الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القفز «نحو» سفينة تغرق

20 يونيو 2017 22:34
هل هو كيانٌ جديد يتشكل، أم أنه قد تشكل وتكونت ملامحه في غفلة من حسن الظن والثقة المفرطة في أنفسنا والآخرين، وها هو يعلن عن نفسه رسمياً، ويظهر لنا شهادة ميلاده. لا ندري ما الذي حدث للبعض منّا، هم أشقاء لنا، وهم جيران لنا، وهم جزء من تاريخنا وتراثنا، لمَ يَنأَونَ بأنفسهم بعيداً عنّا، تساؤلات حائرة لا بد لها من إجابات. كان النظام العالمي في السنوات السابقة يكرس لصعود الإسلام السياسي بهدف شقّ الصف العربي، من خلال تكريس الفتنة وتمكين العنصرية والطائفية كوسيلة وأداة للفرقة وتمزيق وحدة الصف بين الشعوب العربية ومن دون مواربة ولا خجل، وهو أمر بات معلوماً للجميع. ولكن النظام العالمي اليوم أخذ يمشي بخطوات مبتعداً عن ذاك التوجه، وهو ما لمسناه من خلال بعض توجهات الإدارة الأميركية الجديدة وكل العالم الذي يدور من حولها وفي فلكها، لقد تغيرت اتجاهات الريح، وبات الإرهاب الذي ساعدوا في خلقه وتمدده بالأمس، يطرق أبوابهم اليوم ويهدد أمنهم وسلامهم الاجتماعي وبقسوة وإصرار. تمكنت بعض الأنظمة من العيش ووجدت تربة خصبة لها في ظل ذاك الوضع، وخلقت لنفسها منطقة رمادية لتلعب فيها على كل الحبال، وتلبس وجوهاً متعددة.. هنا وجه ووجه آخر هناك، وتوجه آخر هناك وهناك وهناك، أدوار تناقض وأدوار، لَعِبَتها ولا تزال على كل الصعد ومختلف الجبهات، وكأنها جزء فاعل وأصيل في مخطط الفرقة والتفتيت والتي كانت نتيجتها ما نعيشه من فوضى ودمار. الشقيقة الخليجية العربية، اختارت قيادتها ركوب المخاطر والصعاب والمجازفة بمقدرات شعبها في لعبة ورهان خاسر بكل الحسابات كطرف فاعل وراعٍ للإرهاب ومنذ سنوات. إن «المقاطعة» السعودية والإماراتية والبحرينية والمصرية، سياسياً واقتصادياً هي أكبر من أن تتحمل أعباءها دولٌ كبيرة فما بالك بالصغيرة، ولكنها ومن المحزن جداً اختارت القفز إلى مركب إيران الغارق، إيران التي تكَشَّف للعالم وجهها القبيح في دعم الإرهاب، إيران بنظامها الذي يتخذ من الإجرام منهجاً وأيدلوجية للتمدد والهيمنة وعلى حساب ومقدرات وأمن دول الجوار. إن سبب دهشة الكثيرين، أنظمة ومؤسسات وشعوباً، وتفاجئهم من «المقاطعة»، هو بسبب طبيعة السياسة السعودية والإماراتية المحافظة جداً والتي تتميز بالهدوء والحكمة وشدة التحمل، وعبر عقود وعهود طويلة، وبأنها تصبر على «جار السَّو»، وتركن دوماً لتغليب العقل والمنطق والتعويل ودوماً على العمل على إصلاح الآخر، وبكل الوسائل المتاحة لأجل إحلال السلام، ونتيجة كل هذا علينا أن نتصور حجم الكوارث التي سببوها وتحملتها هذه الدول وغيرها حتى طفح الكيل وزاد. الملك سلمان والرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد، يتمتعون بالكثير من الحلم والصبر والحكمة والتبصر والكثير الكثير من حسن المعاملة، وسمو ورفعة الأخلاق، ولقد تحملوا الكثير، وعملوا أكثر في سبيل الإصلاح وتعديل المسار، وعوَّلوا كثيراً على روابط الدم والتاريخ والكثير من المشتركات، لقد دفعت شعوبهم أثماناً كبيرة وغالية ومن خيرة شبابها نتيجة التآمر ورعاية الإرهاب، ولكن لم يعد للصبر والتروي والحكمة من مكان مقابل هذا الكم الهائل من الدماء والجرائم والدمار، فقد بلغت القلوب الحناجر، وأصبح هذا الشقيق الصغير يمثل تهديداً حقيقياً وفاعلاً للأمن القومي والإقليمي الخليجي والعربي، وباع نفسه وارتمى بأحضان الشيطان. مركب إيران يغرق رويداً رويداً ومن يقفز إليه طلباً للنجاة لا بد أن يكون قد فقد التوازن تماماً والاتزان، ولكل من لديه وصف آخر، أن يصفه كما يشاء. الوقت سلاح ذو حدين، خصوصاً في خضم الأزمات، وحالة التهور والتسرع والغضب، ويؤدي حتماً إلى نزق في الفكر وإلى ردود أفعال غير محسوبة التبعات والمخاطر، وها هو اليوم طرف ثالث يتلقف الخيط، وهو الجانب التركي وفرصته للوجود المكثف على أرض ومياه الخليج العربي، كما قفزت من قبله بيومين إلى قلب المشهد إيران. لم نقرأ في التاريخ مثل هذا الكم من الأضداد يجتمعون معاً في مكان واحد وعلى بقعة صغيرة من الأرض، لا يوجد بينهم أي مشتركات فكرية وأيدلوجية، بل تتقاطع مصالحهم وأجنداتهم في كثير من القضايا الإقليمية والملفات، ولكنها- كما يبدو- هي الفوضى الخلاقة والتي يشترك في تنفيذها كل هؤلاء الفرقاء، وكأنهم خلايا نائمة كانت تعمل سنين وهي بيننا، ضدنا ومنذ عقود في الخفاء.. المشهد يزداد تعقيداً، وربما يؤدي إلى خلق «كيان» جديد في المنطقة، ولكن هذه المرة في قلب مياه الخليج العربي. لا طريق ولا منجاة ولا مناص أمامهم سوى أن يعودوا إلى الصف الخليجي والعربي وجادة الصواب، ولكن سيبقى وسيظل السؤال الأكبر والأهم، كيف ومن بالتحديد سَيدفع ثمن كل الجرائم التي تسببوا فيها، ومن سيتحمل عنهم عبء كل هذه الآثام، وهذا الكم الهائل من الضحايا وسفك الدماء؟.. وشكراً. مؤيد رشيد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©