الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جورجيا وكوسوفو··· مقارنة خاطئة

جورجيا وكوسوفو··· مقارنة خاطئة
29 أغسطس 2008 23:21
في أعقاب اعتراف روسيا بجمهوريتين انفصاليتين جورجيتين يوم الثلاثاء الماضي، تتحرك موسكو اليوم بسرعة على جبهة أخرى تتعلق بتحديد وتقديم حجتها القانونية للعالم، وإحدى المناطق الرئيسية في هذه المعركة هي كوسوفو، الإقليم الصربي الذي أعلن الاستقلال في فبراير الماضي، وهو أمر طالما حذرت موسكو من أنه ''شرعنة'' لانفصال مناطق مثل أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا· بعد ساعات على اعتراف روسيا باستقلال هاتين الجمهوريتين، انخرط وزير الخارجية سيرجي لافروف في هجوم مضاد، حيث وصف أي مقارنة بين كوسوفو وجورجيا بأنها ''في غير محلها''، مقدماً تفسيراً للأحداث يجعل من الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي مجرم حرب أسوأ من الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش· اليوم بدأ عدد من وسائل الإعلام الدولية في شرح كيف أن كوسوفو أفضت بالدبابات الروسية إلى جورجيا· فهذا الأسبوع اعترفت روسيا بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، في حين استغرق الأمر تسع سنوات من المفاوضات وبحث البنود التي تضمن حماية حقوق الأقليات وبناء الدولة قبل أن يحدث شيء مماثل في كوسوفو لأسباب من بينها حذر الغرب على خلفية التحذيرات الروسية بشأن ''سابقة في كوسوفو''· وفي أفق اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في طاجكستان -حيث تأمل روسيا أن تحصل على دعم الصين لتصرفها في جورجيا- تحاول موسكو تقديم تدخلها في جورجيا على أنه معتدل وإنساني، وتدخل الغرب في كوسوفو على أنه وحشي و''غير إنساني''· وفي هذا الإطار قال ''لافروف'': ''إن عقد المقارنات (بين كوسوفو وجورجيا) أمر في غير محله''، مضيفاً أن ''الفرق واضح بين سياسة بلجراد تجاه كوسوفو، وكيفية تصرف نظام ساكاشفيلي تجاه أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا''· وقال أيضاً: ''لِمَ تم وقف النزاعين بطريقتين مختلفتين- عبر القصف الوحشي وغير الإنساني لبلجراد في حالة كوسوفو، ودون معاقبة تبليسي عن هجومها على سوكومي (عاصمة أبخازيا)''؟، مضيفاً أن روسيا لن تعترف بكوسوفو· وفي حوارات أجرتها الصحافة الروسية، مع ''سيرجي رومانينكو''، الباحث في الأكاديمية الروسية للعلوم قال: إن هذا التباين يمثل مشكلة بالنسبة لروسيا على اعتبار أن ''لا'' لاستقلال كوسوفو و''نعم'' لاستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (موقف) لا يبعث على الثقة'' من القوى الأخرى· والواقع أن النزاع هادئ ومرير في الوقت نفسه، إذ لطالما دافعت موسكو بقوة عن وحدة أراضي صربيا وسيادتها من الناحية القانونية، لكن الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين يقولون إن كوسوفو حالة خاصة، و''تسوية'' تم التوصل إليها بعد عملية طويلة عرفت بعض التردد أحياناً وتميزت بظروف استراتيجية وأخلاقية معينة- أفضت إلى مبدأ جديد هو ''التدخل الإنساني''· وفي هذا الإطار يجادل ''جيمس هوبر''، وهو دبلوماسي أميركي سابق عمل مع الجنرال ''ويسلي كلارك'' في كوسوفو قائلا: ''في كوسوفو، قرر الغرب وضع قواعد تحدد معنى التدخل الإنساني، وقال إن لديه القوة للقيام بذلك، وقرر ألا تثبط تحركَه الحججُ القانونية التي كان يُدفع بها أثناء الإبادة الجماعية''· ثم إن ما حدث في كوسوفو كان جزءاً من برنامج خطط له سلوبودان ميلوسوفيتش، يقضي بضم مناطق يوغسلافيا السابقة، حيث تعيش الأقليات الصربية إلى ''صربيا الكبرى''، وهو أمر كان يقتضي قتل أو إزالة السكان غير الصرب من منازلهم ومدنهم، وهو ما حدث على مدى خمس سنوات· وحين حوَّل الديكتاتور الصربي المنتخب عملياته وقواته شبه العسكرية إلى كوسوفو، قرر ''الناتو'' التحرك بعد أشهر من المفاوضات مع بلجراد· وبالتالي، فإن الحجج القانونية الروسية حول كوسوفو تتغاضى عن مسألة الإبادة الجماعية· ويذكر هنا أن روسيا وقفت إلى صف ميلوسوفيتش طيلة حملة البلقان، على غرار الصين، التي انتقدت روسيا في المجالس الخاصة لاستعمالها الإبادة الجماعية كسبب في جورجيا، والحال أن منظمة ''هيومان رايتس ووتش'' لم تجد دليلاً على ما ادعته موسكو في البداية من أن 2000 قتيل سقطوا في أوسيتيا الجنوبية كذريعة للدخول· رأي معظم الدبلوماسيين الغربيين حول أزمة كوسوفو يعكسه رأي ''مارشال هاريس''، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي يقول إن موسكو، باعترافها بأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ''تتصرف بخبث وتهور في خرق للقانون الدولي··· لقد كانت الوحيدة من بين القوى الرئيسية في معارضة استقلال كوسوفو· واليوم أيضاً، وباستثناء بعض الأنظمة التي من طينتها أو التي تدور في فلكها، ستكون وحيدة في محاولة تفكيك جورجيا - البلد الديمقراطي ذو السيادة الذي يمكن ويجب الوثوق في معاملته المناسبة والسليمة للمنحدرين من أصول روسية وأقليات أخرى من السكان''· ومن جانبه، يرى عدد من المحللين الروس الذين تم أخذ آرائهم أن روسيا استغلت سابقة كوسوفو من أجل التحرك في جورجيا، ولكنها باتت تدرك اليوم أن تلك الحجة في غير مصلحتها· وفي هذا السياق يقول ''سيرجي سوروكين''، الخبير في الشؤون الخارجية بصحيفة ''كوميرسنت'' الليبرالية الصادرة في موسكو: ''هذا ليس ما كانت ستفضل السلطات الروسية القيام به؛ لأنها بذلك تتبنى مبدأ الانفصال على أساس عرقي، والذي كانت تندد به بقوة في الماضي، والذي لا يصب في مصلحة روسيا على المدى البعيد· إنه موقف ينم عن قصر نظر لأن من شأن ذلك أن يضاعف من حالات مماثلة لسابقة كوسوفو، وهو ما سيؤدي لا محالة إلى تقوية أحلام الأقليات الساعية إلى الاستقلال في كل مكان، بما في ذلك روسيا نفسها''· أما بالنسبة لـ''هوبر''، فإن أوجه الاختلاف معقدة وبسيطة في الوقت نفسه إذ يقول: ''ما حدث في جورجيا لم يكن تدخلاً إنسانياً··· ولكن ما حدث في كوسوفو كان كذلك!''· روبرت ماركاند - باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©