الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

عزان: مدينة سوداء!

عزان: مدينة سوداء!
16 يونيو 2017 23:04
علي سالم (عدن) لمدينة عزان بمديرية ميفعة - محافظة شبوة - أهمية اقتصادية وتاريخية وسياسية على مستوى المحافظة، يبلغ تعداد سكانها 12.400 نسمة حسب الإحصاء الذي أجري عام 2004م، وتعد العاصمة التجارية الثانية في شبوة بعد العاصمة عتق، وتقع على الطريق القديم الذي يصل محافظتي حضرموت وعدن، مروراً بشبوة وأبين، وتشهد المدينة ازدحاماً وكثافة المتسوقين، نظراً لموقعها الاستراتيجي في قلب المديريات الجنوبية الأربع لمحافظة شبوة «ميفعة، الروضة، رضوم وحبان»، كما تقع بقرب منشأة بالحاف النفطية وساحل البحر العربي. سجلت عزان حضورها اللافت في السنوات الأخيرة بين مد وجزر، فهي المدينة التي انطلقت من خلالها شرارة الاحتجاجات الجنوبية الأولى في محافظة شبوة ضد نظام المخلوع علي عبدالله صالح، وطالبت بفك الارتباط عن نظامه منتصف العام 2007م، عام انطلاق الحراك الجنوبي، وعلى جانب آخر كانت عزان تسيطر على المشهد، وهي تعلن من قبل مسلحي تنظيم «أنصار الشريعة الإرهابي في جزيرة العرب» التابع لتنظيم القاعدة كـإمارة إسلامية ضمن ولاية شبوة بمجرد سيطرة التنظيم عليها في 24 مارس2011م. وبعد ما يربو على العام تم تطهير المدينة من سيطرة عناصر تنظيم القاعدة ظهر السبت 23 يونيو 2012م، إذ شهدت المدينة سلسلة من الغارات الجوية، وكذلك مواجهات متقطعة بين الجانبي أدت إلى مقتل العشرات من المسلحين وأعداد غير معروفة من الجرحى، ومعها تم تشريد مواطني المدينة ونزوحهم إلى مديريات مجاورة وآخرين فضلوا النزوح إلى المكلا عاصمة محافظة حضرموت، كما خلفت الحرب الظالمة أضرار بالغة على المباني العامة والخاصة في المدينة ما تزال شاهدة عيان على تلك الجرائم. صباح الاثنين الموافق 01-02-2016م، سيطر مسلحو التنظيم على مدينة عزان مجدداً مستغلاً الفراغ الأمني الذي تعيشه البلاد جراء حرب الانقلابين، ورفع المسلحين الرايات السوداء بعد سيطرتهم على البنك والمجمع الحكومي وانسحاب عناصر المقاومة الشعبية الذين كانوا يتواجدون فيها، لتدخل عزان فصلاً جديداً من بؤرة الصراعات والصدامات، ويدفع خلالها المواطن فاتورة انتمائه لتلك المدينة «العزيزة» والمنطلقة من العز كاسمها، لكن تلك السيطرة لم تدم طويلاً وانسحبت العناصر من المدينة حين قامت القوات اليمنية وقوات التحالف العربي بطرده منها في شهر أغسطس، ليتركها التنظيم تجتر ذكريات مؤلمة عاشتها خلال فصلين داميين! حالياً المدينة تحت حكم سلطة الشرعية، ورغم ذاك تظل المعاناة واضحة، فالكثير من الخدمات الأساسية منتفية عنها، ومشاريع البنية التحتية تتواجد في مخطوطات المكاتب الحكومية ودهاليزها، فشوارعها ما زالت ترابية تتطاير الأتربة والغبار كعنوان للمدينة «الترابية» وتقف تلك العناوين لتحكي حكاية بؤس شديدة، لمدينة لم ينفعها تصنيفها كثاني أهم مدن محافظة شبوة اقتصادياً وتجارياً، وعاصمة «الإمارة» الإسلامية، والذي ينبغي الاحتفاء به ووضعه في رفوف متحف التاريخ فقط. شتان بين الأمس واليوم عن عزان وواقعها بين الأمس واليوم يتحدث ناصر القميشي، وكيل محافظة شبوة، لـ «الاتحاد»، مؤكداً شتان بين الأمس واليوم، على الرغم من تردي الأوضاع في الوقت الحاضر، لكن لا نستطيع مقارنته بفترة سيطرة التنظيم على المدينة الذي جعلها تعيش في عزلة، وأدى إلى فقدانها للمشاريع الإنمائية وتهجير الكثير من أهلها. ولفت القميشي إلى أن خدمات التعليم والصحة والبنية التحتية تأثرت بشكل خاص نتيجة تلك السيطرة، وتمنى على السلطة العليا إيلا عزان الاهتمام الذي يليق بها، نتيجة ما تعرضت له من حرب وحصار وتدمير للكثير من مبانيها، وتشريد أهاليها. وشدد الوكيل القميشي على أن سكان شبوة ينتظرون عودة الأمن في محافظتهم بصبر نافد، وقد رحبوا بقوات النخبة في ضبط أمن المنطقة، وذلك تعليقاً على بعض الأحداث التي شهدتها عزان مؤخراً وأقلقت السكينة العامة منها التفجير الذي حدث في سوق القات وأسفر عن إصابة عدد من المواطنين، وكذلك بعض حالات القتل بين بعض قبائلها. ألقى مسلح قنبلة يدوية على مرتادي سوق القات في عزان ظهر الثلاثاء 21 مارس 2017م، نتج عنه مقتل بائع قات، وجرح 16 مواطناً. عزان تدفع الثمن يرى الصحفي عبد السلام بن سماء أن عزان دائماً ما تدفع ثمن المماحكات والنزاعات والحروب المتناثرة كالنار في هشيم أرضها، وهو الشيء الذي يعكّر صفو هدوء المدينة ويدخلها في مشاكل لا حصر لها، وعزان لا تخلو من المشاكل السياسية، فهي أول منطقة تشهد احتجاجات ثورية بالمحافظة مع انطلاق شرارة الحراك الجنوبي عام 2007م، لتدخل دائرة الضوء في الصراعات السياسية، لتنتقل إلى مسرح الحروب المفتعلة وتارة يسيطر عليها الجيش وتارة أخرى الجماعات المسلحة والمواطن يدفع الثمن بإقلاق سكينته وتشرده ونزوحه من مكان إلى آخر، وما إن تهدأ الصراعات السياسية حتى تظهر الصراعات الاجتماعية. قتل عبثي تجددت حوادث القتل العبثي في المدينة وسط غياب السلطات الأمنية وتنوعت فصولها، فهناك قتل من قبل عناصر تنظيم القاعدة لقبليين، للاشتباه بتورطهم في حوادث مماثلة وقعت لعناصر من التنظيم، وحوادث أخرى ناتجة عن ظاهرة الثأر التي خف بريقها في عزان خلال سنوات مضت وعادت بضراوة، وهناك حوادث عرضية ناتجة عن تعصب وسوء فهم، وكلها حوادث أتت في ظل الغياب الكبير للأمن فيها وبقية المناطق التي تنتظر على أحر من الجمر تواجد قوات النخبة في بقية المديريات بعد تواجدها في مديرية رضوم واستتباب الأمن هناك بدرجة كبيرة. شهد فبراير العام الماضي مواجهات وكمائن أسفرت عن قتلى بين عناصر من التنظيم وقبليين من آل باعوضة، ويتحدث البعض على أن ذلك تصفية حسابات بين الطرفين على خلفية فترة سيطرة القاعدة على المدينة واتهامات متبادلة بتصفية عناصر من الطرفين، وذكرت مصادر خاصة عن تجدد الصراع المسلح بين رجال المقاومة وعناصر من تنظيم القاعدة مطلع شهر أكتوبر من العام الماضي، أسفر عن قتيل وجريح من المقاومة، وثلاثة قتلى من التنظيم وذلك في مفرق الحوطة بمديرية ميفعة. ويشير الصحفي جمال شنيتر، لـ «الاتحاد» إلى أهمية مدينة عزان والتي لا تجد الاهتمام من السلطات المختلفة سواء في المديرية، أو المحافظة أو السلطة العليا، ويقول: «تعد مدينة عزان إحدى أهم مدن محافظة شبوة في الحركة التجارية، فهي السوق الأكثر شعبية والذي يتوافد إليه يومياً المئات من المواطنين من مديريات عدة للتسوق والتزود بالمؤن الغذائية وقضاء حاجياتهم المختلفة، غير أن المدينة رغم تلك الأهمية تعاني من ضعف البنية التحتية وانعدام بعض الخدمات الأساسية الهامة التي تؤثر على وضعها الاقتصادي المتميز». القطاع الصحي عند تناول الجانب الصحي في عزان، فلا بد من السفر نحو المستشفى الوحيد فيها والذي يعد من أقدم مستشفيات المحافظة، لكنه يعاني الإهمال غير المبرر من قبل السلطة المحلية بالمحافظة، على الرغم من وجود الكادر المؤهل، وتنقصه الأجهزة الحديثة، والإمكانات، خصوصاً في قسم العيون، وعمليات العظام الكبرى، كما أن مساحة المشفى أصبحت ضيقة، وطاله القصف أثناء الحرب الأخيرة في المدينة بين عناصر تنظيم القاعدة وقوات الجيش اليمني المسنودة بسلاح الجو. تعرض قسم الأمومة والطفولة في مايو 2014م لضربة من طائرة حربية تابعة للجيش اليمني حولته إلى ركام وبقايا أطلال بسبب عبثية الحرب التي لا ترحم حتى أماكن الرحمة وملائكتها. وقال مصدر طبي بمستشفى عزان، إن الدعم المقدم للصرح الطبي يأتي عن طريق الجمعيات الخيرية وأهل الخير، مستبعداً الدعم الحكومي في واحدة من أحلك الظروف التي يعيشها القطاع الصحي في اليمن إجمالاً، وهي معضلة كبرى، وعن التخصصات غير الموجودة في المستشفى أجاب: المشفى يحتاج إلى اختصاصي أنف والأذن والحنجرة، اختصاصي المسالك البولية، اختصاصي الأطفال، اختصاصي الأمراض الجلدية وغرفة العناية المركزة. في جانب خدمي مهم لا يقل أهمية عن القطاع الصحي في عزان يتجلى هم الكهرباء، وفي هذا الإطار يقول الناشط محمد باكركر، إن الأنظمة السابقة التي تعاقبت على حكم المدينة دأبت على التدمير الممنهج لمولدات كهرباء المدينة، وتم ربطها بعاصمة المحافظة «عتق» التي يصل منها التيار الكهربائي بمعدل ساعتين في الـ 24 ساعة، ويضيف لذا اتجهت الأنظار نحو ربط المدينة بكهرباء شركة الغاز المسال بالحاف، وللأسف إلى اليوم لم ير ذلك المشروع النور، قالها بكل أسى. من جانب آخر يشكو معظم أهالي مدينة عزان من الدمار الذي طال منازلهم أثناء الحملة العسكرية التي قادتها الحكومة لتطهيرها من مسلحي تنظيم القاعدة، ولا يخلو منزل على الشارع العام إلا وطاله القصف في الأعوام 2012 و2013م، ولا يزال المتضررون بانتظار إعادة إعمار منازلهم. يقول المواطن محمد باعوضة إن المواطنين انتظروا مجيء الحكومة لتعويضهم ما فقدوه بآلة الحرب بين الجيش والقاعدة التي ذهب ضحيتها المواطن المسكين، وإلى اللحظة لم يحصل المواطنون على معونات أو وعود بتعويضهم، وإعادة إعمار ما خربته الحرب. يضيف أحمد لكرش جملة من المعاناة الأخرى الواضحة على ملامح عزان: «على الرغم من أن مدينة عزان تعتبر ثاني مركز تجاري في شبوة، إلا أن شوارعها من دون أسفلت، ويحلم المواطنون برصف شوارع المدينة كافة بما فيها الشوارع الداخلية». وفي سياق متصل بالخدمات هناك أيضاً مياه المدينة التي تحظى بإدارة جيدة بحسب بعض الأهالي، وما يثير الحسرة هو تلكؤ المشتركين عن الإسراع في تسديد ما عليهم من مديونية، خاصةً والمشروع قد تحمل مديونية الطاقة الشمسية لمواجهة الصيف الساخن والتي وصلت إلى 45 ألف دولار تم شراءها للمشروع من إحدى وكالة الطاقة الشمسية بحضرموت. مشروع مياه مدينة عزان وضواحيها من أقدم وأكبر المشاريع في مديرية ميفعة ويستفيد منه قرابة خمسة عشر ألف نسمة، وفي السنوات الأخيرة تدنت خدماته إلى أدنى مستوى لها لعدة أسباب أهمها: ارتفاع أسعار مادة الديزل وقطع الغيار، وعزوف بعض المستفيدين عن سداد قيمة فاتورة الاستهلاك الشهري، لذلك أقرت الإدارة تأهيل المشروع بمنظومة الطاقة الشمسية، حيث أبرمت بمنتصف شهر مايو 2017م عقداً مع مؤسسة البادية للطاقة الشمسية لشراء ألواح وعاكس بقوة 37 كيلو وات ومستلزمات تركيبها حسب الدراسة المعدة من المهندس المشرف لتشغيل الغطاس بالطاقة الشمسية بدلاً عن محركات الديزل، حيث بلغت التكلفة الإجمالية للشراء والتركيب مبلغ وقدره خمسة وأربعين ألف دولار أميركي نصت بنود العقد على دفع خمسين في المئة من قيمة المشتريات مقدماً، وتكفّل فاعل خير بتقديمه عهدة على ذمة المشروع ويقسط باقي المبلغ على مدى عام من تاريخ توقيع العقد، وأهاب مدير المشروع بكافة المستفيدين باستشعار الجهد المبذول من أجلهم وحثهم على التعاون مع إدارة المشروع من خلال تسديد قيمة فاتورة الاستهلاك الشهري بانتظام وسرعة تسديد ما عليهم من متخلفات، ليتمكن المشروع من الوفاء بالتزاماته تجاه الجميع، وطالب مدير المشروع السلطة المحلية في المحافظة بدعم المشروع حسب وعودهم السابقة، كما أفاد بذلك. من المناظر المألوفة في عزان تجد المخلفات وأكوام القمامة مكدسة في شوارع المدينة، وهي الهاجس والشاغل الأهم لسكانها، ويعطي المدينة منظرا غير لائق يفقدها البسمة، إضافة لما تحمله تلك الأكوام من روائح كريهة، وتكون أحد أسباب نقل الأمراض المعدية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©