الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عرب أميركا اللاتينية.. أكثر من تجار شنطة!

عرب أميركا اللاتينية.. أكثر من تجار شنطة!
10 أغسطس 2016 21:29
د. رسول محمد رسول عقود عدة مرَّت والقارئ العربي يتابع روايات وقصصاً لكتّاب أميركيين لاتينيين من دون أن يخطر على باله يوماً الكيفية التي أظهرت فيها تلك النُّصوص السردية صورة الإنسان العربي المهاجر فيها، حتى عكف الباحث الكوبي (ريجوبيرتو إرنانديث باريديس) على تأليف كتابه المهم (صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية) الصادر عام 2015 كأول عمل قرائي من نوعه حتى الآن، وترجمه إلى العربية (أحمد عبد اللطيف)، وصدر مؤخراً عن مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي. لقد خلت المكتبة الأميركية اللاتينية من دراسات كهذه باستثناء دراسة موجزة سلطت الأضواء على تمثيلات المبدعين في تلك القارة لصورة العربي المهاجر، لذلك اضطر باريديس إلى تناول الحضور الفعلي للوافدين العرب الذين مهد القرن التاسع عشر (1868 - 1878) لظهورهم الزمني، حتى تطور وجودهم في الثلث الأول من القرن العشرين، ليختم مقدمته الموجزة والمهمة بنص وصفي مكثف لـ(خورخي أوستا) في مستهل كتابه (عرب في وطنهم الثاني) الذي جاء فيه: «لقد انتقل العربي من قيود اللغة إلى المهارة التجارية التأسيسية، ومن العزلة الأولية إلى تحويل محله أو مخزنه إلى محاور للحياة القروية والحضرية، ومن الخطابات إلى عائلته البعيدة ليطمئنهم بعودته إلى انصهاره في المجتمع الكولومبي النهائي، ومن التديُّن المركَّز إلى التفاوض الثقافي، ومن حقيبة التجار المتجوِّلة البطولية إلى المتاجر الثابتة والمحترمة، والاستثمار في تربية الماشية والزراعة والصناعة، ومن تهديد المنافسين العدائي إلى الحركة الاجتماعية، وبناء شبكات تجارية، والوصول إلى السلطة القضائية الأولى في الأمة، ومن الإبداع في صناعة الثلج والتجارة على بغلة، إلى السفر الإقليمي والأبحاث الجينية والتقدُّم في شتى فروع الطب، وتجديد الصحافة والشعر والتصوير الفوتوغرافي، وتصميم الملابس والموسيقا القومية، مائة عام لم تكن قليلة!». يبدو أن هذا الوصف قدَّم صورة واقعية للعربي المهاجر لينتقل (باريديس) إلى المتخيل السردي بغية استطلاع صورة العربي، كما تمثّلها بعض الكتاب الأميركيين في القارة اللاتينية، أصلاء أو من أصول وافدة، ومن ذلك السرد الكوبي، حيث صورة العربي الخاطفة في جمهورية الكولونيالية الجديدة، كما ظهر ذلك في رواية كارلوس لوبيرا (خوان كريو) التي تحدَّثت البطلة فيها عن بائع تركي رفض بيعها فوطة بالتقسيط، ووصف «التركي» هنا يشير إلى العربي الفلسطيني أو السوري أو اللبناني، حيث كان الجميع ينتقلون بجواز سفر تركي عثماني. هذا أيضاً ما نجده في رواية ميجيل باترنت (سيرة آبق) أو (سيرة أروي)، وكذلك في رواية الوافد من أصول لبنانية أنطوان عرفات (الصندوق مغلق)، حسب ابنة البطل التي تصف حياة والدها المغترب، وأيضاً في رواية (الأطفال يتبادلون الوداعات) لبابلو أرماندو الذي يقول في أحد ملفوظاتها السردية: «العرب، سوريون ولبنانيون هم باعة الفضيات». إلى جانب رواية الكاتب الكوبي دانييل تشارباريا (أرملات الدم) وشخصية مسرودة من أصول عربية تسمى «المورو سعود» كبائع متجوِّل (كان الأمريكيون اللاتينيون، خاصة الكوبيون منهم، يطلقون على الوافدين العرب واليهود المهاجرين إليهم اسم «مورو»)، ناهيك عن رواية (رسول السُّلطان) للكاتب إرنيستو جوميت أباسكال، حيث صور شخصية الجنرال التركي أحمد باشا في سردية تاريخية لافتة. ويختتم المؤلف فصله الأول بالحديث عن رواية جييرمو سانتشيث دي أندا (دُن سيمون اللبناني) المكتوبة كلقاء طويل مع جد لبناني مقيم في المكسيك، وهو يسرد حكايات الأهل في ترحالهم بعيداً عن وطنهم العربي. ماركيز وأمادو.. الأكثر انتباهاً من هذه الومضات الريادية الخاطفة ينطلق المؤلِّف نحو تسريد الوافدين العرب في روايات (جابرييل جارثيا ماركيز) الذي أدرك حجم حضور اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين في البلد الأميركي الجنوبي فعلياً، ولم يدّخر سرداً إلاّ وتضمَّن صوراً للوجود العربي المهاجر منذ نهاية القرن التاسع عشر، بعبقرية روائية رائقة الحضور في عدد من رواياته، خصوصاً مذكّراته (عشتُ لأروي)، التي تتحدَّث عن مدينته الأولى (أركاتاكا)، في ظل تأكيده أن كل ما كتبه قد استلهمه من تجربة الزمن الذي قضاه مع أجداده في تلك المنطقة، وفي رواياته الأربع (ساعة نحس)، و(الكولونيل لا يجد من يكاتبه)، و(مائة عام من العزلة)، و(سرد أحداث موت معلن)، كثف ماركيز من حضور شخصيات عربية مهاجرة إلى وطنه كشخصية (السوري موسى)، وشخصية (التاجر ذي الأصول العربية) في الرواية الثانية، وشخصيات التجار السوريين في الرواية الثالثة، وكذلك في الرواية الأولى حيث محل الحلاق السوري، ومتجر موسى، وشخصية إلياس السوري الغاضب أيضاً، وفي الرواية الثالثة يسرد ماركيز حالات من بائعي المصوغات في شارع الأتراك، إلا أن هذه الرواية تحفل بالعديد من الصور الخاصة بحياة العرب وجذورهم أيضاً، ليقف في الرواية الرابعة عند عرب القرية المفقودة، في محاولة منه لإعادة تكوين وجود الوافدين وأنسالهم في المجتمع القادمين إليه كوافدين، مثل سانتياغو نصار ووالده إبراهيم نصار، ونهير ميجيل وابنته فلورا، وجميل شايوم الصائغ، وسوسيمي عبدالله، بل إن زوج ماركيز نفسها (مرثيدس بارتشا باردو) كانت من أصول عربية مصرية، حتى تسنى للمؤلف (باريديس) القول إن ماركيز في رواية (سرد أحداث موت معلن) يقدم «صورة لجماعة متماسكة يمنح أعضاؤها الحماية، ليس لأبناء بلدهم فقط، بل لنسلهم أيضاً». ومع الفصل الرابع يأخذنا إلى تجربة الروائي جورجي أمادو، الذي تناول صورة العربي في سردياته على نحو أكثر من سابقيه، رغم المبادرة الماركيزية الرائعة في هذا المجال، خصوصاً أنه أقبل على تسريد حضور العرب في أرض الكاكاو من اللبنانيين والسوريين في رواياته ومنها: (جابريلا والمسمار والقرفة)، و(سان جورجي ابن الهوس)، و(تيتا دل لوس أجرستس)، و(السيدة فلور وزوجاها)، و(محل المعجزات)، و(توكيا العظيمة)، فضلاً عن روايته (كيف اكتشف الأتراك أميركا؟) الصادر العام 1994، وشخصية الحكيم رضوان، إلى جانب شخصية جميل بشارة. وهي الرواية التي يقول عنها (باريديس) أنها «الأنموذج لاستيعاب الجاليات العربية في البرازيل، حيث تقدِّم توصيفاً للجالية العربية في البلد الأميركي اللاتيني الرحب، وسلوكيات أعضائها في المجتمع المضيف بطريقة مشبعة وسلسة». بورخيس.. وابن خلدون خورخي بورخيس الذي لم يفت حضور العربي المهاجر مخياله السردي، هو موضوع الفصل الخامس من هذا الكتاب الذي يسلِّط الضوء على أجندة الحالة السردية الأرجنتينية التي ظهر العرب المهاجرون فيها مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر في بوينس آيرس، ومن ثم في مدينة سانت، وبالتالي قرطبة، لذلك اختار بورخس اسم قائد الطائفة الدرزية المسرود (ابن خلدون). فضلاً عن رواية (آدم بوينوسيارس) لكاتبها الكوبي ليوبولدو مارشال، وشخصية التركي عبدالله، صانع العطور بشارع وارنس، وشخصية جبيل العربي المسيحي. وبذلك يحاول هذا الروائي إدخال المهاجرين العرب في المناخ الخاص بثقافتهم، واستخدام رموزهم الحضارية والثقافية كاليانسون والنارجيلة. ويشاطر ذلك الكاتب أبيلاردو كاستييو في قصة (ثأر)، حيث شخصية عمر بن جدير، وشخصية إلياس التركي علي، وفيها يُوصِّف المهاجر بأنه سليل شعب عربي قديم، فضلاً عن استخدام الكاتب لتقويم إسلامي على نحو رائع. إبداعات مهاجرة في الفصل السابع من الكتاب يأخذنا المؤلِّف صوب عوالم الإنتاج الأدبي لأبناء المهاجرين، يأخذنا إلى شيلي وكولومبيا والمكسيك، كما يتجلّى ذلك في روايتين لكاتبين من أصول فلسطينية هما: والتر غريب في روايته (المسافر ذو البساط السحري)، وخايمي هالس في روايته (مهاجر ذو عينان لامعتان)، وهنا تظهر شخصية التاجر من عائلة ماجدلاني في الأولى، وشخصية يوسف أو خوسيه في الرواية الثانية. وكذلك يتناول في الفصل نفسه رواية المهاجر من أصول لبنانية لويس فياض (سقوط الجهات الأصلية)، الذي كتب نصه السردي بدافع ترسيخ الأصول المشرقية المهاجرة إلى المنافي، وذلك ليس بعيداً عن تناول روايات أخرى من السرد المكسيكي بأقلام كتّاب من أصول عربية أمثال: هيكتور آزار، وباربارا جاكوبس، وكارلوس مارتينيت أسد، لكنّه يركِّز على تحليل رواية الكاتب الأخير (في الصيف) التي يأخذنا السرد فيها إلى حنين الأصول وكيفيات الرحيل عنها إلى أصول مختلفة جديدة. التركي في «حفلة التيس» في الفصل الثامن والأخير، يحلل المؤلِّف ظهور شخصية التركي في رواية (حفلة التيس) لماريو يوسا، وهي رواية تاريخية لكنّها تتضمَّن تسريداً للحضور العربي أو التركي في برامجها السردية كشخصية سلفادور سعدالله، ليختم المؤلِّف كتابه بحديث شيق عن ديوان شعري كتبه المهاجر من أصول سورية خورخي أوستا بعنوان (المملكة الخطأ) والذي يتضمَّن، بحسب وجهة نظره، قيمة ذات مذاق سردي، كونه يتطرَّق إلى حياة المهاجرين الذي اغتربوا عن أوطانهم نحو شواطئ كولومبيا، حيث يقول في إحدى القصائد: «وأنت يا صغيري، يا كائناً من ذهب، استغل هذه الأنهار الوحشية، حيث القمر، كما في رام الله، طعام للغريب». أخيراً، تبدو ترجمة هذا الكتاب إلى العربية أكثر من ضرورية، كونها تضعنا عند صورتنا كعرب في تمثيلات الآخر المختلف لنا، وتعزز لدى المكتبة العربية وجود واحدة من أهم الدراسات المترجمة في هذا المجال، لا سيما أن مؤلِّف الكتاب (ريجوبيرتو إرنانديث باريديس) تمتع بحس نقدي تأريخي وتحليل علمي دقيق، عززه الروح العلمي الأصيل الذي يتمتع به، وهو يتناول هكذا موضوع غاب عن مكتبتنا العربية لأكثر من قرن كامل، وبالتالي كشف عن حالة المبدع من أصول عربية في منافيه، ودوره في خلق حالة التأثير في الآداب العالمية، كأدب أميركا اللاتينية، ويأتي هذا الكتاب في وقت يشهد العالم العربي رحلات هجرة كبيرة لمثقفين عرب من بلدانهم التي تعيش جحيماً وموتاً رخيصاً، ولا ندري إلى أية درجة سيؤثر هؤلاء المثقفون في آداب العصر العالمية الراهنة؟. إن كتاب (صورة العربي في سرديات أميركا اللاتينية) يستحق أن يكون كتاباً منهجياً في جامعتنا العربية. الليندي.. والماء المقدس الفصل السادس مخصص للروائية الذائعة الصيت إيزابيل اللندي، وشخصية رياض حلبي صانع الماء المقدَّس في رواية (إيفا لونا) التي وصفت هذا الحلبي بأنه رجل يحب الغير، مثيراً لمشاعر الود، وهو مهاجر بدأ حياته كبائع متجوِّل، حتى استقر مطافه في قرية أجوا سانتا. عرب في وطنهم الثاني لقد انتقل العربي من قيود اللغة إلى المهارة التجارية التأسيسية، ومن العزلة الأولية إلى تحويل محله أو مخزنه إلى محاور للحياة القروية والحضرية، ومن الخطابات إلى عائلته البعيدة ليطمئنهم بعودته إلى انصهاره في المجتمع الكولومبي النهائي، ومن التديُّن المركَّز إلى التفاوض الثقافي، ومن حقيبة التجار المتجوِّلة البطولية إلى المتاجر الثابتة والمحترمة، والاستثمار في تربية الماشية والزراعة والصناعة، ومن تهديد المنافسين العدائي إلى الحركة الاجتماعية، وبناء شبكات تجارية، والوصول إلى السلطة القضائية الأولى في الأمة، ومن الإبداع في صناعة الثلج والتجارة على بغلة، إلى السفر الإقليمي والأبحاث الجينية والتقدُّم في شتى فروع الطب، وتجديد الصحافة والشعر والتصوير الفوتوغرافي، وتصميم الملابس والموسيقى القومية، مئة عام لم تكن قليلة!. خورخي أوستا في مستهل كتابه «عرب في وطنهم الثاني»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©