الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

مصر تحرر أسعار الأدوية لجذب الشركات العالمية

مصر تحرر أسعار الأدوية لجذب الشركات العالمية
13 نوفمبر 2009 21:45
بدأت وزارة الصحة المصرية تطبيق سياسة جديدة لتسعير الدواء، يحرر الأسعار جزئياً، فيما يخشى الصيادلة واقتصاديون ان تؤدي الى اشتعال اسعار الادوية ولا تتوافق مع القدرة الشرائية لمعظم المصريين، وان كانت هذه السياسة يمكن ان تفتح الطريق امام الشركات المتعددة الجنسية لانتاج ادوية جديدة متطورة في مصر تصدر للاسواق المجاورة. النظام الجديد للتسعير الذي صدر به القرار الوزاري رقم 373 لسنة 2009، ينهي نظام التسعير الذي استمر لنحو نصف قرن، في عهد سيطرة الدولة على وسائل الانتاج وتسعير معظم السلع بما فيها الدواء باسعار اجتماعية لا اقتصادية. وكان يتم تسعير الدواء من خلال اللجنة العليا لتسعير الدواء، وكانت تضم محاسبين وصيادلة واطباء، وتقوم بتسعير الدواء من خلال حساب عناصر التكلفة واضافة هامش ربح للمصنع وللصيادلة، لان مصر لا تنتج خامات دوائية، حيث ان 80 في المئة من هذه الخامات يتم استيرادها، فهي عرضة لتقلبات الاسعار الدولية حسب تقلب سعر الجنية امام العملات الدولية الرئيسية وبالذات الدولار الاميركي وكذلك موقف الدولار امام العملات الاخرى للدول المصدرة للخامات، الامر الذي اثار الخلافات بين الشركات المنتجة ولجنة التسعير الحكومية حول مدى دقة فواتير الخامات المستوردة وتكلفة الانتاج الفعلية، التي اضافت لها الشركات العالمية بنودا جديدة تتعلق بتكلفة الجودة بجانب تكلفة الابحاث التي قامت بها الشركة لانتاج الدواء الجديد. خلافات حول التكلفة وقد ازدادت الخلافات بين اللجنة والشركات المنتجة للدواء حول التكلفة الفعلية للانتاج بعد دخول دول مثل الهند والصين في انتاج خامات دوائية رخيصة منافسة للخامات الاوروبية المرتفعة التكلفة، واتهمت وزارة الصحة الشركات “بضرب الفواتير” اي تقديم فواتير غير حقيقية للحصول على مكاسب غير مشروعة والتهرب من دفع الضرائب. وقال د. كمال صبرة مساعد وزير الصحة لشؤون الصيدلة، ان هذه الطريقة القديمة في التسعير أدت الى انه من بين 10288 دواء في مصر، لم يتم سوى تسعير 2263 دواء بنسبة 22 في المئة وكان لابد من اختيار نظام جديد للتسعير. والنظام الجديد يحدد قائمة تضم 36 دولة بحد ادنى 22 دولة يتم تداول الدواء بها وتقوم الشركة المنتجة لدواء في مصر باختيار ارخص الاسعار في هذه الدول للدواء الذي ترغب في تسعيره وتداوله في مصر، ثم خصم 10 في المئة من هذا السعر، واعتبار الناتج من هذه الحسبة هو سعر الدواء في السوق المحلية، ووفقا لهذا النظام احالت وزارة الصحة المصرية عملية التسعير الفعلية الى جهات رقابية في دول اخرى. والقائمة التي اختارتها الوزارة تضم دولا يعتبر متوسط دخول الافراد في معظمها مرتفعا بالمقارنة بمتوسط دخول غالبية المصريين. وهي الجزائر والنمسا والارجنتين والبحرين وبلجيكا وكندا وقبرص والدنمارك والسعودية وفنلندا وفرنسا والمانيا واليونان وهولندا والمجر وايرلندا وايطاليا واليابان والاردن والكويت وايران وسلطنة عُمان والبرتغال ولبنان واسبانيا والسويد وسويسرا والامارات وبريطانيا وتركيا وبولندا والسودان والهند والفلبين والمغرب والنرويج. ويرى الدكتور محمد عبدالجواد القائم بأعمال نقيب الصيادلة انه في ضوء الدراسة التي اجرتها النقابة فان دخول الافراد في قائمة غالبية هذه الدول مرتفعة. وبالتالي فمن المتوقع ان يؤدي النظام الجديد للتسعير، بما فيه طريقة حساب سعر الدواء المشابه بنسبة 60 في المئة من سعر الدواء الاصلي، الى مضاعفة اسعار كثير من الادوية خلال الفترة المقبلة اما نسبة الخصم التي تضمنها القرار وهي 10 في المئة من قيمة سعر الدواء الاصلي فلن تكون مجدية بالنسبة للمريض المصري الفقير. قابل للتعديل ويرى اقتصاديون انه اذا كانت شركات القطاع العام ستتمكن من خلال هذا النظام من زيادة ارباحها بنسبة تعوضها عن خسارتها وتمكنها من تحديث مصانعها والدخول في شراكة مع شركات اجنبية وبالذات صينية، فإن اسعار ادويتها مازالت منخفضة بالمقارنة باسعار الادوية المستوردة سواء الاصلية او المشابهة، وغالبية هذه الشركات العامة تنتج ادوية مشابهة او مقلدة للادوية الاصلية. والمشكلة ليست في اسعار هذه الادوية المشابهة، ولكن في اسعار الادوية الجديدة او الادوية الجينية، المصنعة بطريقة الهندسة الوراثية، ومعظمها ادوية تعالج الامراض المزمنة كالسرطان والفيروسات الكبدية، واسعار هذه الادوية مرتفعة، والخطورة انها اذا ارتفعت اكثر خلال الفترة المقبلة، فستفرض المزيد من الاعباء على المرضى الفقراء وغالبية هؤلاء ـ حسب قول الدكتور ابراهيم بدران وزير الصحة الاسبق ـ في الريف المصرى الذي يقيم به 57 في المئة من عدد السكان. وقال الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة المصري ان الدولة مسؤولة عن توفير الدواء لغير القادرين، وان نظام التسعير الجديد اذا فشل وتسبب في ارتفاعات كبيرة في اسعار الدواء فسيتم تعديله، مشيرا الى ان نظام التسعير القديم لم ينجح في حل مشكلة تسعير الدواء بسبب عدم شفافيته وتعقيداته في حساب التكلفة الفعلية. والمشكلة -كما يقول الدكتور فوزي بباوي المدير السابق لاحدى شركات الدواء بمصر- ان الشركات الاجنبية ستلجأ الى انشاء شركات تجارية بجانب مصانعها لاستيراد الادوية باسعار مرتفعة من اوروبا واميركا، مما سيزيد حجم التجارة الدوائية على حساب التصنيع المحلي، ويهدد كثيرا من المصانع الصغيرة بالتوقف والاتجاه الى الاستيراد الذي تصل قيمته حاليا لنحو 700 مليون جنيه بالاضافة الى 700 مليون جنيه اخرى قيمة ادوية مهربة. وذكر أن عدد المصانع التي حصلت على رخص وصل الى 160 مصنعا وان كان عدد المصانع المنتجة يصل لحوالي 110 تنتج ادوية تصل قيمتها لنحو 10 مليارات جنيه في السنة، ومعظم هذه الادوية مشابهة، الا انها تغطي اكثر من 90 في المئة من احتياجات السوق المحلية، وهو ما يجعل صناعة الدواء المصرية من الصناعات الوطنية التي لا بد من حمايتها ومساعدتها لمواجهة الشركات العالمية، وان كان الدكتور جلال غراب عضو مجلس الشورى ورئيس الشركة القابضة للدواء سابقا يرى ان نسبة الادوية المستوردة في مصر في ازدياد ويقدر انها تجاوزت حاليا 20 في المئة من احتياجات السوق. انتقادات نقابية وانتقدت نقابة الصيادلة في مصر طريقة التسعير الجديدة للدواء، وقالت انها احالت مسألة تسعير الدواء، وهي مسألة سيادية، الى جهات رقابية في دول أخرى. وترى الدكتورة زينب عبيد وكيل وزارة الصحة السابقة لشؤون الصيدلة ان اللجوء الى مقارنة اسعار الدواء في مصر بدول مجاورة ليس بجديد حيث كان متبعا في اللجنة العليا لتسعير الدواء، التي كانت تستطلع ارخص اسعار للدواء في ثلاث دول مجاورة لمصر، و تلجأ الى عدة مصادر، من بينها شبكة الانترنت، للتأكد من اسعار الخامات الدوائية المتداولة بالاسواق الدولية، للاستعانة بها خلال مفاوضات التسعير التي تجري مع شركات الدواء حول اعتماد الفواتير التي تقدمها هذه الشركات بشأن اسعار الخامات، مشيرة الى ان كثيرا من الشركات المحلية المنتجة تلجأ الى استيراد خامات دوائية رخيصة من دول آسيوية وبالذات من الهند والصين وكوريا، مما يجعل اسعار الادوية في مصر ارخص من غيرها في الدول المجاورة. واضافت ان خفض سعر الدواء بنسبة 10 في المئة عن سعر التداول في 36 دولة يمكن ان يساهم في خفض الاسعار اذا كانت الظروف الاقتصادية مشابهة للظروف السائدة في مصر، مشيرة الى ان الذين وضعوا النظام الجديد لتسعير الادوية ادري بالظروف الحالية التي تسود السوق في مصر والعالم الا ان مسؤولين في فروع الشركات الاجنبية بمصر يرفضون فرض نسبة تخفيض 10 في المئة على ارخص سعر للدواء في قائمة الدول. ويرون ان ذلك سيدفع دولا اخرى ظروف الفقر بها اصعب من مصر او قريبة منها لان تطالب بنفس نسبة التخفيض وربما اكثر مما يمثل ضغوطا على الشركات لخفض الاسعار لكن الدكتور نصر زايد -أستاذ الصيدلة بجامعة القاهرة والعضو المنتدب لاحدى شركات الدواء المصرية- يرى ان خفض اسعار الادوية الجديدة المعتمدة على تكنولوجيا الهندسة الوراثية ممكن من خلال انتاج الدواء في مصر بتكلفة أقل من أوروبا أو أميركا بالاستفادة من عناصر التكلفة المنخفضة في مصر مثل الاجور واسعار الطاقة المدعمة وغيرها، حيث يمكن فتح اسواق جديدة للادوية الجينية المتطورة تساعد في خفض التكلفة في حالة زيادة الانتاج المحلى. وزيادة قيمة صادرات مصر من الادوية ما دامت الشركات تحصل على هامش ربح معقول. ويرى اقتصاديون في صناعة الدواء ان عدم المراجعة الدورية لتكلفة الدواء في مصر لفترات طويلة لاعتبارات اجتماعية وعدم مراعاة ارتفاع معدلات التضخم ساهم في زيادة خسائر الشركات المحلية المنتجة للدواء وان كانت الدولة حاولت تعويض الشركات عن خسائرها من خلال خفض الجمارك على الخامات الدوائية من 10 الى 2 في المئة، الا ان الشركات كانت ترغب في ربط اسعار الدواء المحلي باسعاره في الاسواق الدولية، وهذه مسألة نسبية ترتبط بسياسات الدول في تسعير الدواء في ضوء ظروفها الاقتصادية والاعتبارات الاجتماعية. فعملية التسعير تعتبر قرارا سياديا يجب ان يراعي الاوضاع الاجتماعية السائدة في اي بلد بجانب الاعتبارات الاقتصادية، ويطالب هؤلاء ومن بينهم نقابة الصيادلة بإنشاء مجلس أعلى للدواء يقوم بالتسجيل والرقابة على شركات الدواء والاسواق، ويمكن الابقاء على نظام التسعير الذي كان سائدا قبل صدور القرار الجديد مع وضع ضوابط لتحقيق الشفافية في عمليات التسعير التي يجب ان تتم على اسس اقتصادية واجتماعية معا.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©