الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لن يبقى غير ما يعبر بين المدن: الريح!

لن يبقى غير ما يعبر بين المدن: الريح!
4 سبتمبر 2008 01:43
يجمع النقاد على أنّ برتولد برخت المولود في مدينة أوجسبورج (جنوب ألمانيا) في 10 فبراير ،1898 والمتوفى في برلين يوم 14 أغسطس 1956 هو واحد من أعظم الشعراء والكتاب المسرحيين الألمان خلال النصف الأول من القرن العشرين·· وقبل أن يبلغ سن السادسة والعشرين، كان قد تزوج ثلاث مرات، وأنجب ثلاثة أطفال، وكتب العديد من القصائد والمسرحيات التي خوّلت له أن يتبوأ مكانة بارزة في الأدب الألماني· ورغم أفكاره اليسارية، فإنّ أعماله تبرز بشكل واضح تأثره بجوته··· وينتسب برتولد برخت إلى عائلة متواضعة نسبيا· فقد كان والده يعمل ورّاقا، ثم لم يلبث أن أصبح مديرا عاما للشركة التي كان يعمل فيها· وخلال فترة المراهقة، احتكّ برتولد برخت بالعمال، وانجذب إلى الافكار المارسكية· وفي المقاهي التي كان يرتادها في ميونيخ في سنوات شبابه الأولى، كان يجاهر بعدائه للبورجوازية، في حين كان هتلر على بعد مسافة قصيرة منه، يبث أفكاره النازية· وعندما أصدر عام 1920 قصيدته: ''أسطورة الجندي المقتول''، وضعه النازيون على اللائحة السوداء· وفي مطلع الثلاثينات، وبعد أن صعد هتلر إلى السلطة، اضطرّ برتولد برخت إلى الفرار إلى الدانمارك، ثم إلى فنلندا· وبعدها انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أمضى سنوات الحرب· وفي عام 1950 عاد إلى بلاده ليستقرّ في ما كان يسمى بألمانيا الديمقراطية· وظلّ هناك إلى أن مات في التاريخ المذكور آنفا· من الفقير بـ· بـ· 1 أنا برتولد برخت، من ''الغابات السوداء''· أمي حملتني إلى المدن عندما كنت لا أزال في بطنها وبرد الغابات الذي فيّ سوف يظلّ في جسدي حتى مماتي 2 أنا في بيتي عندما أكون في مدينة الأسفلت ومنذ الأبد أنا مزوّد بأسرار الموتى، وبالصحف، والتبغ، وبماء الحياة، ودائما أنا مرتاب، ومحبّ للتيه حسب هواي وفي النهاية أنا راض ومنبسط· 3 أنا لطيف مع الناس· ومثلهم أفعل· أضع قبّعة صلبة وأقول: ''إنهم حيوانات ذات رائحة خاصة''· ثم أضيف: ''ليس مهمّا·· أنا واحد منهم''· 4 على كرسيي القلاّب أجلس أحيانا قبل منتصف النهار امرأتين أو ثلاثا أنظر إليهنّ دون أن أشغل ذهني، وأقول لهنّ: ''أنا واحد يمكن أن تعوّلن عليه''· 5 في المساء أجمع عندي في البيت بعض الرجال ونتحدث مخاطبين بعضنا البعض ''جانتلمان'' وهم يضعون أرجلهم على الطاولة ويعلنون: ''بالنسبة لنا سوف تكون الأمور أفضل''· أما أنا فلا أسأل أبدا: ''متى سيكون ذلك؟'' بالصدفة أنا أنقذت (ولو تنكر لي الحظ لضعت)· يقولون لي: ''كل واشربْ، لكن كيف لي أن آكل وأشرب عندما أفتك من الجائع ما أنا أسدّ به الرمق، وعندما يكون كأس الماء غير متوفر للظمآن؟ ومع ذلك أنا آكل وأشرب· 6 أريد أن أكون عاقلا أيضا· وفي الكتب القديمة مكتوب ما معنى أن يكون الإنسان عاقلا: أن يبتعد عن نزاعات العالم، ومن خوف يمضي الوقت القليل المسموح له به، وأن ينجح في عدم استعمال العنف، وأن يواجه الشرّ بالخير، وأن يكبح جماح رغباته، وينساها، هذا ما يعني بالإنسان العاقل حقا أنا أعيش في أزمنة حالكة! 7 جئت إلى المدن في أزمنة الفوضى عندما كان الجوع مهيمنا· ومشيت بين الناس في زمن الثورة وثرت معهم· وهكذا مرّ الوقت الذي وهب لي على الأرض· 8 في الصباح تتبوّل أشجار التنوب في الفجر الرماديّ، وحشراتها، العصافير، تشرع في الصباح· إنه الوقت الذي أشرب فيه آخر كأس في المدينة، وأرحي بعقب السيجارة، ثم أنام قلقا ومضطرب النفس· 9 نحن جالسون، كائنات خفيفة في منازل يقال أنها لا يمكن أن تدمّر (لذلك نحن أقمنا ناطحات السحاب في جزيرة مانهاتن وهذه الهوائيات الدقيقة التي يتسلى بها الأطلسي)· 10 من هذه المدن، سوف لن يتبقى غير ما يعبر ما بينها: الريح! البيت يسعد الآكل: إنه يفرغه· ونحن نعرف ذلك· نحن أناس عابرون ومن يتبعنا؟ لا شيء يستأهل أن نسمّيه هجرة الشعراء لم يكن لهوميروس بيت، وكان على دانتي أن يترك البيت الذي كان يسكنه، ولي ـ بو وتوـ فو تشرّدا وسط الحروب الأهلية التي التهمت ثلاثة ملايين من بني آدم ولإرعاب أوربييد، هدّدوه بالمحاكمة وعندما شكسبير يحتضر، وضعوا يدا على فمه، ولم يكن شيطان الشعر هو وحده الذي كان يبحث عن فرانسوا فيلون وإنما الشرطة أيضا ومفعما باسم الحبيبة انطلق لوكراس إلى المنفى وهذا ما فعله هانيه أيضا، ومثلهم لجأ برتولد برخت إلى بيت ريفي في الدانمارك· الذين سيولدون بعدنا 1 حقا، أنا أعيش في أزمنة حالة! بلا معنى الكلمات البريئة· الجبين الصقيل يعين عدم الإحساس والذي يضحك، فلأن الخبر المرعب لم يبلغه بعد يا لها من أزمنة هذه التي يصبح فيها الكلام عن الأشجار بمثابة الجريمة ذلك أنه لا بدّ أن نسكت عن الكثير من الآثام الكبيرة! والذي يقطع هناك الشارع في هدوء، فلأنّ أصدقاءه الذين يعيشون في الشقاء لن يكون باستطاعتهم الالتحاق به صحيح: أنا أكسب قوت يومي· لكن صدقوني: هذا محض صدفة· فلا شيء ممّا أفعله يبيح ذلك· وفي زمني كانت الطرقات تفضي إلى المستنقعات وكانت اللغة تفضح وجودي للجلاد كانت قدراتي محدودة· لكن من دوني، كان يمكن أن يكون المستبدّون أشدّ ضراوة ووحشية· وهذا ما كنت أتمناه وهكذا نقض الوقت الذي وهب لي على الأرض· 2 أنتم الذين تنبثقون من الموج حيث نحن غرقنا فكروا عندما تتحدثون عن ضعفنا للأزمنة الحالكة التي سوف تخرجون منها ذلك أننا كنا نمضي مغيّرين البلدان مثلما نغير الأحذية، كنا نمضي عبر صراع الطبقات، يائسين، إذ لم يكن هناك غير الظلم، ولا ثورات ومع ذلك كنا نعرف: حتى كراهية الخساسة تشوّه الملامح حتى الغضب ضدّ الظلم يفسد نغمة الصوت آه! نحن الذين كنا نريد أن نهيّئ الفضاء لعالم جميل، لم نكن لطيفين··· ترجمة: حسونة المصباحي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©