الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العودة للطبيعة

العودة للطبيعة
25 ابريل 2014 21:09
العودة إلى الطبيعة.. هذا هو شعار الجميع هذه الأيام، وهذا يؤدي لنتائج مخيفة على المستوى الصحي. أعرف عشرات من مرضى السكري الذين يشربون جالونات من مغلي ورق النبق أو البردقوش، على أمل أن يتحسن السكري لديهم، وكل هذا حتى لا يتناولوا قرصًا من الدواء أو حقنة صغيرة من الأنسولين. هناك كثيرون من ضحايا العلاجات التي يفترض أنها لخفض ضغط الدم. أما كميات الأعشاب التي يشربها مرضى الربو فيمكن أن تروي الصحراء الغربية.. كل هذا حتى لا يتناولوا دواء بسيطًا يوسع الشعب. كان صديقي هذا يؤمن بالطب الطبيعي جدًا، كما أنه يؤمن أن الغذاء هو خير طريقة للعلاج. وكان يمسك برأس الثوم فيقول في انتشاء: ـ «الثوم مفيد لتصلب الشرايين وضغط الدم» وهي حقيقة علمية على فكرة، لكن الأمر لا يتوقف عند الثوم: ـ «الزعتر مفيد للباءة ويحسن البصر» لست متأكدًا من أنه يعرف معنى (الباءة) بالضبط.. لكنه يعرف ما هي بالتقريب. ثم يمسك بجذر زنجبيل، ويؤكد: ـ «هذا يقوي المناعة.. » ويمسك بقطعة من البنجر ويقول: ـ «هذا معروف أنه يقوي السمع ويحسن الشرايين» ثم يسألني عن رأيي.. الويل لي لو قلت إنني لا أعرف.. على كل حال راجعت الكثير من المجلات وزوايا الصحف كما اطلعت على عدد من كتب (الأقربازين) العتيقة.. لاشك في الحقيقة التي توصلت لها، وهي أن كل نبات في العالم – بلا استثناء - يفيد الضغط ويجلو البصر، كما أنه يقوي الباءة ويزيد الخصوبة، ويزيد المناعة ويطيل العمر ويصلح المعدة ويقوي البنكرياس، ويقوي النظر ويفيد القولون.. ربما يمنع الموت كذلك. لا يوجد نبات مضر أبدًا حسب المعتقد الشعبي.. كل شيء مفيد ورائع. لا تسألني عن الطريقة التي تقيس بها هذه المقالات مناعة البشر فأنا لا أعرف.. كيف تقيس المناعة ما لم تجر دراسات مضنية على الخلايا المناعية ؟.. هل تم عمل دراسة لمقارنة أداء القولون بين من يشربون جذور الزنجبيل المغلية ومن لا يشربون ؟ بالطبع لا. هل تم إطعام مجموعة من الناس الزعتر ومجموعة لم تأكله.. ثم تم قياس حدة النظر في المجموعتين؟ الأمر لا يخرج عن كلام مرسل مما يقوله العطار.. حماس شديد بلا سند من العلم، ولكن الناس يطربون جدًا لهذا الكلام، كأنهم يسمعون أغنية لأم كلثوم حتى ليوشكوا على قول (أعد).. فعلاً هناك أناس يتلذذون وينتشون عندما يسمعون أن الجرجير يعالج السرطان، والبصل يعالج الانزلاق الغضروفي .. يمصمص الواحد منهم شفتيه ويقول: «يا سلام يا أخي!». رآني صديقي المذكور أدخن، فأبدى ضيقه من رائحة الدخان الكريهة، فقلت له: ـ «التبغ المحترق يحسن وظائف الجهاز التنفسي والبولي.. كما أنه ينشط الذاكرة» لم يبد مقتنعًا لكن غريزة (التصديق في النباتات) انتصرت على شكه، وهكذا صدق هذا الكلام الفارغ. لاحظ أنني أشرب عدة أقداح من القهوة.. كان يعرف أن هذا مضر، لكني صححت له معلوماته: ـ «القهوة تحسن وظائف البلعوم وتساعد في إنبات شعر الرأس وطول الحاجبين.. لو دهنت أنفك بالقهوة يوميا فلسوف تشفى من الربو نهائياً..» صدقني على الفور.. هكذا وجدت أنه من السهل جدًا أن تؤلف أي كلام فارغ، فهناك من سيصدقك بلا مقاومة.. إن لم يصدق فعليه أن يثبت أن القهوة لم تساعد في إنبات شعر رأسي.. بالتأكيد هناك فوائد علمية للهيل والزعتر.. إلخ.. لكنها تختلف عن تلك التي يكتبونها في الصحف وتختلف من مقال لآخر.. الهيل يصلح للقولون في مقال، ويرفع المناعة في مقال، ويشفي البواسير في مقال ثالث. وهكذا أعتقد أن من يملأ الصحف بهذه الحقائق العلمية المشكوك فيها عن فوائد الهيل والزعتر هو نفس الرجل الذي يملأ خانات (حظك اليوم) و«تجد مالاً كثيرًا وتقابل صديقًا لم تقابله قط». قلت لصاحبي هذا الكلام فلم يسمعني.. سألني بشفتين حمراوين كالدم: ـ «ماذا تقول؟.. أرفع صوتك» ـ «أقول إن هناك صحفيين نصابين يهذون على صفحات مجلاتهم..». ـ «لا أسمعك .. أنا آكل البنجر كما ترى». الحقيقة المؤكدة الآن هي أن البنجر لا يقوي السمع كما يؤمن صاحبي.. ربما يسبب الغباء كذلك، لكن هذا يحتاج لدراسة مدققة. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©