الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدنانير والدراهم وثائق لا تقدر بمال

الدنانير والدراهم وثائق لا تقدر بمال
4 سبتمبر 2008 01:33
يعرف اللغويون النقد بأنه تمييز الصحيح من الزائف، حتى تعددت هذه اللفظة لتشمل كل مظاهر الإبداع والقول، بحيث قيل ''الناقد من اختط المعايير ليعرف جمال الشيء أو عدمه والوقوف على صدقه من كذبه وروعته من قبحه وصفائه من كدره''· ويمكن تلمس طريق الحضارة في أمة من الأمم أسهل طريقاً عبر نقودها فالنقود هي شاهد حي ووثيقة واقعية تعكس قوة تلك الدولة أو ذاك المجتمع· تعددت المناهج قديماً في صفة النقود حتى سميت بالمدرسة البغدادية والمدرسة التركية والمدرسة الشامية والمدرسة الفارسية والمدرسة الهندية في سك النقود· صارت كلمة ''سك'' في معاجمنا ترجع إلى أصولها العربية وللغرابة أن ''صك'' ما هي إلا لفظة فارسية، فتنوعت أصولهما والتقت معانيهما وكلاهما يدلان على ما يؤكد حركة النقود بين الأيدي وتوثيقها· من جهة أخرى إن مجمل النقود منذ نشأتها يوم كانت بسيطة في حركة تداولها الأولى ارتبطت بالحروف، إذ لا تخلو عملة منذ أن عرفها الإنسان إلا وكان الحرف هو الموثق لها وعليه لا يمكن أن نجد عملة منذ تداولها في فجر تاريخ البشرية خالية من الحروف سواء أكانت رمزاً لصانعها أو شعاراً لراعيها أو اسماً لمن أمر بسكها· وتمازجت النقود بالأرقام أيضاً بل صار الرقم علامتها ومصدر التعرف عليها وللغرابة أيضاً أن النقود اختارت الواحد والخمسة ومضاعفاتها حتى أننا من النادر أن نجد قاعدة تخرق هذا النمط في تسلسل النقود في تشكلاتها العددية· يرصد كتاب ''النقود الإسلامية·· مقتنيات وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع'' لعبدالله بن جاسم المطيري الصادر عن وزارة الثقافة عام ،2008 حركة ''الدينار'' الإسلامي و''الدرهم'' العربي منذ أن نشأت العملة على أيدي المسلمين الأوائل احساساً باستقلالهم الحضاري وبيئتهم الثقافة وشعورهم الحقيقي بأن الدولة بدأت تتأسس فعلاً مع صدور ''العملة/ الرمز'' بوجودها الفعلي· ساهم علماء الفكر والبيان والبلاغة والاقتصاد العرب في تأسيس الوعي بالعملة والنقود فاجترحوا المفاهيم ورصدوا مساحتها الدقيقة وسعة آفاقها وقدرتها على ضبط البنى الاجتماعية من خلال حركة النقد في الاصقاع البعيدة وعرفوا حقيقة أن وحدة النقد هي وحدة الفكر والشعور المشترك بين الناس· النبوية جاء في كتاب النقود الإسلامية أن الرسول الكريم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) أقر الدراهم الساسانية الفارسية وهي من الفضة وكانت تحمل على وجهها الأول صورة الحاكم الفارسي خسرو الثاني (كسرى) وأمام الصورة اسمه، وخلف الصورة عبارة (افزوت غده) وتعني الدعاء بازدهار الملك، أما على الوجه الثاني فصورة النار المجوسية وحارساها المدججان بالسلاح وقد كتبت مدينة السك على اليمين وتاريخ السك على اليسار بالخط الفهلوي· وبعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم) عمل الخليفة أبوبكر الصديق (رضي الله عنه) بسنته ولم يغير شيئاً، ولما استخلف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ''رضي الله عنه'' وفتح الله على المسلمين بلاد فارس أقر النقود ذاتها كما هي بشاراتها وشعاراتها، إلا أنه أمر بكتابة ''بسم الله'' أو ''بقسم الله ربي'' أو ''الحمد لله'' في هامش الوجه الأول للدرهم· ولما بويع الخليفة الثالث عثمان بن عفان ''رضي الله عنه'' سار على نهج الخليفة الثاني، كما أن الخليفة الرابع ''علي بن أبي طالب'' ''رضي الله عنه'' سار على ما كان عليه الخلفاء من قبله إلا أنه أضاف إلى بعض الدراهم ''بسم الله الملك'' أو ''الله أكبر''· الراشدون وتعد فترة الخلفاء الراشدين خاصة منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فترة مهمة في تاريخ المسكوكات العربية الإسلامية· إذ أن وجود كلمات أو جمل عربية على الدراهم المضروبة على الطراز الساساني كانت مهيمنة على بعض الأقاليم العربية، كما دلت على نهاية الدولة الفارسية وبسط سيطرة الدولة الإسلامية على هذه المناطق واحتواء المسلمين دور السك في العراق وفارس· ولما كانت المسكوكات والنقود عنصراً مهماً فقد كان من أهم مستلزمات الحاكم رفعه شعاره على نقده للدلالة على القوة السياسية والاقتصادية إضافة إلى جعل أمر النقود إلى الخليفة وحده· سواء في تحديد أوزانها وقطرها أو العبارات والشعارات التي تحملها· بعد وفاة يزيد بن معاوية في شهر رجب من سنة 64هـ تولى الخلافة بعده معاوية الثاني بن يزيد، بيد أنه كان عالماً في الكيمياء خاصة، وكان غير راغب في الخلافة وقد توفي في 15 ربيع الأول من سنة 64هـ· انتهى العهد السفياني بوفاة معاوية الثاني وبدأ العهد المرواني وتولى مروان بن الحكم الخلافة إلا أنه لم يعلم بأن هناك نقوداً سكت باسم مروان الأول بن الحكم، ربما لعدم استقرار فترة حكمه أو لقصر الفترة التي ولي فيها· وكانت خلافته في 3 ذي القعدة سنة 64هـ ووفاته في 3 رمضان 65هـ· ولي الخلافة بعده ابنه عبدالملك بن مروان ''65 ـ 86هـ'' الذي يعزى إليه تعريب السكة والدواوين وفتح العديد من الأمصار· الأمويون ضرب عبدالملك بن مروان نقوده الفضية أي الدراهم على الطراز الساساني المعرب الذي بدأ منذ العهد الراشدي وهو ما يعرف بالتعريب الجزئي، كما أنه عرب النقود البيزنطية· في تلك الفترة صارت النقود تضرب من قبل الولاة ومن جهة أخرى الثوار الذين انتفضوا على الحكم المركزي الأموي في دمشق· فلم يقتصر ضرب النقود الإسلامية على الطراز الساساني والمعروفة بالدراهم الساسانية المعربة على الخلفاء والأمراء والولاة فحسب بل امتد ذلك إلى الثوار ومدعي الخلافة ومن هؤلاء قطري بن الفجاءة وجعونه بن يزيد الخارجي وعطية بن الأسود من خوارج عمان· اتخذ كل منهم لنفسه شعاراً، فدراهم قطري بن الفجاءة حملت الشعار الخارجي ''لا حكم إلا الله'' ولقب نفسه على أنه ''أمير المؤمنين'' غير معترف بالخليفة الأموي محاولاً نشر دعوته والتي لم يتمكن من تسويقها في الجزيرة العربية فباشرها في بلاد فارس وبلاد الديلم والاهواز· لاشك أن أول درهم تم سكه كان في عاصمة الخلافة الأموية دمشق سنة 79هـ والمعروف أن الدراهم الفضية الأموية قد حملت مدن الضرب منذ تعريبها بخلاف الدنانير الذهبية التي أغفلت عليها أسماء مدن الغرب في العهد الأموي وبعض من العهد العباسي· حملت هذه الدراهم المأثورات نفسها التي حملتها الدنانير مع إضافة المدينة التي سك فيها الدرهم ولكون قطر الدرهم أكثر اتساعاً من الدنانير فإن الهامش قد دونت عليه العبارة المستقاة من الآية 33 من سورة التوبة وهي قوله تعالى: ''محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون''· حمل الوجه الأول في مركزه سورة الاخلاص مجردة من لفظ قل وهي ''الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد''· يرى عبدالله بن جاسم المطيري أنه لا يمكن التمييز بين درهم الخليفة عن خليفة آخر لعدم ذكر اسمه إلا من خلال تاريخ الضرب وقد يشترك خليفتان في سنة واحدة أي وفاة خليفة وتولي خليفة آخر مكان· وتلك الثقافة ذكية حقاً لرصد تاريخ السلطة وارتباطها بسك النقود· كانت وفاة سليمان بن عبدالملك سنة 99هـ وتولى الخلافة بعده عمر بن عبدالعزيز في العام نفسه 99هـ وقد يكون الدرهم لسليمان ويمكن أن يكون لعمر· يرى المطيري أن الأغرب من هذا كله ما حصل سنة 126هـ حيث تولى في هذا العام ثلاثة من الخلفاء السلطة وفيه وفاة الخليفة الوليد الثاني بن يزيد في 27 جمادى الآخر سنة 126هـ وتولية الخليفة يزيد الثالث بن الوليد في 27 جمادى الآخرة سنة 126هـ وتولية الخليفة ابراهيم بن الوليد في 7 ذي الحجة سنة 126هـ· يستنتج من ذلك حقاً أنه ليس من السهل معرفة أن الدرهم الذي سك في 126هـ يرجع إلى من هؤلاء الخلفاء· ظهرت اجتهادات من الصعب القبول بها، لكون الفترة متقاربة أولاً ومتداخلة فعلاً· خطوطها تميزت الدراهم الأموية بجمال خطها ودقة وإتقان ضربها إضافة إلى صفاء ونقاء معدن الفضة الذي ضربت منه وهذا يدل على وفرة المعادن ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها استقرار أمر الخلافة والتقدم الاقتصادي والمالي إضافة إلى وضع الدولة يدها على الكثير من المناجم في الأقاليم الخاضعة للدولة· الأندلسيون هرب أبو المطرف عبدالرحمن الأول بن معاوية بن هشام بن عبدالملك المعروف بـ ''عبدالرحمن الداخل'' من الشام بسبب المذابح التي قام بها الخليفة العباسي ''أبو العباس السفاح'' بعد القضاء على الدولة الأموية ومبالغته في قتل العديد ممن ينتسبون إلى بني أمية· وبعد جهد جهيد استطاع أن يصل إلى المغرب وأن يؤسس الدولة الأموية في الأندلس سنة 138هـ· توفي الداخل وتسلم بعده هشام بن عبدالرحمن في الأول من جمادى الأولى سنة 172هـ واتخذ من قرطبة مقراً لحكمه وأصبح بلاطه كبلاط الخلفاء في الشام ويضم جميع السلطات وأمضى الحكم الأموي في الأندلس 284 سنة تعاقب على الحكم فيه 16 حاكماً· ضرب هؤلاء الخلفاء في الأندلس نقودهم على الطراز الأموي المشرقي في بادئ الأمر· لم يعرف أن عبدالرحمن الداخل قد ضرب دنانير من الذهب ولم يذكر أحد أن هناك نقوداً ذهبية في أي مجموعة من المجموعات تعود لمؤسس الدولة الأموية في الأندلس· اكتشفت دراهم من الفضة تعود إلى النقود الأندلسية كانت مضروبة على النمط الأموي الأول من حيث المأثورات والآيات والوزن والقطر وعدم رفع أسماء الخلفاء عليها ولا يمكن التفريق بينها وبين الدراهم الشرقية إلا من تاريخ السك· العباسيون استمر حكم العباسيين على فترتين هما الأولى من 132هـ إلى 218هـ والثانية من ''218هـ حتى 656هـ'' بدخول المغول بغداد عاصمة الدولة العباسية· سك أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية الدنانير والدراهم· وأزال السفاح الشعار الأموي من العملة ورفع سورة الاخلاص من ظهر العملة ونقش مكانها بالخط الكوفي ''محمد رسول الله'' في ثلاثة أسطر مع إبقاء المأثورات السابقة· أما الدراهم فكانت مجردة من اسم الخليفة أو كنيته ولم يضرب السفاح نقوداً في عاصمته، فكل الدراهم الموجودة المعروفة في العالم من ضرب البصرة والكوفة وخاصة التي ضربت في 132هـ· يعد أبوجعفر المنصور (136هـ إلى 158هـ) المؤسس الحقيقي للدولة العباسية في قضائه على أبي مسلم الخراساني· دام حكمه 22 عاماً وكانت وفاته في 6 من ذي الحجة سنة 158 هـ· وضرب المنصور دنانيره على طراز دنانير أبي العباسي السفاح من حيث الشعارات والوزن والقطر· أما الدراهم فضربها في عاصمته مدينة السلام ''بغداد''· تعاقب على الحكم محمد المهدي ''158 ـ 169هـ'' ثم موسى الهادي ''169 ـ 170هـ'' وهارون الرشيد ''170-193هـ''· التنازل تنازل هارون الرشيد عن حقه في الاشراف على ضرب السكة لوزيره القوي ''جعفر بن يحيى البرمكي'' والمعروف أن الاشراف على دور السك من حق الخليفة وحده ويعد ذلك بداية الاصلاح النقدي عند المسلمين·· وظل جعفر مشرفاً على السك حتى نكبة البرامكة· دراهم أم جعفر شاع استخدام الشعارات على الدراهم في عهد الرشيد واتخذت للدعاية والنكاية ومن دراهم النكاية ما أمرت بسكها السيدة أم جعفر ''زبيدة'' زوجة هارون الرشيد وحملت في مركز الوجه الثاني عبارة ''السيدة أم جعفر'' أو ''دام الله أم جعفر'' وكانت هذه الدراهم تهديها لزائريها من النساء ليتقربن منها وينفرن من زوجات الرشيد الأخريات نكاية بهن· ويقول المطيري: كانت أم جعفر استحقت بأفعالها في خدمة الاسلام والمسلمين أن تضرب النقود وباسمها· التزييف عرف تزييف النقود خاصة لما ندر من الدنانير والدراهم تزييفاً كلياً مثل دينار عبدالملك بن مروان المضروب سنة 77هـ وذلك لقيمته العالية فقد تصل قيمة هذا الدينار نحو مليون درهم· قام المزيفون بهذه العملية لكثير من الدنانير· وهناك نوع من التزييف الجزئي مثل محاولة تحويل دينار ضرب في مصر إلى مكة فقد يقومون بفتح الصاد وإغلاق الراء وذلك لخداع الناس بأن هذا الدينار ضرب في مكة المكرمة· والمعروف أن نقود مكة نادرة فيما نقود مصر عادية على اعتبار أن مصر توجد فيها دار سك منذ القدم فيما كانت النقود التي تسك في مكة للمناسبات فقط مثل زيارة الخليفة للحج أو للعمرة فيأمر بالسك في مكة لقدسيتها ولأهمية الزيارة· الأخير كان الخليفة عبدالله بن منصور أبو أحمد المستعصم بالله ''640-656هـ'' آخر من حكم من الأسرة العباسية حيث قتل على يد هولاكو· ضرب الدراهم على نمط وطراز دراهم والده ''المستنفر بالله'' من حيث الوزن والقطر والعبارات التي رفعها والده وهي ''نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين'' جزء من الآية 13 من سورة الصف· عوضاً عن الآيات التي كانت تكتب من قبل أي في العهود الأولى· ضربت الدنانير في بغداد وتجاوز وزنها الوزن الشرعي للدنانير حيث أصبح وزن الدنانير بين 8 غرامات إلى 16 غراما وصار قطرها نحو 35 ملم· النوادر تعد الدنانير التي سكت في مكة وعمان وفلسطين من النوادر وخلاف ما ضرب في الأقاليم الأخرى وخاصة الحواضر لكثرة السك فيها ووفرة دنانيرها· كما أن دنانير الصلة والهدايا والمناسبات أكثر ندوة وأهمية من غيرها لما تحمله من عبارات وشعارات تمجد الخلفاء وتروج لولاية العهد لا لمناسبة من المناسبات الوطنية والدينية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©