الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القوة والدبلوماسية

3 سبتمبر 2008 02:10
كيف يكون الرد المناسب على الاجتياح الروسي للأراضي الجورجية، واعتراف الدوما في الأسبوع الجاري بالجيبين المطالبين بالانفصال عن جورجيا؟ فالاقتصار على الجهود الدبلوماسية لن يقدم الكثير، كما أن اللجوء إلى القوة سيفاقم الأخطار ويهدد بتوسع الصراع؛ والحقيقة أن المفاضلة بين استخدام الدبلوماسية، واللجوء إلى العنف للتصدي إلى التحديات الدولية وتعزيز الحرية قديم في النقاش الأميركي حول السياسة الخارجية؛ وفي هذا الإطار تبرز مدرستان راسختان تقدم كل منهما إجابة مختلفة؛ فمن جهة هناك النزعة الدولية الليبرالية التي يمكن تعقبها إلى الرئيس الأميركي ''وودرو ويلسون'' وتسعى إلى الحد من استخدام العنف بتعزيز الدور السلمي للدبلوماسية والاستعانة بالمؤسسات متعددة الأطراف، وتتوقع هذه المدرسة أن تساهم التجارة بين الدول وعملية التحديث في تسوية النزاعات الدولية ودعم الحرية· لكن في المقابل تذهب المدرسة الواقعية الكلاسيكية التي أرسى أسسها الرئيس ''تيودور روزفلت'' إلى التلويح بعصا القوة والدفاع عن الدول الحرة بإقامة التوازن وضبطه بين القوى الأجنبية، فضلا عن أنها مدرسة لا ترتاح كثيرا لمسألة التحديث وقدرتها على فض النزاعات، لأنها في نظرها قد تعزز مناعة الخصوم وتمدهم بوسائل القوة؛ والمشكلة مع كلا المدرستين أنهما تفشلان معاً في المزاوجة بين القوة والدبلوماسية والاعتماد عليهما في صياغة السياسة الخارجية الأميركية؛ فالدبلوماسية الأميركية في حاجة إلى الأهداف التي سطرتها النزعة الدولية الليبرالية بما أن الأميركيين يتحفظون عادة في اللجوء إلى القوة على الساحة الدولية ما لم يكن ذلك موجها بشكل واضح لنشر الحرية؛ لكن الواقعية الكلاسيكية مفيدة أيضا، بل وضرورية بإدخالها لعنصر القوة في السياسة الخارجية· ولسد الحاجة الملحة في الجمع بين القوة والدبلوماسية، ظهرت مدرسة ثالثة يمكن تسميتها بالنزعة الدولية المحافظة، وهي محافظة لأنها مثل الواقعية الكلاسيكية تسند دوراً مهماً لاستخدام القوة، كما أنها ذات نزعة دولية لأنها تسعى إلى نشر الحرية في العالم باعتبارها إحدى المبادئ المهمة للمدرسة الليبرالية في السياسة الخارجية؛ وفي التاريخ الأميركي برز أربعة رؤساء نجحوا في ممارسة النزعة الدولية المحافظة وهم: ''توماس جيفرسون'' و''جيمس بولك'' و''هاري ترومان''، وأخيرا ''رونالد ريجان''؛ وتقوم النزعة الدولية المحافظة على الجمع بين القوة والدبلوماسية في السياسة الخارجية وذلك من خلال التركيز على تحقيق الأهداف؛ فقد بالغت المبادئ ''الولسونية'' الداعية إلى القضاء على الاستبداد في طموحها، لا سيما عندما يستدعي ذلك استخدام القوة· فالحرية تزدهر بشكل أفضل وبخسائر بشرية أقل على حدود الديمقراطيات الراسخة وليس في المناطق البعيدة، حيث تنعدم التقاليد الديمقراطية؛ وقد أدرك الرئيسان ''ترومان'' و''ريجان'' هذه الحقيقة فقام الأول بنشر قواته في أوروبا الغربية لتعزيز الحرية بعد الحرب العالمية الثانية، فيما أطلق الثاني سباقاً للتسلح لدعم الحرية في أوروبا الشرقية القريبة من الديمقراطيات الغربية؛ واليوم وكما تظهر الأزمة الجورجية الحالية تمتد الخطوط الرئيسية للحرية بالقرب من الحدود الروسية وعلى مشارف دول البلقان، وتحديداً في أوكرانيا والقوقاز؛ كما تبرز حدود أخرى بالقرب من تركيا قد تدعم قضية الحرية والديمقراطية دون أن ننسى الهند وباكستان ومحيطهما؛ وبالنسبة لمعتنقي النزعة الدولية المحافظة، فإنه من الأولى تشجيع الديمقراطية في تلك البلدان بدل السعي إلى نشرها في دول مثل العراق وأفغانستان التي تنعدم الديمقراطية في إقليمها القريب· وخلافاً لليبراليين الذين ينظرون إلى القوة باعتبارها الملاذ الأخير في حال فشل الدبلوماسية، أو للواقعيين الذين ينظرون إليها كبديل عن الدبلوماسية يرى المحافظون أن القوة تكمل الدبلوماسية وتعززها على الساحة الدولية؛ ولعل المعضلة الأساسية التي ستواجه الرئيس الأميركي المقبل هي تأمينه للإجماع الداخلي، ثم التوافق الدولي، خاصة بين الدول الديمقراطية، قبل اللجوء إلى استخدام القوة؛ فطالما استمرت الأنظمة السلطوية في الوجود ستبقى القوة مطروحة لحل القضايا الدولية باعتبارها مكملة للدبلوماسية وليس بديلا لها، أو خيار اللحظة الأخيرة· هينري نو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©