السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خيال يثير الظمأ للخيال

خيال يثير الظمأ للخيال
15 ابريل 2015 22:07
يسعى التيار المعماري الجديد وراء محاولة لاستكشاف الأفكار باستخدام مهارات التصوير البصري الذي بلغ مدى من الابداع لا يصدق. وذهب الفنانون المعماريون في استخدام المهارات التقنية شوطاً بعيداً في خلق تصور معماري يعنى بأدق التفاصيل، ويصبح معيار الصناعة الحديثة المبتكرة. قد ينتقد البعض طبيعة التصوير البصري المخادعة ويتعاملون معها على أنها الجانب المظلم من قوة الحضارة ولكن المهندس المعماري تحول بها إلى فنان مبدع، وكانت التقنية التي أطلقت العنان لخياله وأعطته جموحاً بديعاً وساعدته على خلق عوالم مزدهرة تنبض بالحياة. *** هذه الصورة البصرية خلقها خيال يثير ظمأي إلى الخيال ويجعل روحي تهفو، تواقةً، إلى لمس طرف المدى وراء الأفق بغصن ضوء. صورة تسمع منها صوت ناي ينساب حزيناً يصعد ويهبط على حركة الطير. أراني في زاويتي في الأسفل، وروحي تتقافز للأعلى وتنسى أنها مقيدة دوماً بقوانين المكان، وأنسى دوماً أنني لا أمتلك أجنحة. أشعر أنني أتقد شوقاً لجمال الربيع المتفتح في الكون فوقي. تتناهى زفرات الزهر إلي، لتهمس في أذني أملاً يدغدغ نفسي ويوقظ إرادة الحياة بي. صوت يعرفه قلبي كما لو كان نبضه. وها هو الضباب المشمس، ينفلت من زمن الضجر، ينير لي وجه الحياة، ما أبهى زهر الربيع مكللاً بزرقة السماء! *** نسيت متى اختبأت في هذا الملجأ. كنا أطفالاً وأمهات كثر. اختبأنا من مطاردينا، كانوا قساة فيْ طَمعهمْ وَحسدهمْ وحقدهم. سكاكينَهم مَخفيةً عطشىَ للدماءْ، كان الرماد يغطي كل شيء والعيون المخطوفة النظرات لا تعكس إلا لمعة خاطفة عابرة تخرج من ظلمات الحرائق. وحدهما عينا ذاك الرضيع على صدر أمه كانتا تضحكان مثل هدب غيمة عند مغيب الشمس مثل النجمة في ضباب منتصف الليل. كنت أشم رائحة الموت والخوف، ولا أظفر بالطمأنينة منذ دهور وأهيم شاردة القلب في برد المكان. لم تكن هناك إطلالة على السماء ولا ماء يترقرق بوقار وهدوء منسكب، ولا زهر تهطل بتلاته لتكسو الأرض بسجادة وردية حية نضرة. كانت الأمهات يغنين بهمس خافت لا يملكن إخفاء خوفهن ودموعهن.. يحاولن النأي بسمعنا عن اللحن الهادر للدمار والموت. ثم لم أفهم لم صار هذا اللحن الجنائزي فجأة قصيًّا عن إدراكي. فجأة لم أعد أشعر بالبرد يفت عظامي، ولا بالجوع يعصر أحشائي، وكأن نسمة الفرح الأسمى، في هذه الوحدة الكونية مسحت الألم والبرد والخوف. وفجأة انفتح السقف الإسمنتي الأسود على السماء الزرقاء، وصار قلبي يرقص على إيقاع الطيور ووقع خطى الربيع، وصارت ضحكات الأطفال والأمهات تطفو من عتقة في الفضاء أكاد أسمعها، والهواء صار إلى تيار رقيق. امتد محيط من السلام أمامي ينتظر ربان سفينتي أن يمخر عبابه الواسع في رحلة إلى شواطئ الأبدية حيث ظلال غيوم الربيع تترادف تطاردها الشمس، والفراشات ترفرف سكرى بوهج النور. والنحلاتُ المتسابقةُ تغازل مساكب الزهور. *** أي فرح طاغ هذا الذي ينثره الربيع بشاعرية فذة على الكون! وأي إلهام هذا الذي يرسم لوحة خلابة تخرج من أديمها الحياة. سأغني لعل لحني الحزين يكون زوجاً من الأجنحة لأحلامي. وقبل أن يسكن غنائي سيتحدث إلى قلبك الحي وسيحمل إدراكك إلى جوهر الحقيقة، ويحمل حلمك إلى ما وراء النهار المحتضر.. الموجة المقدسة المنهالة من موسيقى الخالق تعبُر الحواجز الحجرية ثم تهدر ماضيةً مسرعة إلى عنان السماء من جديد، لذلك سأدع روحي تسافر كشعلة ضوء، نقية، لتبهج الآخرين بصمت، وَسأتركها تعبر القُلوب الَقاتمة، لتسقط عليها، وتعلمها معنى الحب. سيقبل الفجر، بلا ريب، وستنقشع الظلمة، وسيسيل صوتي في رعشات تنسرب عبر السماء. حينذاك ستتّسق كلماتي في أغنيات تتشقّق زهوراً في جميع المنعطفات المعتمة، سأصعد أولاً إلى الأعلى عبر هذه الكوة التي يهبط منها الطير ليلعب مع الماء، ليأخذني الكون العظيم بين ذراعيه من جديد بسلام ولأطلق دوري في اللحن بلا وجل، أشكرك يا رب الانعتاق والرحمة، الآن سأطير خارجة من العتمة كالفراشة المضيئة، إن قلبي يتشوق إلى الاتصال بغناء الكون، سأرفع صلاتي نحو الآفاق المستترة بالحجب. رغم كل الظلام المسيطر على الكون لن أطوي جناحي ولن أكف عن محاولة التحليق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©