السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاشم المعلم: لا دواء لأمراض البشرية إلا التسامح

هاشم المعلم: لا دواء لأمراض البشرية إلا التسامح
10 أغسطس 2016 20:53
عبير زيتون ـ رأس الخيمة (الاتحاد الثقافي) لا يحب أن يلقب بشاعر، فالألقاب ترهق روحه الهائمة كالطائرة الورقية في بحثها عن فضاءات شاسعة ملونة، يترصدها بقلب الشاعر الأبيض المسكون بإنسانوية فطرية، ووجدانية روحية تنضح بها قصيدته الشعرية المسكوبة بحبر الروح العطشى لطعم البدايات الأولى، ببراءتها وبساطتها، فجاءت أعماله الشعرية مثل أقانيم سير نورانية في بحثها في وجوه وأمكنة وأزمنة، ولقاءات لأحبة وأصدقاء رحلوا وتركوا في سلال روحه ودائع كبيرة من الألم والشوق، فسكبها بلغة شعرية نابضة بشراسة عطش الحب والإخلاص، وعنفوان الإحساس بنبضه الأول، من دون تزويق أو تجميل كما يحب أن يكون، وأن يعيش، فكان هو القصيدة التي يكتب، وكانت القصيدة كما يتنفس، كلاهما يعيش بروح الآخر. «الاتحاد الثقافي» تجول بأسئلته في عوالم الشاعر الإماراتي هاشم المعلم، بحثاً عن إجابات تخص مفهوم الشعر لديه، أسباب العزلة الشعرية وندرة الإنتاج، وتأثير ذلك على حضور القصيدة الشعرية عنده. * كيف يقدم الشاعر هاشم المعلم نفسه كإنسان وشاعر؟ ** باختصار شديد وبهدوء أنا شاعر. بالمناسبة لا أحبذ لقب شاعر لأنه يدمِّر مجهودي الثقافي. ولدت في الشارقة «بوطينة» على رمال بيضاء توصف بأنها مثل السكَّر. أهوى الصعلكة والتسكع عبر شريان الحياة، وكذلك أحب أن أخرج مع هطول الأمطار وأن أتسكع حافياً لولا المسامير وأعين البشر. ومنذ طفولتي الأولى كنت أتمنى أن أطلق لحيتي وأجعل رأسي غابة للطيور، لذا دوماً أجلس على الرصيف وحيداً وصامتاً، أقيس أعماقي بصنارة الحدس، وأخرج لساني للشمس، وأودع المغيب، وحين أعود إلى منزلي أجدني ممتلئاً بالصور، والأساطير والخرافة. دفعت ثمن مواقف حياتية مبكراً، نمت جائعاً، وبكيت وحيداً، لكن لم أتخل عن كبريائي كشاعر. لم ولن ألتفت إلى بريق العالم الزائف، فكلما أسقط أصر على أسناني وأكتم وجعي، لذا لا يلتفت إليّ أحد. * ما هو مفهوم الشعر بالنسبة لك؟ وهل يتغيّر هذا المفهوم بتغيير الزمان والمكان؟ ** ليس للشعر مفهوم ثابت، وبالأحرى الشعر لا يدخل معامل ومختبرات كي نخرج بمفهوم ثابت له، إنه لا يتجزأ ولا يتغير طالما أنه مرتبط بالوعي، وهذا الوعي هو الذي يقودنا إلى الأسئلة الأولى، إلى الفطرة الإنسانية، ولأنها لا تستقر هكذا تكبر الأسئلة بدواخلنا وتتضخم، ومهمة الشاعر هنا ليس طرح مزيد من الإرهاصات، وكذلك ليس مهمة الشاعر أن يطبب الأعماق، بقدر ما إنه يمشي على حبل رفيع، ويلوح للآخرين أن الحياة تكمن هنا في الضفة الأخرى. يقول جان كوكتو (لا أحد يجهل بأن الشعر عزلة مخيفة، لعنة الولادة ومرض الروح). تفاحة الصمت * صمتك عن الشعر وفعل الكتابة طويل وحاد في بعده وندرته، كيف تفسر مفهوم الصمت وأثره على طزاجة الحضور الشعري؟ ** الصمت له مدلول شاعري كبير بالنسبة لي، على أقل تقدير يجعلني أجالس نفسي وأستمع إلى قطار يصرخ بداخلي. الصمت تفاحة وله شطران: عافية ومرض. في الصمت أجالس مولانا جلال الدين الرومي وأقفز بين سطور مثنوي، وأتطلع إلى النجوم برفقة عمر الخيام، وأذهب مبكراً مع هيرمان هيسه، وأراوغ ذئب البوادي، وأتخطى فصل في الجحيم، وأصافح آرثر رامبو. وفي الظلام يقودني غاستون باشلار بـ «شعلة قنديل»، وأخوض بحار السيمياء، وساحل جمالية الفوضوية، وأصغي لـ كامي وسارتر وصولاً إلى نيتشه وهكذا تكلم زرادشت، أدلف إلى دوائر حكيم عنكر، وأنصت لتجليات عبدالله حبيب. وأعتقد أن الصمت في حضرة الكتاب أعلى مراتب الحكمة، بل أدعو إلى الصمت كي نصغي أكثر. السطح براق ثرثار. الكنز في الأعماق. وقلة إنتاجي تعود إلى بحثي الدؤوب عن ما هو أجمل ومغاير. دواء التسامح * بدأت ديوانك الشعري الثاني: المدفون في الهواء 2003 بعبارة لنيكوس كازانتزاكيس «لست آمل بشيء، ولست أخشى أي شيء، إنني حر». فهل أنت حر الآن في الحياة وفي الكتابة؟ وما مفهوم الحرية لديك؟ ** الإشكالية أن الآخر يفهم أن الحرية مسألة نسف. الحرية لا تكمن في نسف القيم والعادات، والخروج من جلد الإنسانية. الحرية وبكل بساطة هي التسامح، متى امتلكت وعياً وقلباً نقياً خالياً من الحقد والضغائن والتعالي تجاه العالم، فإنك حر. لا يوجد في هذا الكون دواء لأمراضنا البشرية إلا التسامح. لا أعتقد أن هناك قيوداً وأسيجة بمقدورها أن تقيد حرية الشاعر في التعبير. لربما استطعنا أن نقيد ونضع الأغلال الثقيلة في يد الشاعر، لكن هل بمقدورنا أيضاً أن نقيد قلباً لشاعر نابض وحالم؟ أعتقد كلا... لذا أنا حر، وأعيش حراً لأنني متسامح مع نفسي ومع العالم. * حملَت القصيدة الشعرية النثرية أحزانك ومخاوفك، وحنينك لصحبة الماضي، فهل القصيدة الشعرية بالنسبة لك هي خزان ذاتي لمشاعر وجدانية، أم ترى في دور القصيدة ما هو أبعد من ذلك؟ ** ثمة أمور كثيرة تغيب عبر هذه اللحظات، وربما تكون عادة السبب الحقيقي في ما أخذني ذات نهار إلى هذا العالم، والذي يطلق عليه «ملكوت الشعر والشعراء». في أحايين كثيرة وفي قرارة نفسي أردد هذه العبارة: «ترى من يغوي الآخر؟ ومن يقتنص من؟» هل الشعر هو الذي يقودنا إلى مجاهيله، وإلى عوالمه وأحراشه الذهبية؟ أم أن هناك شيئاً آخر خفي مجهول؟ أم أن أرواحنا تواقة عطشى؟ لكن جلّ ما نحاول أن نبرره، أو أن نتخطاه هو أننا ــ وبشكل لا إرادي أو في اللاشعور ــ نعيش التوق، التوق إلى تغيير العالم بمفاهيم أكثر جمالية وأكثر إنسانية وشاعرية، لكن بواسطة كلمات براقة، ساحرة وجذابة، وتنطق وتنبض بعيداً عن الجرافات وأدوات القتل أو القمع والتسلط على الرقاب. * ما هي قصيدة النثر بالنسبة لك؟ ** قصيدة النثر هي مرصد كوني به أتطلع إلى الكواكب وأقيس انحراف نجمة. منها استمعت إلى موسيقى الأفلاك، ووضعت وردة على فوهة بركان. القصيدة هي الأنثى المشاغبة المجنونة ونبع الحياة بالنسبة لي. إخلاص للحنين * دواوينك الشعرية الثلاثة مخلصة لطعم حنين موجع وعميق، ومشاكسة بإلحاح لأزمنة ووجوه وذكريات لفها الزمن بصمته، إلى ماذا يحن الشاعر هاشم المعلم اليوم؟ ** يقول أحدهم هذه العبارة «بالشعر وحده يمكن الإنصات لعزلة الإنسان». القصيدة الخالية من تلك الأقاليم: الألم والحنين والشوق والذاكرة، هي قصيدة ميتة لا تنبض، ولا أعتقد أن هناك ما هو أهم من قضية الإنسان، لأنه مركز يدور حوله العالم والذاكرة، العمود الفقري للقصيدة. ليس بمقدورنا أن نتخطى الذاكرة أو أن نتجاهلها ونهرب منها هكذا. بالفطرة الإنسانية نتوق ونتطلع إلى مرابع طفولتنا، وإلى الأصدقاء والأمكنة الحميمة التي تركناها في بئر الذاكرة، وتلك الصور التي تسيل من مخيلتنا هي من الماضي، وبالتالي تشق دربها نحو قلب القارئ، ومن دون ذلك لا بد للقارئ أن يتذمر. * كتابك الأدبي الأخير (عين الرمل) 2012 يوحي بمشروع ناقد له بصيرة نقدية في توقفه متأملاً بعض التجارب الشعرية الإماراتية والعربية، كيف تراه؟ ** ربما جاء كتابي الأخير (عين الرمل) احتفاء بأصدقاء وتخليداً لذكريات، إلا أن هذا الوصف لتجربتي أعتقد أنه ضخم. ليس لديَّ مشروع ناقد، لكن هذه قراءة في تجارب الشعراء، وقصائدهم لامست شيئاً، وحركت في داخلي شرارة الكتابة، وآمل أن أنجز كتاباً مشابهاً لـ (عين الرمل) لأن الحياة أكبر وأكثف من أن تحبس بين دفتيّ كتاب واحد. أرفع القبعة لهؤلاء الساحة الشعرية في الإمارات زاخرة بمبدعين وشعراء لهم إنجازات مهمة على المستوى المحلي والإقليمي، إلا أن قنواتنا الرسمية التي من مهمتها إيصال أصوات الشعراء إلى الضفة الأخرى لا تواكب تطلعات وآمال الشعراء بشكل يليق بالمستوى الإبداعي، وحين نتكلم عن التجربة الإماراتية لنا أن نرفع القبعة لشعراء ما زالوا يدافعون عن قصيدة النثر، وهم بناة الشعر في الساحة الإماراتية، أمثال: عبدالعزيز جاسم، ثاني السويدي، إبراهيم الملا، أحمد العسم، ظبية خميس، خالد البدور، عبدالله السبب، نجوم الغانم، وعادل خزام. قصائد شرسة في إجابة حول مشروعه الشعري المقبل قال هاشم المعلم: ربما أنا بحاجة إلي حيوات أكبر وأكثر من حياتي القصيرة كي أكتب ما أعيش، وربما العكس هو الصحيح، أعيش ما أكتب. عموماً لدي مشروع لإنجاز مجموعتي الشعرية المعنونة بـ «قصائد شرسة»، وشراستها تكمن عبر المخيلة حين تطوف بنا حول شتات الإنسان ورمال الطفولة، وأترك لكم متعة القراءة في حينها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©