السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
17 نوفمبر 2009 00:20
دين آر. أوين بيونج يانج زيارة كوريا الشمالية تشبه النظر عبر نافذة متجر أُقفلت أبوابه قبل زمن بعيد، ولكن سلعه القديمة لم تبرح مكانها ومازالت حيث وُضعت أول مرة. أتجول عبر دروبه وشعور بالحظ والذهول والفضول وبعض التوتر، لا الخوف، يغمرني. إنها لا تشبه أي مكان آخر على الأرض؛ فوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات التي يتخذها بقية العالم من المسلمات –مثل الإنترنت، والهواتف المحمولة، وأنظمة تحديد المواقع "جي بي إس"– غير متاحة للمدنيين، ولا يصل إليهم عن الغرب إلا ما يتسم بالعنف. عملي في "وورلد فيجن" -منظمة إنسانية مسيحية- هو الذي جلبني إلى هنا في يونيو من أجل تفقد المدارس والمستشفيات التي تستفيد من البرامج التي تمولها المنظمة، فأصبحت واحدا من الأميركيين القلائل الذين أتيحت لهم فرصة رؤية أكثر دولة عزلة في العالم؛ والواقع أن السياح الأميركيين يُسمح لهم بزيارة البلاد، ولكن سفرهم كسياح محصور بين أغسطس وأكتوبر، وهي الفترة التي يقام فيها مهرجان "أريرانج"، المعروف أيضا باسم "الألعاب الجماعية". خلال زيارتي التي دامت أربعة أيام إلى هنا، مرفوقا بموظفين حكوميين، رأيت ربما أحد أكثر مواقع جذب السياح إثارة للفضول في العالم: فبعد ظهر أحد أيام الجمعة، كنتُ أتجول عبر ممرات سفينة تجسس أميركية؛ فسفينة "بويبلو" -الراسية على ضفة نهر تايدونج في العاصمة الكورية الشمالية بيونج يانج- تعد أهم جائزة تفخر بها الحكومة في مقاومتها لـ"اعتداء الامبرياليين الأميركيين"، وحين كنت على ظهر الـ"بويبلو"، شعرت كما لو أنني أفتح كبسولة من زمن الحرب الباردة. فقد شاهدت أولا فيلما طوله 18 دقيقة حول حجز السفينة واعتقال طاقمها في يناير 1968، يختتم بموسيقى وطنية وصور قديمة بالأبيض والأسود للرئيس "جونسون" وهو ينفي أن تكون سفينة "بويبلو" في مهمة تجسسية. وتقدم ثقوب على جسم السفينة، رُسمت حولها دوائر بالأحمر، تذكيرا قويا بأن إطلاق نيران الرشاشات والهاون من الزوارق الحربية وغواصة مطارِدة كان ضروريا لتأمين إخضاع السفينة التي يبلغ عمرها 65 عاما؛ أما غرفة الاتصالات، فتعج بمجموعة من تكنولوجيا الاتصالات الكلاسيكية، مثل أجهزة الراديو المصنوعة من الفولاذ، بشاشاتها الخضراء الباهتة، ومفاتيحها التي تهالكت وتآكلت وترك عليها الزمن آثاره؛ وفي ركن من الغرفة، تقبع آلة كتابة يدوية تلتقط الغبار؛ وفي صناديق زجاجية يوجد حذاءان للنقيب لويد باتشر، ورسالة مكتوبة بخط اليد من الطاقم إلى "جونسون" تطلب منه راجية، رغم تصريحاته العلنية، للتنازل والاعتراف بأنهم كانوا فعلا في مهمة تجسس على "الشمال"، رسالة يقول أحد الضباط الناجين إن الأميركيين أُجبروا على كتابتها من قبل معتقِليهم. ثم انتهت الجولة، التي استمرت 40 دقيقة، في مؤخرة السفينة حيث قامت مرشدتنا، بالإجابة على أسئلة الزوار بجوار أحد المدافع الرشاشة لسفينة "بويبلو". داخل كوريا الشمالية، كل شيء مرتب ومنظم لدرجة أنها تلقب بـ"فردوس العمال"، فردوس بالنسبة للسكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة، إذ لا توجد بطالة والجرائم شبه منعدمة. وفي هذا الفردوس، لا أحد يحتاج إلى ساعة منبهة لأنه في الخامسة صباحا من كل يوم، في المدن كما في البوادي، يستيقظ السكان على صوت الموسيقى الوطنية التي تنبعث من الأبواق، متبوعة بصوت امرأة تحث الناس على العمل بجد وتفان قصد النهوض بجمال وعظمة مجتمعهم، وتكريم الرئيس الأبدي للجمهورية "كيم إيل سونج" ، وابنه الجنرال "كيم جونج إيل" الزعيم الحالي للبلاد. ومن أول المعالم التي تصادفك وأنت تدخل المدينة "قوسُ النصر" الذي بني في 1982 لتخليد مقاومة كوريا للاحتلال الياباني من 1910 إلى 1945؛ حيث تم تشييد صرح على نموذج "قوس النصر" الفرنسي في باريس، ولكنه قُصد أن يكون أكبر منه بقليل. الشوارع تُكنس عدة مرات في اليوم. ففي صباح أحد الأيام، مررنا عبر ساحة كيم إيل، وهي واحدة من معالم كثيرة تكرم مؤسس البلاد. والساحة، التي تبلغ مساحتها أكثر 800 ألف قدم مربع، يفوق حجمها "ساحة الاتحاد" في سان فرانسيسكو بحوالي عشر مرات؛ إلا أنه لا يوجد متسولون ولا فضلات حمام. وبالمقابل، شاهدنا أكثر من 200 شخص على أيديهم وركبهم منهمكين في تنظيف أرضية الساحة – مشهد لن أنساه ما حييت. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©