السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معلّم يدفع تلاميذه عنه

معلّم يدفع تلاميذه عنه
11 نوفمبر 2009 22:59
فقدت اليمن والحركة التشكيلية العربية يوم السبت الماضي الفنان التشكيلي الكبير هاشم علي (64 عماماً) إثر غيبوبة أدخلته المستشفى لمدة أسبوع. ويعتبر هاشم علي أبرز الفنانين التشكيليين اليمنيين وأكثرهم تميزاً في الحركة التشكيلية العربية. ويعتبره الفنانون رائداً للحركة التشكيلية في اليمن، ويصفه عدد منهم بالمعلّم الأول؛ أما هو فظل يحفّز طُلاّبه الشباب ألاّ يكونوا نسخاً أو صوراً منه، أو من أي أحد، لأن هذا ـ كما يقول ـ يحد من الإبداع والتطور. ولد الفنان هاشم علي في أندونيسيا لأبوين يمنيين عام 1945 وفي بداية الستينات من القرن الماضي استقر الفنان بمدينة تعز اليمنية، وفيها أقام معرضه الشخصي الأول عام 1967. بجهد خاص مضى هاشم علي إلى تكوين عالمه الفني بالاطلاع على المنجز التشكيلي العالمي خاصة في قراءته باللغة الإنجليزية التي أتقنها مبكراً ففتحت له الكثير من نوافذ المعرفة، حتى أن الكاتبة السويسرية لورنس ديونا حين زارت مرسمه اندهشت لخبراته فقالت في كتابها “اليمن التي شاهدت”: “كثير من الأوروبيين المثقفين، ممن يحوزون على مكتبة ومتحف، يعلمون عن فنهم أقل من هاشم اليمني المعزول في أقصى طرف الجزيرة العربية. لقد شاهد كل شيء وقرأ كل شيء: عذارى رافائيل، والرسوم الخداعة للباروكية، وزخارف الحصى للزخرفة المثقلة، وورقيات كورو، ونساء رينوار، وملصقات براك. وهكذا بالنسبة لهاشم، كما بالنسبة لكثيرين غيره، فإن سيزان هو سيّد الرسم الحديث”. قلّد هاشم علي في بدايته الفنية العديد من الفنانين الأوروبيين، وبالذات الانطباعيين، أمثال: كلود مونيه، فان جوخ، بيسارو، ادجار، إلاّ أن الانطباعية لم تغنه كمدرسة متكاملة، فبحث فترة طويلة عن غايته الفنية في معظم المدارس الحديثة والقديمة، ابتداء من اليونان إلى الرومان وإلى التكعيبية التحليلية التي ينتمي إليها بيكاسو، والتكعيبية التوفيقية التي ينتمي إليها براك؛ لكن وبعد أكثر من عشرين سنة توصل، كما قال لي في حوار معه، إلى اقتناع بالاستقلالية. ومن هذه القناعة يرى هاشم بأن الفن الصادق هو الفن الذي يعبر تعبيرا مباشرا عن ثقافة المجتمع، وعليه يكون مقياساً صحيحاً لطموحاته، وحجم حرّيته. ولهذا، فالمدارس الأوروبية، حسب قوله، ما هي إلاّ نتاج لأفكار تدور في دائرة مفرغة للبحث عن حلول لمشاكل المجتمعات عن طريق أشكال تقليدية ومهترئة. وموضوع أي إنتاج عنده يرتبط ارتباطاً مباشراً بالحاجيات الإنسانية، أي يكون له مضمون إنساني. فن هاشم علي لا يتنكّر للماضي بل يمتد منه إلى المستقبل، يعود بألوانه وخطوطه إلى جماليات فن لشرق القديم الذي كان جماعياً من خلال الزخرفة على السجاد والزجاج والأواني والقماش والخشب، وفن البناء والبهجة الجوهرية لروح الشرق التي تعبر تعبيراً مباشراً عن كمال الجمال في الأشياء. ولأن هاشم مشغول بهواجس الشرق وحكمته، وتتلازم عنده القضايا الفلسفية مع هموم الشغل اليومي في المرسم، والمكابدة في تأمل الناس والأمكنة، فإن لوحاته تحتفي ببهجة الحكمة الطّالعة من ينابيع ضوء الشرق والمعبرة عن تطور الإنسان، وتطلّعه إلى إتمام الأشياء فيها كشفا لبهاء الجوهري. فاللون، قد تكتشفه العيون الفاحصة المدربّة في مقارباته بالطبيعة، لكنه لون الفنان المُبتكر، وليس لون الطبيعة الخام. كما أن الضوء ليس هو من اللوحة؛ بقعة في فراغ، أو انسكابا لونياً جاء من خارج مفاصل الخط واللون؛ بل هو في اللوحة، في تفاصيلها، حتى في تجسّد اللون الأسود الذي يتخذ مكانه الهام للتمام والكمال، فكل الألوان جميلة، يقول هاشم علي، حينما يحسن استخدامها. وإذْ تميّزت مرحلة أوائل ثمانينات القرن الماضي في مسيرة الفنان بالاحتفاء باللون الأسود والأبيض وإنجاز لوحات الجرافيك بالحبر الصيني فإن الفنان ينطلق من أن اللون الأسود يوحي بالقوة، ولا يحتاج إلى مؤثرات أخرى، والفلسفة الشرقية، حسب هاشم، تعتبر الأسود أوّل الألوان، والبداية التي تنطلق منها الألوان، فلولا الظلمة لما كان هناك الضوء. وسواء في لوحاته الجرافيك أو لوحاته الزيتية التي صارت غالبة على كل أعماله من منتصف العقد الماضي فإن الإنسان يحتل حيّزا مهما في جميع اللوحات وتبدو الطبيعة مشكّلة ومتحوّلة بالضوء واللون بقدرات فنية تعتمد الاشتغال بالتقنية فتنحو إلى ابتكار مشهديات جمالية غير مسبوقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©