الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أوبر»: السياسات لا تحل المشكلات

19 يونيو 2017 23:10
هناك انفصال بين الطريقة التي تحاول بها شركة «أوبر»، الأميركية العالمية، لخدمات توصيل الركاب تحويل نفسها، وبين ما تحتاج إلى أن تجد له حلاً، كي تصبح مشروعاً تجارياً قابلاً للاستدامة. ولكن الشركة، وبدلاً من إعادة النظر في نموذجها العملي، وحماية نفسها من ردود الفعل التنظيمية، قررت أن تصحح نفسها من الناحية السياسية. ونتيجة لعملية مراجعة للنفس -علنية للغاية - كان الدافع إليها اتهامات وجهت للشركة بإساءة معاملة النساء، ورعاية ثقافة داخلية قائمة على التمييز على أساس الجنس، أصبحت «أوبر» الآن من دون مدير مالي، أو مدير عمليات، أو مدير تجاري، أو مدير تسويق، كما أعطت مديرها التنفيذي «ترافيس كالانيك» إجازة إلى أجل غير محدد. ولكن، سيكون لدى الشركة، مع ذلك، مدير للتنوع، وهو شيء جيد في حد ذاته، ولكنه لن يعالج المشكلة الجذرية التي تعانيها الشركة. وفي اجتماع عقد مؤخراً لجميع موظفي الشركة، ألمحت «إريانا هافينجتون» عضوة مجلسة الإدارة، إلى أنه بمجرد أن تصبح المرأة عضواً في مجلس إدارة الشركة «فإن هناك بيانات عديدة تتوافر» لتدل على أن المزيد من النساء سيتبعنها في عضوية المجلس. ولكن زميلها في مجلس الإدارة «ديفيد بوندرمان» رد عليها محتداً: «الحقيقة أن ما تظهره هذه البيانات، هو تزايد احتمالات حدوث الكثير من الثرثرة» وكما هو متوقع، أثار هذا الرد من جانب «بوندرمان» صيحات احتجاج من الحاضرين، الأمر الذي دفعه للتنحي من عضوية مجلس الإدارة. والصورة المتبقية، التي قدمتها «هافجينتجون» نفسها، هي صورة «كالانيك» الرئيس التنفيذي للشركة -وهو رجل كثير التباهي بخشونته وصفاته الذكورية- حاول أثناء إدارته لـ«أوبر»، أن يلوي أي قاعدة واجهها في طريقه. والتقرير الخاص بثقافة الشركة، الذي كتبه المدعي العام السابق «إيريك هولدر»، و«تامي الباران»، يحتوي على مجموعة من توصيات الحوكمة المؤسسية المعيارية، التي تقدم عادة للشركات الناشئة التي ضلت طريقها مثل: منح دور أقل بروزاً للمؤسسين، والاستعانة بتنفيذيين أكثر حنكة، ومديرين أكثر استقلالية، وإجراء مراجعات رسمية، ومعرفة ردود أفعال وآراء المستهلكين، واتباع إجراءات محددة للتعويضات، والتعليم الإجباري للمديرين، واتباع سياسة شكاوى محددة. ولكن التقرير المذكور دعا أيضاً إلى إعادة صياغة الـ14 قيمة ثقافية للشركة، التي وضعها «كالانيك» بنفسه. وجاء في التقرير أن أوبر يجب أن «تزيل تلك القيم التي يتبين أنها زائدة عن الحاجة، أو التي تستخدم لتبرير التصرفات الرديئة، ومن بينها قيم تعبر عنها عبارات مختزلة من مثل «دع البنائين يبنون»، و«كن طموحاً دائماً» و«الجدارة والاستحقاق» و«عدم مضايقة الآخرين أو التدخل في شؤونهم» و«المواجهة المبنية على مبادئ».. وغيرها. و«أوبر» شركة ضحت بكل شيء تقريباً، من أجل التوسع بأقصى سرعة، إلى الدرجة التي مكنت الشركة من مضاعفة حجم حجوزاتها الإجمالية، حيث بلغ إجمالي الأموال التي دفعها الركاب لخدمات التوصيل التي تقدمها الشركة 20 مليار دولار في العام الماضي. وقيمتا «كن طموحاً دائماً» و«المواجهة المبنية على مبادئ» عند اللزوم، يفسران كيف حدث هذا التوسع الكبير: لقد حاولت «أوبر» أن تدوس على رقاب كل المنافسين، وتنحي المنظمين جانباً، بوسائل مختلفة منها وسائل فنية ملتوية، وذلك للوصول إلى الوضع الذي وصلت إليه. ونموذجها العملي، وخطابها للمستثمرين الذين جعلوا منها الشركة الناشئة الأعلى قيمة في العالم، اعتمدا هما أيضاً على هذا النوع من التوسع الذي لا يعرف الرحمة. لقد قيل إن استراتيجية «أوبر» في سوق النقل في المدن، كانت تقوم على تقويض المنافسة، بدلاً من الاكتفاء باستعراض العضلات في المئات من أسواق سيارات الأجرة ذات الهامش المنخفض. وإذا لم تكن تلك هي الخطة، فإنه لم يكن ليكون هناك أي معنى في انخراط «أوبر» في حرب أسعار منهكة، ودعم رحلات توصيل الركاب، كما تفعل في كل مدينة تدخل فيها. وفي إطار هذه العملية -حرب الأسعار ودعم الرحلات- كان من الطبيعي أن تخسر أوبر 2.8 مليار دولار العام الماضي. وهذه خسارة تفوق خسارة أي شركة ناشئة أخرى خلال عام. ولكن السؤال هنا هل تطبيق إجراءات حوكمة مؤسسية ناضجة، وتعيين مدير جديد للتنوع هو الطريق لتعويض تلك الخسائر؟ الإجابة هي أنه إذا ما بقيت استراتيجية الشركة العملية على ما هي عليه، أي تنمية المشروع بوتيرة لاهثة للسيطرة على كل سوق تدخله، فإنها لن تتمكن من تعويض تلك الخسائر. والأكثر منطقية من ذلك، هو أن تعمل «أوبر» على إعادة النظر في استراتيجيتها، وأن تركز على الربحية بدلاً من التوسع. كما يمكن للشركة أن تقرر إنفاق المزيد على سياراتها الجديدة ذاتية القيادة -أي السيارات التي تعتمد على استخدام أجهزة استشعار وكاميرات، وأشعة ليزر بدلاً من السائقين، وتشكل ثورة في عالم السياقة- بدلاً من محاولة الفوز والسيادة في مدن محددة: ذلك لأن الحصول على ميزة إضافية فارقة في السواقة الأوتوماتيكية، يمكن أن يجعل «أوبر» متميزة عن غيرها من المنافسين. في نهاية المطاف، ستجد الثقافة الداخلية نفسها مضطرة حتماً لمواكبة استراتيجية الشركة الأكثر رشداً. فـ«أوبر» لن تصبح بعد تطبيق هذه الاستراتيجية، قرصاناً يرفع علماً أسود، وإنما ستكون لاعباً حريصاً بدرجة معقولة، يستقطب نوعاً مختلفاً من الموظفين. وربما يتمكن فريق الإدارة الجديد، بعد التعاقد معه رسمياً، من التحرك في هذا الاتجاه، والاضطلاع بكافة الخطوات المتعلقة بتغيير السياسات. ولكن «أوبر»، بدلاً من أن تفعل ذلك، تقوم الآن بتمزيق نفسها قبل أن تقرر الاتجاه الذي ستسير فيه كمشروع. وبهذا فإنها تضع العربة أمام الحصان. إن تغيير الثقافة يجب أن يكون أمراً عضوياً، وبناءً، أما محاولة إظهار الوثوق من صوابية السياسات المتبعة بشكل علني مبالغ فيه، فليست كذلك، قطعاً. * محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©