية في السنوات الأخيرة، يذكر ورغي بكثير من المرارة مأساة فقدان 31 مريضاً في 1 يوليو 2007 بصرَهم في مستشفى بني مسوس بسبب حقنهم بدواء موجه لمعالجة السرطان والقولون دون إخبار المرضى بذلك مسبقاً، وبعد تحقيقات قضائية عديدة تضاربت فيها الأقوال، تمت معاقبة الطبيبة التي حقنت المرضى بالسجن لمدة عام نافذ، وقد استأنفت الحكم بينما تمّ إهمال المرضى الـ31 الذين فقدوا بصرهم تماماً. ويؤكد ورغي أهمية تقديم مبدأ حماية المريض والتكفل به على معاقبة الأطباء، سواء بالتكفل المادي عبر العلاج والتعويض أو بإصدار قانون واضح لحماية المريض، ويكشف أن البرلمان شرع بمناقشة مشروع قانون بهذا الصدد واستمع للجنة مرتين ويأمل أن يصدر القانون قريباً لوضع حدٍّ للوضع الحالي، حيث تمنح السلطة التقديرية للقاضي لتحديد المسؤوليات والتعويضات دون معايير واضحة يستند إليها، ما يضيّع حقوق الكثير من المرضى. كوارث طبية وقد أثارت فضيحة مستشفى بني موسى تلك الفضيحة ضجة كبيرة لدى الرأي العام بالجزائر آنذاك، ومع ذلك لم تتحسن خدمات هذا المستشفى وتسبب بعدها في فقدان الشاب “حسين. ع” بصره تماماً بعد أن أخضعه لسبع جراحات على عينيه في ظرف أقل من شهرين وكأنه حقل تجارب، وقد أبدى حسين، الذي اعتصم أمام الرئاسة لإيصال معاناته لها، حزناً شديداً ونقمة كبيرة على ما حدث له، لا سيما بعد أن أدى ذلك إلى فقدانه دراسته وتحوّل حياته إلى جحيم. كما توفي 13 رضيعاً بمستشفى معسكر منذ سنوات بسبب إعطائهم لقاحات فاسدة، وأثار ذلك أيضاً ضجة كبرى آنذاك. وتشهد أقسام الأذن والأنف والحنجرة وعيادات التوليد وغيرها أخطاء كثيرة بدورها نجم عنها ضحايا كثيرون، فالطفلة سلمى، 7 سنوات، تعاني الآن إعاقة حركية بسبب أخطاء في توليد أمها في عيادة ببومرداس (50 كم شرق الجزائر)، وقد حملها أبوها بين ذراعيه أثناء اعتصام الضحايا وقال إنه “قرر أن يفضح هذه العيادة التي سبَّبت لابنته وله ولأمها معاناة كبيرة”. أما أغرب الحالات التي وجدناها أثناء الاعتصام فهي حالة الطفلة شيماء لونيسي من سطيف (304 كم شرق الجزائر)، والتي أصيبت بإعاقة دائمة وفقدت القدرة على النطق بعد أن فشلت جراحة بسيطة أجريت لها على اللوزتين وهي في الخامسة من عمرها، وهو ما اعتبرته عائلتُها دليلاً على مدى التسيب والإهمال واللاكفاءة المستشرية في القطاع. ويبدي ضحايا الأخطاء الطبية المعتصمون سخطاً ومرارة كبيرة مما حدث لهم ويقولون إنه ناجم عن التقصير والإهمال الطبي، وكان يجب التكفل بهم طبياً ومادياً، وأن ينال الأطباء المخطئون ما يستحقونه من عقاب جزاء العاهات الدائمة والإعاقات التي ألحقوها بهم ونغصت معيشتهم، إلا أن القضاء لم يفعل وخسروا الدعاوى القضائيـة التي رفعوها ضدهم، ما دفعهم إلى الاعتصام أمام الرئاسة لمطالبتها بالتدخل وفتح تحقيق في المسألة، ويقول ممثلهم أبو بكر محيي الدين إن “هذه النقطة تثير الكثير من الحيرة والتساؤلات، فكيف يخسر الضحايا دعاواهم وقد تعرضوا لعاهات وإعاقات دائمة؟ لا بد أن يتدخل رئيس الجمهورية للنظر في القضية وإنصافنا وكذلك تكفل الدولة بالضحايا”. لا لتجريم الطبيب بالمقابل، أبدى أيضاً مجلس أخلاقيات الطب الذي يضم في عضويته 45 ألف طبيب عدم رضاه عن الأحكام القضائية التي أدانت بعض الأطباء الذين ثبُت وقوعُهم في أخطاء طبية فادحة وتمّ سجنُهم، ويبدي رئيس المجلس محمد بقاط، تذمُّره من الأحكام التي صدرت بحق عشرات الأطباء المخطئين، حيث إن 50 طبيباً متابعٌ الآن قضائياً، وقد تمّ سجن 10 منهم، ما يعني القضاء على مسارهم المهني. وشدّد بقاط على أن الخطأ الطبي “أمرٌ واردٌ، وحتى في الدول المتطورة تحدث أخطاء طبية، ولذا من الخطأ تجريم هذا النوع من الأخطاء لأن مهنة الطب نبيلة وإنسانية، وإذا حدثت أخطاء، فهي غير متعمَّدة ولا يُعقل أن نعامل الطبيب كما نعامل المجرم والمنحرف”. ونبّه بقاط إلى أن دعوته إلى عدم تجريم الأطباء المخطئين لا يعني إعفاءهم من المسؤولية، فالأطباء الذين تثبت التحقيقات أنهم ارتكبوا أخطاء طبية عن تقصير وتهاون يجب أن يعاقبوا، ولكن قبل ذلك يجب تحديد مفهوم صريح للخطأ الطبي والتفريق بينه والتقصير والإهمال، ما يساعد على تحديد المسؤوليات وبالتالي إصدار أحكام قضائية منصفة، وطالب العدالة بالاستعانة بتقارير مجلس أخلاقيات الطب قبل إصدار أحكامه وقال إنها “تقارير دقيقة ومحايدة”، كما طالب المواطنين المتضررين بإيداع شكاواهم لديه.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©