السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسرح لكلِّ الناس

مسرح لكلِّ الناس
15 ابريل 2015 21:50
يعتبر مهرجان دبي لمسرح الشباب الذي يبلغ دورته التاسعة نهاية العام الجاري انعطافة مهمة في تاريخ المسرح بإمارة دبي، ليس فقط لكونه مخصصا لفئة الشباب وسط المسرحيين الإماراتيين تحديداً ولكن أيضا باعتباره أول مهرجان ينظم في الإمارة ويخصص للمسرح. إذ على رغم قدم التجربة المسرحية في دبي إلا أنها اقتصرت لوقت طويل على الأنشطة التي تنظمها الفرق المسرحية في الأعياد والمناسبات العامة الأخرى. مما يلفت المتتبع للحركة المسرحية في دبي، تزامن انطلاقة الدورة الأولى من هذا المهرجان الواعد مع منح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، لقب أمير الشباب العربي من مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة 2007، ومنح سموه درع القدوة. وفي ذات العام ولكن في شهر أكتوبر، وتكاملاً مع حملة دبي العطاء التي أطلقها سموه، لدعم العلم والثقافة وتعليم الأطفال المحتاجين في دول العالم، قدم مجلس دبي الثقافي عددا من العروض المسرحية وخصص ريعها لدعم الحملة، وأغنت تلك التجربة حركة المسرح في دبي بحيوية أعلى، بخاصة أنها تلت الدورة الأولى من مهرجان دبي لمسرح الشباب. وعندما ادمج «مجلس دبي الثقافي» في «هيئة دبي للثقافة والفنون» في مارس 2008 بموجب قانون أصدره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بصفته حاكماً لإمارة دبي، حظي المسرح باهتمام أكثر، وتكرّس مهرجان دبي للمسرح في مركز الصورة العامة لاستراتيجية دبي 2015 التي تهدف إلى وضع الإمارة على الخريطة الثقافية والتراثية العالمية، كما تسعى إلى تعزيز الحراك الثقافي الذي يمثل محوراً أساسياً في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها دبي، ودولة الإمارات العربية المتحدة. مكانة راسخة على مدار السنوات التالية سعت دبي إلى ترسيخ مكانتها كواحدة من أكثر المدن العالمية تنوعاً على الصعيد الثقافي، باعتبار انها تضم تشكيلة واسعة من الجنسيات الآسيوية والأوروبية والأفريقية إلى ثراء ثقافتها المحلية وتعمل على أن تكون منصة دينامية لتفاعل وتواصل حضاري بناء ومثمر. وسواء على عهد «مجلس دبي الثقافي» أو في عهد «هيئة دبي للثقافة والفنون» فقد حظيت الفرق المسرحية التي تنشط في الإمارة بأشكال مختلفة من الدعم كما اُحتضنت في برامج ومناسبات عدة، والفرق هي: «مسرح دبي الأهلي» و«مسرح دبي الشعبي» إضافة إلى «مسرح الشباب للفنون» و«مسرح جمعية حتا». ومعظم هذه الفرق تقدم سنوياً العديد من التجارب والأسماء والعروض، وهي تنشط أيضا في تنظيم الورش التدريبية والمنتديات الثقافية ولكن في تفاوت من ناحية الاستمرارية والتطور، بيد انها تتابع مشواراً مسرحياً حديثاً بدأته الإمارة منذ سبعينيات القرن الماضي وخصوصاً عبر الأندية والجمعيات الاجتماعية. ومع ما يمثله الحراك الاقتصادي الواسع الذي يعتبر المظهر الأساسي لإمارة دبي في السنوات الأخيرة، كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك ليس فقط على حراك وحيوية هذه الفرق وحضورها في المشهد العام ولكن أيضا في مضامين عروضها وأساليبها، إذ لن يعوز الرائي إلى خيارات وتوجهات العروض المسرحية التي انتجت في السنوات العشر الماضية في دبي، أن يلاحظ هذا النزوع إلى مقاربة الثيمات والموضوعات التي تجسد وتقرأ المكانة الحضارية التي بلغتها الإمارة، من مداخل ومحاور مختلفة. لكن ما يجري التعبير عنه كثيراً وسط المتابعين لحركة المسرح في دبي يتصل برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بضرورة الحوار والاندماج والتلاقح الحضاري، مع المكانة العالمية التي بلغتها الإمارة، وهو ما يعتبر تحدياً اساسياً يواجه الفرق المسرحية في دبي، فهي مطالبة ليس فقط أن تكون جزءاً من هذا المشهد الحضاري المتقدم فيما تقدمه من عروض وما تعرضه من أفكار ولكن أيضا أن تؤثر فيه وتؤكد دورها واهميتها إلى جانب طائفة واسعة من الأنشطة والبرامج الفنية والثقافية التي تنظمها الإمارة على مدار العام في اطار مهرجانات كبرى تستقطب المئات من المبدعين والإعلاميين والفاعلين في قطاعات الثقافة والفنون. تيارات مسرحية في مراكز التسوق وعبر المهرجانات والفعاليات التجارية والإعلامية التي تنظم في مواقع مختلفة من الإمارة، أمكن لتيارات مسرحية معاصرة أن تعبر عن ذاتها في اشكال وتعبيرات مستوحاة من المشهد الجديد للمدينة، فظهرت مجاميع ما يعرف بـ «استاند كوميدي» كما ازدهرت حركة المسرح الموسيقي والاستعراضي، بخاصة وسط الجاليات الآسيوية والغربية، وفي دور عرض مثل «مسرح جميرا» و«مسرح دبي الاجتماعي» وسواهما. إلى جانب ذلك، استقبلت مسارح دبي المختلفة على مدار الفترة الماضية العديد من الفرق الكوميدية، من دول الخليج كما من أميركا وبريطانيا ولكن معظم هذه العروض جرى تقديمها إلى الجمهور في مناطق أخرى غير تلك التي يتوجه إليها المسرح المحلي الذي يتطور صحبة هذا التيار وتيار مسارح الإمارات الأخرى. من هنا، يمكن القول، ان المسرح في إمارة دبي يعبر في تنوعه وتداخله وتوجهه لقطاعات متعددة من الجنسيات والأذواق، عن رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الداعية إلى استلهام القيمة العالمية لإمارة دبي في الأفكار والأساليب والطموحات. ومع مرور الوقت، لا شك ان كل هذه التيارات المسرحية المتنوعة ستجد قنطرة أكبر للتلاقي والتلاقح على نحو أكثر تأثيراً وإبداعاً، فالمسافات تقصر واسباب التواصل تزداد، مسنودة بالتطورات في التقانة وفي التداخلات والتفاعلات الثقافية والقيمية. صورة مستقبلية ولعلنا نلمس ملمحاً من هذه الصورة المستقبلية في مهرجان دبي لمسرح الشباب، الذي يلخص الاهتمام الرسمي بـ «أبو الفنون» في هذه الإمارة، إذ يمكن أن نتبين مواكبة منظورة مع الطابع الحداثي لمدينة دبي خاصة من الناحية التنظيمية، وتحديداً في السنوات الأخيرة، فلقد عمدت إدارة المهرجان إلى مراعاة حقيقة أن المدينة تضم جنسيات أخرى فأحدثت نظام الترجمة اللغوية الفورية للعروض حتى يتسنى لمن هم من جنسيات غير العربية التفاعل والتعاطي مع عروض المهرجان، ويبدو هذا الملمح كقيمة إضافية في تجربة المهرجان الذي يسعى أيضا إلى ترسيخ الثقافة المسرحية وسط فئة الشباب الإماراتيين إلى جانب انشغاله بتطوير قدرات المسرحيين منهم ودفعهم إلى آفاق الاحتراف. يمكن للناظر إلى تجربة المهرجان في السنوات القليلة الماضية أن يلاحظ أيضا انه صار موعداً مهماً بالنسبة لجميع الفرق المسرحية في الدولة، فهي تجد في منصته الفرصة لاختبار قدرات المسرحيين الشباب الذين التحقوا بعضويتها أخيراً، في الاختصاصات المختلفة «التمثيل والإخراج والكتابة». وفي الندوات والنقاشات التي تصحب كل دورة يستظهر المهرجان العديد من الرؤى والأفكار حول واقع المسرح الشبابي في الدولة كما يسهم في تصدير وإبراز العديد من القضايا الفنية ذات الصلة بتطوير التجربة المسرحية في عمومها. في اكتوبر 2014 وترجمة لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بدعم ممارسة اللغة العربية الفصحى، واعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات الهوية الإماراتية، أقرت اللجنة المنظمة لمهرجان دبي لمسرح الشباب اعتماد اللغة العربية شرطاً اساسياً في العروض المتنافسة على جوائز المهرجان. إذن، مع الانفتاح على الثقافات الأخرى والتفاعل مع معطياتها، تؤكد دبي دائما على حفاوتها واعتدادها بموروثها الثقافي العربي، ويظهر ذلك بشكل واضح في المسرح الذي يعتبر بالنسبة لكثر من أقوى منابر التعبير عن التعدد والتلاقح الثقافي. ولا يقتصر الدعم الذي يحظى به المسرح في دبي على انتاج العروض ودعم تنقلاتها ومشاركاتها الخارجية ولكنه ايضا يشمل البنى التحتية إضافة إلى برامج التدريب والمسابقات المخصصة للنصوص المسرحية والبحوث النقدية التي تنظمها هيئات ومؤسسات نشر عديدة في الإمارة، عامة وفئوية. من هنا، يمكن القول، ان حركة مسرحية أكثر تنوعاً ومغايرة تتبلور منذ سنوات في دبي وهي على وشك أن تتأكد وتتحقق على نحو أوضح في الفترة المقبلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©