الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أنغبورغ باخمان.. لكل شخص يسقط جناحان

أنغبورغ باخمان.. لكل شخص يسقط جناحان
5 أغسطس 2016 22:14
ترجمة وإعداد - أحمد عثمان بعد صدور ترجمة أولى لمختارات من كتابات أنغبورغ باخمان، في العام 1989، لدى مطبوعات «آكت سود»، صدرت مؤخراً أنطولوجيا أخرى بعنوان «لكل شخص يسقط جناحان» عن مطبوعات غاليمار باللغتين الفرنسية والألمانية، وهذه المختارات ليس لها أي مثيل في فرنسا ولا حتى في الدول الناطقة بالألمانية، لأنها تمثل نتاجها الشعري في استمراريته من دون انقطاع، منذ قصائدها الأولى التي كتبتها وهي في سن السادسة عشرة أو الثمانية عشرة: «قصائد الشباب» (1942-1945)، «الزمن المؤجل» (1953)، «ابتهال الدبة الكبيرة» (1956)، إلى القصائد المكتوبة والمنشورة حتى العام 1972. أنغبورغ باخمان شاعرة، كاتبة، وأيضاً فيلسوفة، قريبة من أفكار هايدغر وفيتغنشتاين، ولذا كانت دوماً منفذاً إلى العالمية: «في أجمل الليالي المرصعة بالنجوم. الطلاوة المحيطة تتفتح. وعلى الجبل ذي الشكل المتغير. الهياج الناهض ينبجس». قلب مفتت يفضل أن يتيه دوماً بحثاً عن أصل الأحاجي والحب: «أظل متألقة قبالة الهوى، قبل أن أعرف معناها النهائي». بحث دائم عن طريقة جديدة للتفكير في الذات، للبحث عن لغة أخرى، عن حدود التزام جديد، عن الهوية: «ربما أعرف نفسي يوماً ما، حمامة، عجلة تدور... تنقصني كلمة ! كيف أسمى بلغة أخرى؟». هناك شيء مؤثر في كتابة أنغبورغ باخمان، في علاقتها بالآخر، وبالكتاب الآخرين أيضاً، أي أهميتنا، أهمية الآخر، التخلي عن «الأنا» كتفرد، ولكن ليس عن ضمير المتكلم «أنا»... وبالسماح بالانزلاق من عالم إلى آخر، ومن شخص إلى آخر، ومن الذات إلى الكلمات، يتبدى أن قصيدتها «اشرح لي، الحب» حوار شعري مبتكر: «أن تكون دوماً في الكلمات، شئنا أم أبينا، أن تكون دوماً حياً، محتفظاً بكثير من الكلمات للحياة، كأن الكلمات حية، كأن الحياة كلمات». زمن مؤجل، إذن، سيحل محل «عتمة ستحكى»، بين حبل الصمت وأغنية الحياة. تحول مقطعي في ظل النور، حيث الشمس، «تطهير» الانصهار، تعري قوة «النحن»، أي قوة باول سيلان وأنغبورغ باخمان، قوة الحب المرتبطة بالشعر. والشاعران يعرفان النتاج الشعري، كما حركتهما، لقائهما. ومع ذلك، ظل سيلان مرتبطاً بالعتمة، بينما لم تكف باخمان عن الكتابة ضد العتمات، والإشارة إلى الرغبة التي تقترب، الرغبة الحسية والروحية في آن معاً، إلا أنها رغبة غير كاملة: «ما الذي أبعد كل منا عن الآخر؟ إذا نظرت إلى نفسي في المرآة وتساءلت، أرى نفسي من قفاي، كتابة منعزلة، ولا أفهم نفسي»: «على ضفة النيل، على ضفة النيل، حيث تتدلى النجوم حتى فمك وقلبك البارد مبلل مرة أخرى، في ليل مصر، حيث لا تفعل شيئاً، ولكن قريباً ستمنح أبا الهول إجابتك. في الليل الأزرق، حينما لسان الصحراء في الفم المفتوح دوماً يبحث عن البلل حينما يضنيك هذا، تعبه قريب من إجابتي حياة حياتي فم متوحش يخرج منك النفس ولا يترك الذكرى أبداً، دعني أكون في أعماق نفسي، دعني أكون في أعماقك» (أحجية) من هذه «الأنا»، لا يتبقى في آخر الأمر غير صيحة مطلسمة، في صمت العالم المثير للقلق، وهو يربط الأحياء، بلا حداد، بفضاء فرجة تسمح بمرور روحها إلى الما وراء. وبذلك أدركت فضاء «الكشف/‏الرؤيا»: «لا يمتلك الخروج الموت، وإنما النهار في القلب». تلك آخر حركة تمرد للمرأة في استخدامها لضمير المتكلم «أنا» كما بدأتها مع ديوانها الأول: «لهذا لست دوماً إلا فرداً. أنا دوماً أنا. إذا ارتفعت، ارتفعت عالياً. وإذا وقعت، أقع كلياً». طرق الموت ولدت انغبورغ باخمان في يناير 1926 في كلاغنفورت (النمسا) وفي عام 1952، التقت وحلقة أدبية طلائعية في ميونخ، «جماعة 1947»، التي ضمت بين أعضائها ماكس فريش، هاينريش بول، أوفه جونسون وغونتر غراس. في الثالثة والثلاثين من عمرها في عام 1959 أصبحت أول بروفيسور زائر لكرسي الشعرية في جامعة فرانكفورت. ارتبطت بعلاقات عاطفية وكذلك بصداقة مع العديد من أعضاء هذه الجماعة، بيد أن علاقتها مع الشاعر باول سيلان وسمت بقوة نتاجها، وأيضاً نتاجه بالتأكيد. بين 1952 و1957، استقرت في روما ونابولي للعمل مع الملحن هانز فرنر هنتس على نصوص أوبرالية. منذ ذاك، كرست كل وقتها للأدب، كتبت كثيراً من القصائد، نصوصاً إذاعية، وأكثر من باليه. ثم بدأت تسافر إلى العديد من الدول: باريس، لندن، ميونيخ، الولايات المتحدة، مصر والسودان. شاركت في العديد من التظاهرات المناوئة لحرب فيتنام، ثم رجعت إلى روما لكي تستقر فيها. متأثرة بجراحها وحروقها مع احتراق شقتها، توفيت في 17 أكتوبر 1973، قبل أن تتم روايتها «طرق الموت».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©