السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان.. ودروس فيتنام

15 نوفمبر 2009 23:40
جوردون جولدشتاين مؤلف كتاب «دروس في الكارثة: ماكجورج باندي والطريق إلى الحرب في فيتنام» في الوقت الذي كان فيه الرئيس كنيدي منشغلا بتأمل مخاطر اندلاع حرب غير مقصودة في عصر نووي -وهو الكابوس، الذي سيواجهه مباشرة خلال أزمة الصواريخ الكوبية- طلب إلى كبار معاونيه قراءة كتاب "باربرا توتشمانز" المعنون "أسلحة أغسطس" الذي تتعقب فيه كاتبته سلسلة الأحداث التي قادت إلى الحرب العالمية الأولى. واليوم يجد الرئيس أوباما نفسه في وضع مشابه، يتأمل دروس التاريخ ويطلب إلى مستشاريه دراسة الماضي لمساعدته على رسم الطريق التي ستسلكها أميركا في أفغانستان مستقبلا، ومن بين القراءات المقترحة لفريق أوباما كتابي الذي اخترت له عنوان "دروس في الكارثة" ويتناول كيف أن أحد مهندسي الحرب في فيتنام "ماكجورج باندي" تخلى في النهاية عن الالتزام الأميركي تجاه ذلك الصراع المأساوي ليحاول لاحقاً استخلاص الفوائد "لمساعدتنا في مواجهة المشاكل العالمية التي قد تطرأ مستقبلا". وفيما يوازن أوباما مخاطر تصعيد الانخراط الأميركي في أفغانستان يبرز السؤال: ما الذي يمكن للقائد الأعلى الجديد للقوات المسلحة تعلمه من كارثة فيتنام؟ الرئيس يعتقد بأن الأخطار التي تمثلها الحربان مختلفة تماماً، فالشيوعيون الفيتناميون كانوا متحمسين لتوحيد بلادهم، فيما "القاعدة" معنية بتدمير أميركا، كما أن عدونا السابق المتمثل في فيتنام الشمالية لم يكن يشكل تلك الأهمية الاستراتيجية التي تكتسيها أفغانستان؛ بيد أن هذه الاختلافات لا يمكن أن تخفي نقاط التشابه العديدة بين الحربين، ففيتنام لم تخضع أبداً لقوة أجنبية بعدما نجحت في هزيمة الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة، وبالمثل اكتسبت أفغانستان عن حق سمعة "مقبرة الإمبراطوريات" لإجهاضها الطموحات الإمبريالية لكل من الإسكندر الأكبر وبريطانيا، والاتحاد السوفييتي، كما أنه خلال فترة الرئيس كنيدي كانت فيتنام الجنوبية تحت قيادة "نجو دينه ديم"، الزعيم المستبد الذي جاء إلى السلطة بعد تزويره لاستفتاء شعبي مدعياً أنه حصل على 99 في المئة من الأصوات، وهو أمر يشبه إلى حد ما أفغانستان التي يرأسها حميد كرزاي استطاع الحفاظ على السلطة بعد انتخابات شهر أغسطس الماضي التي تبين أنها شهدت تزوير مليون صوت. وفي فيتنام حظيت حركة التمرد بدعم متواصل من رعاتها على الجانب الشمالي للحدود التي حصنها جيداً "هو تشي مينه"، واليوم تستفيد عناصر "القاعدة" التي تنشط في أفغانستان من الحدود الطويلة مع باكستان وتستغل الملاذات الآمنة في المناطق القبلية المشتركة بين البلدين؛ لكن التشابه الأكبر بين الحربين يبقى في مجال الاستراتيجية العسكرية بعدما اقترح القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال ماكريستال، استراتيجية لمكافحة التمرد مشابهة لتلك التي أقرت في فيتنام؛ وفيما يستعد أوباما لاتخاذ أهم قرار له خلال رئاسته سيكون من الأفضل له أن يجيب على الأسئلة الرئيسية التي يطرحها تاريخنا المضطرب في فيتنام، ومن بينها هل بات الفشل في أفغانستان وشيكا؟ ففي العام1961 أعلن الجنرال "إدوراد لاندزديل" بأن "فيتنام تمر بمرحلة حرجة تستدعي علاجاً مستعجلا"، محذراً أنه من دون تدخل سريع وحاسم سيتم الإطاحة بحكومة فيتنام الجنوبية خلال شهور، لكن كنيدي رفض الانجرار وراء هذا التقييم، واليوم يتوقع "ماكريستال" أنه بدون مزيد من القوات والموارد ستنتهي "الحرب في أفغانستان على الأرجح إلى الفشل"’ فهل هذا التوقع بالانهيار مبرر فعلا؟ السؤال الثاني الذي يتعين على أوباما الإجابة عليه، هل مستوى القوات الحالي غير كاف؟ فبالرجوع مرة أخرى إلى العام 1961 نجد أن الجيش طلب تعزيز التواجد العسكري في فيتنام ليصبح المعدل 15 جنديا أميركيا مقابل كل جندي فيتنامي، غير أن كنيدي رفض مطالباً بإعادة نشر القوات الأميركية والاستفادة منها بفعالية أكثر، وفي المقابل يوجد في أفغانستان أكثر من مائة ألف جندي أميركي ومعهم قوات حلف شمال الأطلسي يدعمهم 85 ألف جندي أفغاني و 80 ألفا من قوات الشرطة الأفغانية، فيما تتوفر "طالبان" على 25 ألف مقاتل، وهو ما يضع التفوق العددي لأميركا وقوات التحالف بعشرة مقابل واحد. أما السؤال الآخر فهو هل تشكل حماية السكان هدفاً رئيسياً في أفغانستان؟ ففي غضون أشهر من توليه الرئاسة أعطى كنيدي موافقته الكارثية على غزو كوبا فيما بات يعرف "خليج الخنازير" والتي قال عنها لاحقاً "لم تكن معطياتنا خاطئة فقط، بل حتى سياستنا كانت مغلوطة لأنها في الأساس بنيت على مقدمات خاطئة"، إلا أن هذه التجربة المريرة جعلته أكثر حذراً في اتخاذ قراراته المستقبلية بشأن فيتنام؛ وفي أفغانستان دعا "ماكريستال" إلى التركيز على حماية السكان المدنيين فيما طالب نائب الرئيس "جو بايدن"، بالاقتصار على مكافحة الإرهاب، لذا على أوباما تحديد مَن مِن بين مستشاريه توصل إلى الهدف الاستراتيجي الصحيح في هذا الصراع المخادع. ويبقى السؤال الأخير: إلى أي مدى يمكن اعتبار الاستراتيجية العسكرية الحالية واقعية؟ هنا نعود إلى العام 1965 عندما قال الاستراتيجي "ماكجورج باندي" مبرراً سياسته "سيأتي يوم نحكم فيه على سياستنا لكن ليس قبل أن نعطيها فرصتها"، وفي ذلك الوقت كان نائب وزير الخارجية "جورج بول" متحفظاً على المقاربة الأميركية في فيتنام معتبراً أنها خاطئة ومحذراً من أننا "لن نستطيع الخروج"، ثم مضيفاً "سنضاعف رهاناتنا إلا أننا في الأخير سنضيع بين حقول الأرز" وبعد مراجعة ما قاله "بول" بعد ثلاثة عقود على تنبؤه يعترف "باندي" أنه كان على حق، فقد كانت المشكلة أن الولايات المتحدة لم تتساءل أبداً عن جدوى استراتيجيتها العسكرية في فيتنام قبل إقرارها، فهل مكافحة التمرد استراتيجية فعالة اليوم في أفغانستان؟ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©