الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أفلام روائية قصيرة تتناول الحنين وغربة الذات

أفلام روائية قصيرة تتناول الحنين وغربة الذات
14 ابريل 2013 00:06
إبراهيم الملا (دبي) - ضمن سعيه لاحتضان مختلف التوجهات والتجارب السينمائية للمخرجين الشباب في المنطقة، وتحقيقاً لنواياه الفنية في منح الفيلم الخليجي فضاء تفاعلياً مع جمهور بات يستكشف ملامح مغايرة لأفلام تعبّر عن خصوصيتها وجرأتها أيضا في البحث والمغامرة ومحاورة القضايا الحية والملموسة، قدم مهرجان الخليج السينمائي مساء أمس الأول في صالات الفيستفال سيتي بدبي أول برامجه الخاصة بالأفلام الروائية القصيرة التي توزعت على الأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان، والأخرى المنتمية لبرنامج (أضواء)، وهي أفلام خارج المسابقة الرسمية لأسباب متعلقة بالشروط التنظيمية ولوائح المشاركة. وتميزت هذه الأفلام بتنوعها وتفاوتها من حيث النسق الإخراجي، وطرق تناولها للقضايا الذاتية والعامة المطروحة فيها، فمن أفلام اختارت الرصد المحايد لوقائع خارجية تتحدث عن نفسها دون تدخلات للحوار والتفاصيل السردية، إلى أفلام انتصرت للمزج بين الوثائقي والروائي، وأفلام أخرى انحازت لمحتواها السردي الصرف والمترجم لمسارات السيناريو، ولابتكارات المخرج المشهدية ضمن الإطار العام للحكاية. معمار تشكيلي في فيلم بعنوان «تحت السماوات» لمخرجة تنحدر من أصول عراقية هي رانيا توفيق، تتأسس المشاهد الأولية للفيلم على كادرات تجريدية تلتقط تفاصيل رسوم وكتابات غير مكتملة على الجدران، وساهم في خلق هذا الانطباع المحير من جهة تحديد ماهية هذه الرسومات وطبيعتها، لجوء المخرجة للقطات المقربة جداً، والتي لا توضح بقدر ما تستر، ولا تبوح بقدر ما تضمر، ولكن مع الانسحاب التدريجي للكادر نحو اللقطات المتوسطة والبعيدة، يتوضح للمشاهد المحتوى الجمالي لمعمار تزييني وتشكيلي مبهر، لفنانين فطريين يحولون الجدران الصامتة للشوارع إلى مساحات مشتعلة بالتجريب اللوني والخطوط المدهشة التي تؤكد قدرة المهمشين في التعبير عن مواهبهم المنسية وإضفاء الجاذبية الروحية والبصرية في أمكنة اعتادت على نمط روتيني مكرر وتحتاج لمن يزحزحها قليلا باتجاه التنويع والثراء البصري واكتشاف الجانب المبهج من الحياة. كوابيس أم وفي فيلم “اختفاء” للمخرج الكويتي عبدالمحسن الجادر يقتفي الفيلم حكاية أم تفقد ابنتها الوحيدة قرب إحدى الشواطئ المنعزلة، ويظل أثر هذا الاختفاء المؤلم حاضرا في كوابيس الأم وفي أحلام يقظتها، وكأنها لا تريد الاستسلام لشرط هذا الغياب الفادح، ولا تريد التصالح مع فكرة الفقدان، ورغم تدخل طبيبها النفسي للتخفيف من معاناتها، إلا أن لقطة الختام تضع المشاهد في المنطقة ذاتها التي تعيشها الأم، حيث تظل صورة الطفلة حاضرة في كل الوجوه المحيطة بالأم، وفي كل الأمكنة المسكونة بمحطات استعادية وذاكرات ترفض أن تنمحي وسط هدير الحزن واملاءاته الشائكة. علامة شوم وفي فيلم “وليد” المصنف ضمن برنامج (أضواء) للمخرج اللبناني المقيم في الإمارات نزار صفير، يتناول الفيلم حكاية موظف عربي مغترب يفشل في العثور على وظيفة في مكان من المفترض أن يكون حافلا بالفرص، ومؤهلا لاستقطاب الخبرات النادرة، ولكن فيلم “وليد” ينحو في اتجاه واقعي أكثر، مع ضخ بعض المشاهد التي يصنعها كوميديا الموقف، والذي يبدو هنا أقرب إلى السخرية السوداء، خصوصا عندما يستدعي وليد زوجته الحبلى ومعها طفلها من لبنان، لأنه بات على ثقة بأن وظيفته مضمونة، بسبب خبرته وامتلاكه لمؤهلات علمية لا يملكها الكثير من الباحثين عن العمل هنا. وفي مفارقة مؤلمة تتحول هذه المؤهلات الخاصة إلى لعنة أو علامة شؤم تطارد وليد أينما ذهب، حيث إن تخصصه النادر غير مطلوب في سوق العمل، ولا توجد شركات أو مؤسسات مهيأة لتوظيفه في هذا التخصص. هذه الصدمة المفاجئة والمربكة التي تصيب وليد وأسرته، تدفعه في النهاية للعمل كمهرج يخفي ملامحه الحقيقة وانكساراته الدفينة كي يتكسب من إضحاك الأطفال وإبهاجهم في إشارة للتناقض الفج، والنهاية الدراماتيكية لطموحات وتطلعات فردية عالية، لم تسعفها الظروف على الإنوجاد والتحقق، لأن الآمال الكبيرة يمكن لها من خلال التبدلات القاسية أن تتحول فجأة إلى هزائم ذاتية كبيرة، تدفع أصحابها في النهاية إلى الرضوخ لشرط الاحتياج وتلبية متطلبات الحياة والظروف الضاغطة. أزمة مهنة وفي فيلمه “كاد المعلم” يلجأ المخرج الإماراتي الشاب حمد صعران والذي يتصدى أيضا لدور الشخصية الرئيسية في الفيلم إلى أسلوب (الدوكيودراما) لمزج النسق التسجيلي بالنسق الروائي، من أجل تجاوز الخطاب المباشر والصارم، عند تناول قضايا اجتماعية معلقة مثل مشكلة توطين الوظائف، وعزوف الخريجين الجامعيين من الدخول في سلك التدريس. وينسج المخرج من خيوط العنوان الذي يتصدر فيلمه، حالات وأخيلة، وأسئلة بعضها واقعي، والآخر افتراضي لتفكيك وتحليل النظرة الاجتماعية السلبية المحيطة بمهنة التدريس، حيث تقرر الشخصية الرئيسية في الفيلم الدخول فعليا في التجربة وتقمص دور المدرس من أجل التعرف أكثر إلى هذه البيئة الطاردة واستكشاف مسبباتها. ومن خلال لقاءات مباشرة مع الطلبة والمدرسين والمسؤولين في سلك التربية والتعليم، ومن خلال مشاهد تمثيلية داخل غرف الدراسة، يضيء الفيلم بعض البقع المعتمة لهذه القضية التربوية العالقة حتى الآن، والتي أدت إلى إغلاق تخصص (التعليم) في الجامعات المحلية، ويعرج الفيلم على الأعباء النفسية والذهنية والاجتماعية المرهقة التي تحاصر المدرس، وتضعه وسط ضغوط هائلة تبدأ مع بداية اليوم ولا تنتهي مع مغادرته لأسوار المدرسة، لأن هذه الأسوار تلاحقه إلى البيت وتسبب له مشكلات عائلية وصحية، وما يزيد من المشكلة حسب توصيف الفيلم الإهانات والمضايقات التي يتعرض لها المدرس من تلامذته، وتساوي راتب المدرس مع رواتب الموظفين الحكوميين الذين ينتهي عملهم بمجرد مغادرتهم لمقر الوظيفة. وفي مشهد ختامي أقرب إلى الكابوس، يعيد بطل الفيلم حساباته المتعلقة باختيار وظيفة التدريس كمهنة مستقبلية، بعد أن يعاين وعن قرب التداعيات المنهكة والمنعطفات النفسية لهكذا مهنة تنطوي على قداسة وتبجيل، ولكنها في العمق وفي الواقع الحقيقي تجلب الكثير من الألم والمعاناة. ويظل عنوان الفيلم “كاد المعلم” في النهاية معلقا في فضاء الحيرة والالتباس، وفي المقولة التي لا تريد أن تكتمل حتى لا تضيف مزيدا من الإحباط على مهنة فائضة بإشكالاتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©