الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

فاروق حمادة: رؤية محمد بن زايد للتعليم.. ثلاثة مرتكزات وسبعة ثوابت

فاروق حمادة: رؤية محمد بن زايد للتعليم.. ثلاثة مرتكزات وسبعة ثوابت
11 مايو 2018 22:53
عرض خالد عمر بن ققه من البداية يُقِرُّ المستشار الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، بحقيقة مفادها: «أنه من الصعب بالنسبة له الإحاطة بفكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، في مجال التعليم أو إدراك أبعاده ومراميه».. هنا يطرح السؤال الآتي: ما الذي سيقدمه الدكتور فارق حمادة، إذن، من خلال قراءته في رؤية سموه؟، تأتينا إجابته محددة، وواضحة بصيغتها العلمية، في العبارات الآتية:«.. سأقدم ومضات مشرقة من ثوابت هذا الفكر والآفاق التي يرنو إليها»، مراعياً في ذلك ثلاثة مرتكزات أساسية: أولها: موقع التعليم في رؤية سموه من حيث هو حديث عن فكر متألق لعبقرية فذة، وثانيها: وضوح رؤية سموه، ودقتها في تشخيص الواقع، وثالثها: ربط التعليم بالأهداف المستقبلية. ما طَرَحَهُ الدكتور فاروق حمادة، يُعدُّ مدخلاً أساسياً لمعرفة مرجعيَّة أطروحات سموه في مجال التعليم، والتي يرجعها المستشار حمادة إلى ثلاثة منطلقات، أولها: ذَاتٌ دراسة وفاعلة وجزء من النسق السياسي المتطور على مستوى العالم، حيث نَظَرَ سمّوه ببصيرة إلى تجارب دول العالم، وخَبر أحوال الشعوب، وثانيها: استلهام سموه لحكمة زايد الخير، وثالثها: إدراك سموه الواعي والمُوقِن، من أن العلم والمعرفة أساس كل تقدم في كل العصور والمجتمعات، بل هما منطلق رفعة الوطن وعظمته، وهذا ما يؤكده في أحاديثه حول التعليم ومستقبله باستمرار. ترسيخ الثوابت وبناء على ما سبق، فإن سموه، يُطور من ميراث التعليم، الذي هو جزء من رؤية عامة لقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عهد القائد المؤسس المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونتيجة لذلك التطوير، أخذ التعليم بعداً آخر في تنظيمه وترسيخه وتحديد أهدافه ومقاصده ضمن برامج وخطط واضحة، وهذا نتيجة اطِّلاع سموّه على التطور الحضاري المعاصر ومراكز العلم والمعرفة المتقدمة، فاستنتج سموّه أن للدولة دوراً حاسماً في عملية التوجيه والتنظيم والدعم، خاصة في المراحل الأولى، ما جعله يرسخ في الحقل التعليمي الثوابت الآتية: أولاً: الرؤية الشاملة للمجتمع وتطوره، حيث لم يكن ليغيب عن بال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، ورؤيته: أن المجتمع الإماراتي، يتطور سُكَّانِياً بدرجة كبيرة، والعالم من حوله يتطور علمياً بدرجة سريعة، فأين يتوجه هذا المجتمع؟، وأين تسير به الدولة؟.. لقد كان فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وهو يرى ذلك، يتجه إلى المضي في اتجاهين، الأول: رفع نسبة التعليم لدى المواطنين أساساً، ولدى جميع المقيمين على أرض الدولة بشكل عام، والثاني: مواكبة التطور الاجتماعي من خلال فتح أبواب معاهد العلم، بدءاً من رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية إلى الجامعات والمعاهد المتخصصة، وغيرها. ثانياً: التكامل والتوازن المعرفي، فنظرة سموّه إلى التعليم بكل صنوفه وأنواعه نظرة متكاملة ومتوازنة، فهناك التعليم الذي يختص بالدراسات الإنسانية بأنواعها، والتعليم الذي يتعلق بالدراسات القانونية والاجتماعية، والدراسات التي تتعلق بالقضايا الأمنية والاستراتيجية والعسكرية، والدراسات التطبيقية، كالطب والصيدلة والهندسة والعلوم والزراعة، والدراسات العلمية الدقيقة التي لا توجد إلا في قليل من الدول كعلوم الفضاء، وقد بلغ عدد البرامج المطروحة في مختلف التخصصات الجامعية بدولة الإمارات العربية المتحدة عام 2014 نحو ألف تخصص، وهي الآن تعدت هذا الرقم بكثير. السِّيَاج المتين ثالثاً: تقوية البناء الاجتماعي، لقد جعل سموه كل فكرة أو حركة أو تصرف عنده في خدمة الوطن، ومن أجل إعلاء شأنه وزيادة إشراقه وتألّقه، والتعليم في كل فروعه ومستوياته لا يخرج عن هذا الإطار، فيجب أن تتم تقوية البناء الاجتماعي وتعزيزه، والسبيل إلى ذلك يكون في جانبين اثنين، الأول: بسط المعرفة التي تلبي حاجات الوطن وتطلعاته وتميُّزه وتغطي سوق العمل، سواء في العلوم الإنسانية، أو في العلوم التطبيقية، والمحافظة على الهوية الوطنية، وهذا الهاجس يعدُّ من الهواجس الكبرى التي تشغل بال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وتجعله يُوجِّه التعليم بكل مستوياته إليها، فإذا لم يكن التعليم محافظاً على الهوية الوطنية، فإن الأجيال ستذوب، وسيكون مستقبل الوطن في خطر. رابعاً: خلاصة المعرفة الإنسانية واختصار الزمن، وحرصاً من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، على أن تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة سوق المعرفة العالمي وتنافس فيه، لتختصر الزمن، وتبدأ من القمة لتصل إلى قمم أعلى وآفاق أرحب، فقد اتخذ توجهات عدة في هذا المجال، من ذلك: استقدام الجامعات ذات العراقة المعرفية والمشاركة العلمية المتميزة لتكون محضناً لأبناء الوطن والمقيمين من الجنسين، وفتح آفاق جيدة للبعثات إلى مراكز العلم والمعرفة، وجعلها أكثر عمقاً وتنظيماً ووضوحاً في الرؤية في السنوات الأخيرة بتوجيهات من سموه، حيث لم تعد مقصورة على الغرب في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأستراليا، بل تنوعت إلى مراكز معرفية لها شأن في مجال التعليم. خامساً: إطار القيم والأخلاق، إن تركيز صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، على تأطير المعرفة والتعليم وتسييجهما بسياج متين من القيم، ومتابعته الشخصية لإدخال التربية الأخلاقية في التعليم، ولاسيما في مراحله الأولى، هما ضمانٌ لإيجاد جيل صالح متوازن محصَّن، وفي ذلك ضمانة لمستقبل الوطن وحفاظ على أجياله. «وادي السيليكون».. و«بوتراجايا» سادساً: الإبداع وإنتاج المعرفة، إن موضوع التوجه الإبداعي وإنتاج المعرفة في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة منهج راسخ في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وأعماله وخطواته.. إنه يرى نموذجَي «وادي السيليكون» في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، وما يعطيه لها من مكانة وريادة، و«بوتراجايا» في ماليزيا، وما يضمها من الشركات التكنولوجية العملاقة، وغيرهما من النماذج الواقعية لتجارب من عصرنا تحولت من مجتمعات مستهلكة إلى منتجة، ومن متخلفة إلى متقدمة، ولهذا فما المانع أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة واحدة من هذه المجتمعات المعاصرة التي تقود المعرفة البشرية في كثير من جوانبها؟ لا مانع في ذلك، في نظر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، وقد أكده في مناسبات كثيرة، ومنها قوله: «إن اعتمادنا على العلم والمعرفة لتحقيق التنمية الشاملة هو السبيل الوحيد للوصول بدولتنا إلى مرحلة الإنتاج النوعي الذي لا يعتمد النفط أساساً لدخلنا، وهو ما أثبتته تجارب الدول التي ليست لديها تلك الموارد الطبيعية التي تذكر»، وتصريحات سموه هذه وغيرها، ذات صلة بالقدرة التنافسية على المستوى العالمي، لأنه ليس في مقدور أي دولة من الدول المنافسة، إلا إذا قامت على التعليم المُنتج لاقتصادات قوية يدعمها الابتكار. لهذا فإن تطوير التعليم الذي يقود إلى الابتكار أهم ما يمكن أن يتوجه إليه العقلاء، وهذا هو ما قطع فيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، خطوات واسعة، لأن ذلك كان استراتيجية ومنهجية عنده، ويقول سموّه في ذلك: «هناك خطة لتطوير التعليم تدعونا للنظر إلى المستقبل بصورة إيجابية، وستكون قدرة الأجيال القادمة على تحمل المسؤولية مضاعفة، لأنها مبنيَّة على العلم والمعرفة والالتزام بالعادات والتقاليد. ثلاثية الانطلاق ويرى فاروق حماده: أنه سعْياً لإبداع وإنتاج المعرفة، استطاع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، أن يضع ثلاثية «الثروة المالية»، و«القوة الشبابية»، و«الثورة المعرفية العالمية» في تناغم صحيح لانطلاقة قوية لصنع مستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة، لتكون مؤثرة في رقي الوطن وامتداده العلمي، في حين كانت هذه الثلاثية تهديداً خطراً، وسبباً في اضطرابات اجتماعية أثرت في المجتمع والدولة بمناطق أخرى من العالم العربي وغيره. سابعاً: في قلب المستقبل إن رؤية المُسْتَقبَلَيْن القريب والبعيد، وربطهما بالحاضر، هما شأنُ ذوي العقول الكبيرة التي ترى صيرورة الإنسان والمجتمع والدولة، فيومنا مبنيٌّ على أمسنا، وغدنا مبني على يومنا، والمجتمع له قوانين في تطوره ونظمه ومآلاته، وهي مرتبطة بالفرد والمجتمع والدولة، لذلك فإن النظر إلى المستقبل، والتفكير الجاد فيه، يقتضيان منا التدقيق في الحاضر وإمكاناته وجوانبه الإيجابية والسلبية لتجاوز العثرات، وتطوير الإيجابيات، والبحث عن البدائل الإبداعية في إطار الممكنات الواقعية، وإن تحديد الأهداف من التعليم وتنزيلها على البرامج والمناهج في المستويات التعليمية من أهم ما يصحح مسيرة التعليم، ويدفع بالأجيال إلى مستويات أعلى وآفاق أرحب، وهذا ما تقوم عليه رؤية سموه. صناعة المستقبل وينتهي فاروق حمادة في ورقته إلى ثلاث نتائج، الأولى: إن صناعة مستقبل الوطن تحتاج إلى إعداد جيلين من الشباب أحسن إعداد ليكونا نواة للأجيال القادمة، فالذين يدخلون المدارس الابتدائية اليوم سيتحملون المسؤولية بعد خمسة وعشرين عاماً، والاستثمار فيهم سيحصده الوطن بعد خمسة وعشرين عاماً وأكثر، وهذا هو الدرس الذي ألقاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، على مسامع قادة العالم والمسؤولين في الدولة، حين وضع هذا الوطن في قلب المستقبل، وأكد أنه يجب أن تكون الخطط والبرامج غير آنية، بل مستقبلية، وخاصة في ميدان التعليم لتكون مخرجاته ونتائجه بهجة وسروراً وعطاءً وابتكاراً، تعلي قيمة الوطن وأهله. النتيجة الثانية: تحول الوطن إلى اقتصاد المعرفة وإنتاجها، نتيجة الاستثمار في التعليم، عندها يكون رأس المال البشري، بقوته وحيويته وعطائه وإبداعه، خيراً من الاعتماد على النفط، وإن بقي النفط أو انتهى، فلن يتأثر الوطن في سعادته ورفاهيته واقتصاده ومكانته، لأن العقول المبدعة تغطي كل نقص، وتحل كل مشكلة، وتزيد في قوته يوماً بعد يوم، فلم تعد الموارد الطبيعية هي العامل الحاسم في صناعة المستقبل وقيادته، بل الكفاءة في العلم والمعرفة والإبداع وحسن القيادة. النتيجة الثالثة: استيعاب الشباب، والتخطيط لمستقبلهم قبل أن يولدوا وبعد ولادتهم في طفولتهم وفي شبابهم، هما جوهر تفكير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، الذي أبرزه ووجَّه به ضمن الثوابت السبعة المتقدمة، وألقاه إلى أهل الاختصاص من رجال التخطيط الاستراتيجي ورجال التعليم ليقوموا بهذه المهمة النبيلة وينالوا هذا الشرف الرفيع. رأي عارض بعد هذا كلّه، وبعد عرض كتاب «محمد بن زايد والتعليم» في سبع حلقات، فإنه وجب القول: تعدد القراءات من ذوي الاختصاص والباحثين والإعلاميين لرؤية سموه، تكشف ثراءها من جهة، وتُنبّهنا إلى الثابت والمتحول عند التطبيق، وتُحلينا إلى مسالك ودورب الاستراتيجية والتكيك، وتُحذِّرنا من مزالق اختلاف القراءات عند التطبيق، وتضعنا أمام مساءلة حضارية نتيجة رؤية سموه العميقة والمستقبلية من جهة، والهوة الواسعة لمن يتفاعلون معها سلباً أو إيجاباً من جهة ثانية.. إنها رؤية عابرة للقارات وللزمان، ومتخطية لكل حواجز التخلف في منطقتنا، ومُشعة لأنوار المعرفة والتسامح والمحبة في حقبة الجهالة والعنف والكراهية.. رؤية محمد بن زايد للتعليم هي صوت آتٍ من أعماق ذَاتٍ مُغيَّرة.. فمن يا تُرى سيستجيب لها إماراتياً وعربيا، طوعاً وحباً وشوقاً للتغيير؟ ومن يُدْرك أن هذه رؤية قائد مناّ، وعلينا تلبية النداء من أجل أنفسنا وأمتنا يوم الزحف الأكبر على الجهل والتخلف والظلامية؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©