الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الرخاء وعدم اليقين الاقتصادي عدوان تاريخيان يعملان بآليات مختلفة

الرخاء وعدم اليقين الاقتصادي عدوان تاريخيان يعملان بآليات مختلفة
11 مايو 2018 20:14
عدم اليقين الاقتصادي والرخاء عدوان تاريخيان، فعندما تسود حالة عدم اليقين، يتلاشى الرخاء، وذلك لأن عدم اليقين يضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين، ويخنق الاستثمارات الخاصة، ويقلص إنفاق المستهلكين. ووصف الكساد الذي أعقب انهيار عام 1929، والأزمة المالية عام 2008، بـ «الكبير»، ليس فقط لحجم الانكماش الاقتصادي، ولكن لأن عدم اليقين الاقتصادي الذي أعقب الكساد، أنتج أضعف حالات الانتعاش في القرن الماضي. واليوم، زادت السياسات التجارية لإدارة ترامب عدم اليقين الاقتصادي إلى مستوى يهدد بإعادة الركود لسنوات أوباما. بعد 8 سنوات ركود، عقب انكماش عام 1929، حدد الصانع الأميركي الكبير لاموت دو بونت الثاني السبب في أن «عدم اليقين يحكم الوضع الضريبي، وضع العمل، والوضع النقدي، إلى جانب كل الشروط القانونية تقريباً التي يجب على الصناعة أن تعمل فيها». وقد أكد هذا دراسة نشرت عام 2016 في المجلة الفصلية للاقتصاد، التي وجدت أن عدم اليقين الاقتصادي بلغ ذروته في ثلاثينيات القرن العشرين، مع سيطرة الحكومة المتزايدة على الاقتصاد في محاولة للسيطرة على الأسعار والأجور، فتأخر الانتعاش الأميركي خلف كل الدول المتقدمة باستثناء فرنسا. وفي كتابها السنوي لعام 1938، أشارت عصبة الأمم أيضا إلى أن عدم اليقين السياسي كان سبباً للركود في الولايات المتحدة، لأنه أنتج «عدم رغبة من الشركات الخاصة في بدأ مشروعات أخرى ربما تكون قد ساعدت في الحفاظ على الاقتصاد». وبلغ عدم اليقين الاقتصادي ثاني أعلى مستوى له منذ 1900، خلال أزمة الرهن العقاري عام 2008، وما أعقبها من تعافٍ فاشل. فعندما انتهى الركود منتصف 2009، تنبأت إدارة أوباما بسنوات من نمو حقيقي بمتوسط 3.9%، وهو توقع معقول، لأن التعافي القوي يتبع كل ركود كبير سابق عليه. لكن مع قيام أوباما بتوسيع سيطرة الحكومة على الاقتصاد الأميركي بقوانين، مثل «دود فرانك»، والرعاية الميسرة، واللوائح، والأوامر التنفيذية، وتوجيهات الوكالات الحكومية، انتشرت موجة من البيروقراطية بقطاعات الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والطاقة والتصنيع، وحتى خدمات الإنترنت. ومع استبدال حكم القانون بقرارات تنظيمية، فقدت قطاعات واسعة من الاقتصاد بيئة أعمال يمكن التنبؤ بها، وارتفعت درجة عدم اليقين الاقتصادي. وتراجع الاستثمار الثابت الخاص إلى ما يزيد قليلاً عن ثلث معياره التاريخي في فترة ما بعد الحرب. ومع جفاف الاستثمار، تراجعت الإنتاجية ونمو الأجور. وأبقى عدم اليقين الاقتصاد في حالة ذهول، حيث كان متوسط النمو الاقتصادي خلال الانتعاش يصل إلى مجرد 2.1%، ما يمثل نصف المستوى المتوقع في بداية الانتعاش. وفي أكثر الجهود تراجيدية، ألغت إدارة ترامب والكونجرس، أو عدلت، أو أوقفت، أكثر من 1000 تشريع، ما قلل كثيراً حالة عدم اليقين السياسي. وسرعان ما انتعش الاقتصاد بمعدّل نمو حقيقي، بلغ 3.1% في الأرباع الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب، أي أعلى بنسبة 50% تقريبًا من المتوسط في عهد أوباما. وعزّز الكونجرس والرئيس الانتعاش بتفعيل الإصلاح الضريبي الذي حفّز استثمارات إضافية في الأعمال. لكن اليوم بدأت السياسة التجارية للإدارة الأميركية في خلق مستوى من عدم اليقين، يمكن أن يعرض الانتعاش للخطر. ويرفض البيت الأبيض المخاوف بشأن إجراءاته التجارية، مدعياً أن الرسوم الجمركية الإجمالية صغيرة جداً، بحيث لا تسبب كثيراً من الضرر. لكن في الواقع، من المستحيل تقريباً حساب التأثيرات الأولية لسياسات ترامب التجارية على الاقتصاد، والآثار اللاحقة التي ستأتي من تصاعد الانتقام غير معروفة. كما تخلق تهديدات ترامب بإنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية حالة من عدم اليقين الشديد، بتعريض سلسلة التصدير في أميركا الشمالية للخطر. ولأن لا أحد يعرف أي الصادرات الأميركية قد يتعرض للعقاب، فإن التأثيرات الخانقة لعدم اليقين تتخلل قطاعاً عريضاً من الاقتصاد. وبالنسبة للسلع التي استُهدفت بالفعل للانتقام، فقد بدأت آثار عدم اليقين تظهر. لقد أدرك الرئيس ترامب أن سياسته التجارية تخلق حالة من عدم اليقين الموهن في الخارج، عندما زعم أنه «لن يقوم أحد الآن ببناء مصانع بمليارات الدولارات في المكسيك»، لكنه لم ير أن المنطق نفسه ينطبق على الاستثمارات ذات الصلة باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية في الولايات المتحدة. وعدم اليقين بشأن سياسة التجارة يقلل قيمة المنشآت والمعدات ذات الصلة بالتجارة في كل دول اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية الثلاث. وبما أن المستثمرين الأميركيين يمتلكون أكثر من 90 مليار دولار من الاستثمارات في المكسيك، وأكثر من 350 مليار دولار من الاستثمارات في كندا، فإن تدمير اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية سيعيث فساداً في صناديق التقاعد الأميركية، وغيرها من الاستثمارات في الأسهم، من خلال تدمير قيم رأس المال في الولايات المتحدة، وعبر أميركا الشمالية. وأشار استطلاع رأي المستهلكين الصادر عن جامعة ميتشيجان، في أبريل الماضي، إلى أن المشاركين في الاستطلاع، الذين ذكروا التخفيضات الضريبية، أعربوا عن ثقة عالية في الاقتصاد، فيما أعرب من ذكروا التعريفات الجمركية عن ثقة منخفضة. وسجل معهد إدارة التوريد أكبر انخفاض في مؤشر التصنيع منذ 2015، حيث ذكر أكثر من ثلث المشاركين في الاستطلاع أن التعريفات الجمركية هي مصدر قلقهم. وقد وجد الاقتصاديون سكوت بيكر ونيكولاس بلوم وستيفن ديفيس، المشرفون على الاستطلاع الذي يهدف إلى قياس عدم اليقين وقت الكساد، أن عدم اليقين الاقتصادي المرتبط بالتجارة في مارس الماضي كان أكبر بخمس مرات من متوسط ما قبل الانتخابات لعام 2016. قد تكون التعريفات التي اقترحها البيت الأبيض هي سياسة الرئيس ترامب الحقيقية أو أوراق المساومة في استراتيجيته التفاوضية. في كلتا الحالين، يجب أن ينتهي الوضع القائم حالياً، وأن تظهر السياسات الحقيقية للإدارة الأميركية. فقد بدأ عدم اليقين الناتج عن التهديدات التجارية للإدارة يؤثر على الانتعاش. وإذا كانت السياسة النهائية قد تقلل الحواجز التجارية وإعانات التصدير، فسوف تستفيد أميركا والعالم. وإذا خفّضت السياسة التجارة، فستخسر أميركا والعالم، لكن على الأقل سيتكشف مشهد جديد، سيتم تقليل عدم اليقين، وسيصبح الاقتصاد قادراً على إيجاد طريقه إلى الأمام. * الكاتب: فيل جرام ومايك سولون
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©