الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مالي النموذج المبكر للتدخل القطري في أفريقيا

مالي النموذج المبكر للتدخل القطري في أفريقيا
20 يونيو 2017 17:11
هيثم نوري (القاهرة) لسنوات ليست بالقليلة، ظلت قطر تستخدم سلاحي الاستثمار والإغاثة الإنسانية لاستمالة الدول الأفريقية التي يقبع بعضها في أسفل قائمة الدول في مستويات التنمية البشرية ومتوسط دخل الفرد. مع ذلك، ظلت قوى اجتماعية وسياسية في تلك البلدان تشير للوجود القطري، وتحذر من أنه ليس بريئاً، حيث يحمل أجندة يصعب على دول فقيرة مواجهتها وحدها. وكانت مالي نموذجاً لتدخل قطر في 2012، بحسب تقرير لمنظمة الديمقراطية المفتوحة. فمع مطلع 2012، كانت المشاركة القطرية في إسقاط حكم الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي قد انتهت بمقتله وصعود حركات متطرفة في قلبها جماعة الإخوان. وساهم سقوطه في انتشار السلاح المكدس في مخازن العقيد، وتسربه إلى أيد أفريقية كثيرة في الصحراء الكبرى جنوب ليبيا. في مالي كان الوضع معقداً، فهي على تماس مع معاقل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب»، وكثير منها جنوب الجزائر التي اكتوت بنار التطرف في التسعينيات. في الوقت نفسه، كان شمال مالي معقلاً حصيناً لقبائل الطوارق المطالبة بالاستقلال منذ الستينيات، وملجأ لعناصر الإرهاب التي يمكن أن تختفي في مساحات واسعة عصية على المراقبة. تدهور الوضع في مالي أكثر في 22 مارس 2012، مع انقلاب أطاح الرئيس أمادو توماني توري، فصار الشمال بلا سيادة واقعية ولا حتى اسمية. حينها كانت الفرصة مواتية لقطر للتدخل في هذا الجزء من الساحل الأفريقي الفقير اقتصادياً والهش سياسياً واجتماعياً. استغلت الدوحة وجود سابق لها في عدد من الدول الأفريقية ومنها مالي، حيث كانت لديها شبكة تمول مدارس دينية وجمعيات خيرية منذ الثمانينيات. كما أبرم الهلال الأحمر القطري اتفاقية مع الصليب الأحمر المالي لإغاثة سكان المناطق الشمالية الفقيرة والمتضررة من ظاهرة الجفاف والتصحر التي ضربت الساحل الأفريقي أواخر الثمانينيات. تركزت المساعدات في مثلث جاو وتمبوكتو وكيدال وهو «بالمصادفة» قلب الدولة التي أعلنها الانفصاليون الطوارق قبل أن يستولي عليها الإسلاميون «المدعومون» من قطر، بحسب تقرير الديمقراطية المفتوحة. وبالفعل أشارت صحيفة لوكانار إنشاين، وهي صحيفة تعتمد على تحقيقات الصحفية السياسية، كما أنها لا تقبل الإعلانات، إلى أن القوات الخاصة القطرية ساهمت في تدريب العناصر المتمردة، خاصة مقاتلي جماعة أنصار الدين. من المعروف أن أنصار الدين إحدى الجماعات المتحالفة مع تنظيم القاعدة، بل يعتبرها كثيرون أنها أحد فروعه. واعتمد تقرير الديمقراطية المفتوحة على ما صدر في 2013 من إدارة الاستخبارات العسكرية الفرنسية. ويعتقد مراقبون نقل عنهم تقرير الديمقراطية المفتوحة أنه بغض النظر عن كثافة ودرجة تدخل قطر، فإن الملاحظ استمرار تدخل قطر في دول القارة، ليتحول إلى استراتيجية. ويرجع التقرير هذه الاستراتيجية إلى الربيع العربي الذي منح الدوحة ثقة في قدرتها على التحرك دولياً، فهي تدعم الإخوان في كل من مصر وتونس في أعقاب ثورات 2011، كما أنها مشاركة رئيسية في عمليات الناتو في ليبيا، إضافة إلى مساندتها للإسلاميين في طرابلس. وساعد قطر على التدخل في مالي، تردد الجزائر في التدخل لدى جارتها الجنوبية، خوفاً من ارتداد المسلحين الاسلاميين إلى أراضيها، خاصة وأنها تشترك مع مالي في حدود تبلغ 1300 كيلو متر. وبحسب التقرير، فإن قطر كانت تهدف إلى توسيع نفوذها في القارة الإفريقية خاصة جنوب الصحراء، كما أنها يمكنها المساهمة في استخراج النفط والغاز الطبيعي المتوقع إيجاده في مالي، الغنية بموارد أخرى مثل اليورانيوم. كما أن الإمساك بورقة أنصار الدين في مالي تمنح الدوحة بحسب التفكير القطري حينها، وسيلة قوية تمكنها من لعب دور وسيط بين مالي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (اكواس) الرافضة لوجود جماعات متشددة. ومن شأن التدخل القطري أن يزيد نفوذ الدوحة لدى فرنسا المهتمة بمستعمراتها السابقة في أفريقيا. لكن مع ذلك، يبدو أن السحر ينقلب على الساحر الآن، صحيح كون هشاشة الدولة في كثير من أنحاء القارة الإفريقية ساعد على بناء نفوذ دولة لم تكن تستطيع الخروج من حدودها، إلا أن تطور الأوضاع من شأنه أن يربك الحسابات ويضيع الجهود. اعتمدت قطر على ديمقراطية هشة في مالي، وضعف واضح في التنمية، وعدم قدرة على مد سلطة الدولة إلى أبعد من إقليم محدود خارج العاصمة، إضافة وهو أهم عامل تدهو الوضع الأمني في ليبيا وتردد الجزائر عن التدخل. لكن الوضع تغير، حيث سئم العالم، فوضى الجماعات الدينية في ليبيا وغيرها من دول العالم، حيث بدأ الدعم الاقليمي والدولي للجيش الوطني في ليبيا. كما أن دولاً كثيرة بدأت تحالفات إقليمية لضرب ومواجهة التطرف والإرهاب، حيث أقر زعماء دول بحيرة تشاد (نيجيريا وتشاد والنيجر وبنين والكاميرون) تأسيس قوة مشتركة من أكثر من ثمانية آلاف جندي لمواجهة بوكو حرام. في الوقت نفسه، كان التدخل الفرنسي بداية النهاية للوجود القطري في المنطقة. ومع انهيار حكم الإخوان في مصر، فقدت الدوحة النصير الأهم لها في إفريقيا والشرق الأوسط، وهو ما سيخرجها نهائيا من ليبيا، والسودان، والصومال، وبالتالي تقف وحيدة، في مواجهة أشقاء مصرين على التخلص من فوضى وتوحش الإرهاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©