الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

علم البيان (20)

7 أغسطس 2016 23:02
عالج الجاحظ، في كتابه «البيان والتبيين»، البديع، وذهب إلا أنه مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كل لسان، كما أشاد بأصحاب البديع من الشعراء: فالراعي كثير البديع في شعره، وبشار حسن البديع، وليس من المولدين أصوب بديعاً من بشار وابن الهرمة، وذكر السجع في أكثر موضع من البيان، وأطال في سرد كثير من النصوص المسجوعة، وخصص باباً «للمزدوج من الكلام» مثل فيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم في معاوية: «اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب»، وقول رجل في تعزية: إنه فرط افترطته، وخير قدمته، وذخر أحرزته، وإجابة المعزى: ولد دفنته، وثكل تعجلته، وغيب وعدته، وكان مالك بن الأخطل سمع جرير والفرزدق، فقيل: جرير يغرف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر، فأيهما أشعر؟ فقال: الذي يغرف من بحر أشعرهما. وتكلم في «الاستشهاد بالقرآن الكريم وبالشعر»، وفي الألفاظ الغريبة والحوشية، وفي «الإيجاز» الذي هو كالوحي وكالإشارة والأطناب، ومراعاة الحالة النفسية للسامعين، و«جودة الابتداء» و«جودة المقطع» و«الألغاز»، وأورد قول النمر بن تولب: أعاذل أن يصبح صداي بقفرة بعيداً نآني صاحبي وقريبي ترى أن ما أبقيت لم أك ربه وأن الذي أمضيت كان نصيبي وقال فيه: الصدى هنا «مستعار» أي أن أصبحت أنا وفي قول الشاعر: وطفقت سحابة تغشاها تبكي عراصها عيناها جعل المطر بكاء من السحاب على طريق «الاستعارة وتسمية الشيء باسم غيره إذا قام مقامه، وقال الله عز وجل «هذا نزلهم يوم الدين» والعذاب لا يكون نزلاً، ولكن لما قام العذاب في موضع النعيم لغيرهم سمي باسمه، وقال الشاعر: فقلت اطعمني عميراً تمراً فكان تمري كهرة وزبرا والتمر لا يكون كهرة وزبرا، ولكنه على ذاك، وفيما سماه البلاغيون بعده «التوشيح، أو الأرصاد، أو التسهيم»، وما يشبه «رد إعجاز الكلام على ما تقدمها»، عند ابن المعتز. يقول الجاحظ: وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك، كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته... ولكل فن صدر يدل على عجز، وذكر «الكناية والتعريض»، وأورد قول شريح: الحدة كناية عن الجهل، وقول أبي عبيدة: العارضة كناية عن البذاء، وإذا قالوا فلان مقتصد فتلك كناية عن البخل، وإذا قيل للعامل «مستقص» فذلك كناية عن الجور. ورأى أن «الكناية والتعريض» لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والكشف، و«ألفاظ المتكلمين» التي تحسن في مثل شعر أبي نواس وفي كل ما قالوه من وجه التظرف والتملح، والهزل يدخل في باب الجد، وأشار إلى «التقسيم والتفصيل» حين أورد قول الشاعر: المرء ساع لشيء ليس يدركه والعيش شح وإشفاق وتأميل كما استشهد بيت طرفة: فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمي قال إنه طلب الغيث على قدر الحاجة، لأن الفاضل ضار، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: «اللهم اسقنا سقياً نافعاً»، لأن المطر ربما جاء في غير أبان الزراعات، وربما جاء والتمر في الجرن، والطعام في البيادر، وربما كان في الكثرة مجاوزاً لمقدار الحاجة. وبهذا الأسلوب ونحوه عرض الجاحظ بعض المصطلحات البلاغية، سواء ما اهتدى إليه منها بفهمه وتقديره، وما نقله من غيره من العلماء والرواة. * المرجع: البيان العربي - دراسة في تطور الفكرة البلاغية عند العرب ومناهجها ومصادرها الكبرى - تأليف الدكتور بدوي طبانة طبعة منقحة 1972م. إياد الفاتح - أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©