الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختلاف الرؤى حول القوة الإقليمية العربية

15 ابريل 2015 23:11
ليس خفياً، بأن تكوين قوة إقليمية عربية يعاني من اختلاف في الرؤى السياسية أمام التحديات الإقليمية بكل أبعادها السياسية والأمنية والمذهبية في أقطار عدة أخطرها اليمن وسوريا. فأذرع إيران ممثلة في «الحوثيين» في اليمن تشكل تهديداً مباشراً لأمن دول مجلس التعاون الخليجي، لذا ما زالت رحى عاصفة الحزم تطحن النفوذ الإيراني بكل تداعياتها الإقليمية والدولية. ومن المنطلقات الإنسانية والأمنية تأتي سوريا التي تعد الأكثر خراباً ودماراً واحتضاناً للميليشيات والمعارضة السياسية. أما في لبنان والعراق، علينا أن نسلم بأن فك عقدة الحبال التي تربط العراق بإيران مذهبياً واجتماعياً وسياسياً، باتت بدرجة من الصعوبة بحيث أنها أصبحت تحتاج إلى استراتيجية طويلة المدى تجمع العراق من منطلقات العروبة عبر أحزاب ومؤسسات عراقية تعلو فيها أصوات العراق وطن لكل العراقيين على أصوات المذهبية والطائفية وأطماع إيران. أما لبنان فليست حالة صعبة، لأنها دولة طائفية أصلاً، لذا ردع أذرع إيران لا يشكل صعوبة. اختلاف الرؤى السياسية يكمن في التيارات والمليشيات الإسلامية عبر الرؤيتين السعودية والمصرية، على الرغم من أنهما تسعيان إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا وسوريا، فإنهما تحملان تناقضاً في الطرق والوسائل. ففي حالة سوريا وليبيا، تعتقد القاهرة أنه من الممكن خلق اتفاق سلام في سوريا يجمع المعارضة السورية المعتدلة مع نظام «البعث» السوري، الذي بدورهِ يُبقي بشار في فترة انتقالية. حيث ترى القاهرة أن التهديد الرئيسي في الوضع السوري ليس الأسد ونظامهِ، بل الميليشيات الجهادية وانهيار الدولة السورية. وهنا بقاء الأسد هو بقاء ونجاح لقوة وتمدد إيران في المنطقة العربية، كما أن الفترة الانتقالية في الغالب ستقود إلى إعادة قوتهِ وديكتاتوريتهِ على الشعب السوري، وستؤول إلى عمليات انتقام كبيرة. وفي حالة ليبيا، ترفض القاهرة قبول التيارات الإسلامية الليبية كطرف يمكن التعامل معهُ في الشأن الليبي. ففي الرؤية المصرية سوف يستمر الصراع ومحاربة التيارات والميليشيات والأحزاب الإسلامية إلى فترة طويلة. وعلى النقيض تقف الرياض بكل وضوح، فهي ترى بأنه يمكن الاستفادة وتطويع تلك التيارات والميليشيات والأحزاب الإسلامية من منطلق توحيد الهدف نحو إسقاط الأسد، والمشاركة في بناء واستقرار ليبيا. كما أن تركيا الدولة المجاورة لسوريا تؤيد الطرح السعودي، فأنقرة كانت وما زالت ضد نظام بشار بصورة كبيرة مما يفقد أي إمكانية لبناء علاقة جيدة في ظل بقاء «البعث» السوري. هناك من يجادل بأن علاقات تركيا بإيران علاقة مصالح براجماتية، وهنا طهران ربما تقدم لأنقرة ضمانات وإغراءات اقتصادية في قبول الرؤية المصرية. فالعلاقة التركية الإيرانية قد بدت واضحة للعيان من إدانة تركيا للتدخل الإيراني في اليمن إلى الهرولة إلى طهران بعد التفاهمات الغربية الإيرانية حول البرنامج النووي حيث السوق والغاز والنفط الإيراني وجسور التجاور الجغرافي، وهذا ليس دليل تناقض، بل أن السياسة تسعى إلى تحقيق مصالحها وأن العلاقات الصراعية لا تلغي التعاون إلا عندما يصبح أمن الدول في خطر من تلك الصراعات، كما أن دول الخليج لها علاقات صراعية وتعاونية اقتصادية وتجارية مع إيران، على سبيل المثال فقط، قطر وإيران يشتركان في حقل غاز الشمال. حقيقةً، قطر وتركيا تعضدان الرؤية السعودية، فها هي قطر التي لها علاقات قوية مع تركيا وصلت إلى اتفاق عسكري معها، والذي أرجع تركيا إلى الخليج، ويبدو أنهُ بمباركة سعودية، ومن قوة العلاقة بين الطرفين، بأن دعت الدوحة دول مجلس التعاون الخليجي إلى إتمام مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا. الرؤية السعودية المدعومة من قطر وتركيا، ترى نفسها قادرة على تطويع وإخضاع التيارات والميليشيات والأحزاب الإسلامية إلى نقاط ومحاور مشتركة. وإذا نظرنا إلى تلك التيارات والميليشيات الإسلامية السنية المتطرفة في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها، نجد فئة الشباب العربي والمسلم يغلب على أفرادها، وهم لطالما عاشوا حالة الفقر والبطالة، وكان معظمهم عاجزين عن إثبات ذواتهم الخاصة في العمل وتحقيق رغباتهم الجنسية والمادية، حقاً إن تسليح الناس بالرغبات والشهوات كتسليح الجيوش بالأسلحة. أجل هناك من الأغنياء وذوي التعليم العالي الذين يدعمون وينضمون إلى تلك التنظيمات المتطرفة، وذلك بسبب أنهم وجودوا من الصعب عليهم أن يكونوا نموذجاً صالحاً للقيم والسلوك الإسلامي في بلدانهم فاختاروا أن يكونوا متطرفين فكرياً ليبحثوا عن اعتقادهم الفكري الضال عن الدين الإسلامي. لذا من الممكن تطويع هؤلاء بإيصالهم إلى طريقهم الذي ضلوا عنه، عبر عملية سياسية اجتماعية نفسية توجه إليهم وإلى قياداتهم، إنها عملية تفكيك الأفكار والسلوكيات المتطرفة في الرؤوس قبل ضرب تلك الرؤوس، ناهيك عن أن هناك العديد ممن يرغب بالرجوع أو التراجع نحو أفكار وسلوكيات وأهداف دينية إنسانية غير متطرفة. أما الأحزاب الإسلامية في الدول العربية فإنها تختلف عن تلك التيارات الإسلامية السُنية المتطرفة بكونها أحزاباً سياسية، ندرك بأنه لتلك الأحزاب أفكار وأهداف وعمليات مخربة وتتضارب مع أمن الدول العربية، ولكن يمكن الوصول إلى بعض أفرادها واستثناء غيرهم، بأن تتحول سياسياً إلى منحنى قُطري في عملها السياسي ولا تخلق لنفسها نفوذ وأذرع في الدول العربية، وأن تلتزم بحقيقة العالم العربي عبر دولهِ، وأنظمتهِ السياسية المختلفة، ومنظماتهِ الإقليمية، وعبر السياق القانوني والسياسي الدوليين. أخيراً، الرؤية السعودية يمكن أن تقود إلى عملية كبح دون إقصاء للتيارات والأحزاب الإسلامية في الوطن العربي. وكلنا أمل في توحيد الرؤى السياسية أمام التحديات الجسام والخطيرة بكل أبعادها السياسية والأمنية والمذهبية والإنسانية، التي تهدد الأمن القومي العربي. حميد المنصوري* *كاتب ومحلل سياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©