الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الشارات» والعلامات المملوكية.. رمز للمكانة الشخصية والوظيفية

«الشارات» والعلامات المملوكية.. رمز للمكانة الشخصية والوظيفية
25 ابريل 2014 20:58
د. أحمد الصاوي (القاهرة) حظيت الفنون التطبيقية باهتمام ورعاية سلاطين دولة المماليك بمصر والشام، حتى إن الفنانين قاموا بوضع رنوك المماليك، التي تشير لوظائفهم على كل ما أنتج برسم استخدامهم ثم توسعوا في ذلك لتسجل تلك العلامات على المنتجات الصناعية الموجهة لعامة الناس وذلك بغرض الترويج لها كمنتجات مملوكية. والرنك كلمة فارسية الأصل تعني اللون في الأصل ولكنها في المعنى الاصطلاحي تعني الشارات والعلامات الخاصة بالملوك والأمراء سواء تلك التي اشتهروا بها بشكل شخصي مثل رنك الأسد أو الفهد الذي عرف به السلطان المملوكي الظاهر بيبرس أو تلك، التي تشير لوظيفة صاحبها مثل الكأس، التي تشير لمن يتولى وظيفة الساقي أي من يقوم بأمر مشروبات السلطان ودواة الحبر، التي ترمز للدوادار أي المسئول عن حمل دواة الحبر الخاصة بتوقيع السلطان على الأوامر الرسمية. حرص المماليك على أن تزود المنتجات الفنية التي صنعت من أجلهم برنوكهم الشخصية والوظيفية على حد سواء بل إن هذه الرنوك كانت توضع على العمائر الخاصة بهم ومما يدل على أهميتها أن السلطان إذا ما غضب على أحد الأمراء أمر بمحو رنكه من على واجهة مسجده أو مدرسته ويعتبر ذلك بمثابة حط من شأنه أمام الرعية. رنك النسر ولما كان الأمر على هذا النحو من الأهمية فقد عمد الصناع إلى وضع تلك الرنوك على عدد من منتجات المعادن والفخار والخزف والمنسوجات للفت الانتباه إلى جودتها حتى صارت جديرة بأن تحمل رنك الساقي أو الدوادار أو صاحب البريد. ويعتبر رنك النسر الناشر جناحيه من أقدم وأبرز رنوك المماليك الشخصية والوظيفية أيضاً، ويعود أقدم ظهور لهذا الرنك لعهد السلطان الأرتقي ناصر الدين محمود، الذي حكم ديار بكر في أعالي إقليم الجزيرة الفراتية، فيما بين عامي 597 و619 هـ وورثه عنه السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباذ حاكم قونيه فيما بين عامي 616 و634 هـ، ويغلب على الظن أن السلاجقة ومن بعدهم المماليك قد تأثروا في عادة استخدام الرنوك بالخوارزمية، الذين انضموا لخدمة البلاط في العديد من الإمارات السلجوقية بعد سقوط دولة خوارزم شاه في أيدي المغول بقيادة جنكيز خان. ومهما يكن من أمر فقد نقل المماليك عن ممالك بلاد الجزيرة شمالي الشام والعراق رنك النسر الناشر جناحيه والذي ينظر برأسه باتجاه اليسار أو اليمين وظهر ذلك الرنك لأول مرة في عمارة قلعة الجبل بالقاهرة، وظل العلماء يعتقدون لفترة طويلة من الزمن أنه رنك للسلطان صلاح الدين الأيوبي أو للأمير بهاء الدين قراقوش القائم على أمر عمارتها إلى أن تبين أن هذا الرنك مسجل على أعمال معمارية تعود لتجديدات الناصر محمد بن قلاوون في القلعة. وقد ظل رنك النسر رنكاً شخصياً خاصاً بأسرة قلاوون، التي حكم ملوكها أغلب فترات دولة المماليك البحرية ونرى هذا الرنك بصورته الأصلية أيضاً على منتجات يعتقد أنها كانت مخصصة للتداول السلعي العام، وإن كان الفنان قد وضع عليها هذا الرنك بغرض ترويجها. ومن أمثلة ذلك زمزمية من الفخار الذي اعتاد الحجاج حمله معهم في قوافل الحجيج وزيادة في تأكيد هويتها الملوكية جعل الفنان تحت قدمي النسر رسماً لزهرة ذات ست بتلات أو شحمات وكانت هذه الزهرة وقفاً كرمز شخصي على أمراء أسرة قلاوون أيضاً. رسم الفهد ولم يتوقف استخدام الرنك الشخصي للسلطان الظاهر بيبرس وهو رسم الفهد، وكذلك السبع عن الورود على عدد كبير من تحف الفنون التطبيقية بعدما كان السلطان يضعه على نقوده من الذهب والفضة فضلاً على وضعه على العمائر التي قام بتشييدها مثل مدرسته وقناطر النيل عند فتحة الخليج المصري، والتي عرفت باسم قناطر السباع بسبب ذلك. ويحتفظ متحف الفن الإسلامي بقطعة من الرخام منحوت عليها رنك الظاهر بيبرس، وهو رسم أسد يعدو رافعا ذيله ولعل تلك القطعة من بين ما أمر أحد سلاطين المماليك بقلعة من قناطر السباع، بينما يقتني المتحف بعض التحف، التي تحمل ذات الرنك ولكن كعلامة تجارية لضمان رواجها بين المشترين. ومن هذه القطع قنينة صغيرة مموهة بالمينا عليها رنك السبع على أرضية حمراء اللون وتعود هذه القنينة إلى القرن الثامن الهجري أي بعد فترة حكم الظاهر بنحو قرن من الزمان، وهي تلك الفترة التي ازدهرت فيها منتجات الزجاج المموه بالمينا المتعددة الألوان. ونرى أيضاً رنك الوردة ذات البتلات الست والخاص بأسرة قلاوون في بعض قطع من الفخار المملوكي المطلي بالمينا، ومن أمثلة ذلك سلطانية من الفخار بقاعها ذلك الرنك، بينما تحيط رسومات متكررة لرنك البقجة، وهو رنك خاص بمن يتولى وظيفة حفظ ملابس السلطان. رنك الأتابك وتحفل المنتجات الفنية المملوكية بالرنوك الشخصية الوظيفية الخاصة بالسلاطين، وذلك إذا ما كانت قد صنعت للسلطان، ولم نجد أي نوع من المحاكاة لهذا الرنك على المنتجات المخصصة للبيع في الأسواق العامة، وكان القيام باستخدامها يعتبر جريمة يستحق مرتكبها العقاب الرادع. ويكتب الرنك الشخصي للسلطان داخل دائرة مقسمة لشطوب يكتب في الأعلى منها اسم السلطان وفي الأوسط عبارة عز لمولانا السلطان يعقبه لقبه المعروف به وأخيراً في الشطب الأسفل العبارة الدعائية عز نصره. ومن الرنوك الوظيفية التي لم يتجاسر صناع المنتجات التطبيقية على وضعه في أي المنتجات الخاصة بالأسواق رنك الأتابك، وهو قائد الجيش والشخصية التالية في الأهمية للسلطان المملوكي، وهو عبارة عن نسر مزدوج الرأس ينظر لليسار واليمين في إشارة لسهره على حماية البلاد وممتلكات السلطنة في الشرق والغرب . وقد ظهر أولاً في فنون أتابكة منطقة الجزيرة الفراتية كرمز للقادة العسكريين بشكل عام مثلما نرى على جرة تعود لتلك المنطقة في القرن السابع الهجري. وفي عصر المماليك أصبح هذا الرنك مخصصاً لمن يتولى وظيفة أتابك العسكر أو قائد الجيوش ونراه على مبخرة مكفتة بالذهب تحمل اسم الأمير المملوكي بيسري. رنك الساقي يعتبر رنك الساقي، وهو عبارة عن رسم للكأس في أشكال متعددة الأكثر وروداً على التحف سواء تلك التي صنعت لأمراء تولوا هذه الوظيفة، كما نرى على أحد شمعدان برونزي مكفتة بالفضة، وعلى قطعة من الرخام يبدو أنها أزيلت من فوق أحد العمائر المملوكية أو على منتجات الفخار المموه بالمينا، التي كانت تُباع في الأسواق أو حتى على المنسوجات الشعبية المصنوعة من الكتان والصوف. وهناك أيضاً عدد من الرنوك تكرر رسمها على قطع من الفخار المملوكي المطلي بالمينا مثل البوق، الذي يرمز لمن يقوم بالنفخ فيه عند أوقات خروج السلطان أو تبديل الحراس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©