السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«وجدة».. الأحلام المخنوقة تذهب إلى أبعد من التمنيات

«وجدة».. الأحلام المخنوقة تذهب إلى أبعد من التمنيات
12 ابريل 2013 23:48
(دبي) ـ استنطق فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور والذي عرض في ليلة افتتاح الدورة السادسة من مهرجان الخليج السينمائي المقام حاليا بدبي، ما كان يختزنه السينمائيون في المنطقة من بهجة غامضة كانت تسكنهم منذ سنوات، والتي كانت تتراوح بين الانطفاء والتوهج، وبين الخمود والاشتعال. بعث فيلم «وجدة» بعد انتهاء عرضه حالة من التفاؤل الداخلي والانتشاء الذي بدا زاهيا على ملامح الحضور، وجلّهم من المشتغلين بالشأن السينمائي في دول الخليج، وكأنه بذلك ترجم رغبتهم المشتركة في أن تكون للسينما في هذا المكان الملتبس ذاتيا، كما في وعي الآخر، حيز مبشّر وفسحة متجددة واشتغال حقيقي على إنتاج هذا النوع من الفنون البصرية المعاصرة، الذي طال أمد استهلاك الجانب الأكثر ضحالة فيها، والأكثر ميلا للبلادة والتكرار والخضوع لما هو شائع وترفيهي وتجاري. ذلك أن إنتاج فيلم روائي طويل وبمقاييس فنية عالية في منطقة محاصرة بخصوصيتها ومرتهنة لتقاليد ثقيلة متراكمة، هو أمر يستوجب الالتفات والاحتفاء أيضا، ليس لأن الفيلم في حد ذاته قام باختراق تابوهات اجتماعية صلدة محيطة به، ولكن ـ وهو الأمر المهم هنا ـ لتوفره أيضا على بنية احترافية وتماسك إيقاعي على مستوى السرد المتصاعد، والتنفيذ المتقن لمسارات هذا السرد، وتوظيف الفيلم المتوازن والسلس لثلاثية النص والأداء والإخراج. ويبدو أن المخرجة هيفاء المنصور انتبهت جيدا للإشكاليات التي عانت منها سابقا الأفلام الخليجية الطويلة، والتي لم تنجح في الحفاظ على الإيقاعين الظاهري والضمني للفيلم الطويل، كما أنها شيّدت مفاصل فيلمها على أرضية روائية جاذبة، وعلى سيناريو محكم اقتضى منها العمل على مدار ثلاث سنوات كي يصل هذا السيناريو إلى صيغته النهائية والملبية للقضية الأساسية التي يتناولها الفيلم، وهي القضية التي كانت حاضرة في الفيلم الوثائقي الذي قدمته المنصور قبل عدة سنوات وحمل عنوان: «نساء بلا ظلال»، وتناولت من خلاله سلسلة من العوائق النفسية والسوسيولوجية المحيطة بالمرأة السعودية، وسط حالة مربكة من سوء الفهم والأحكام المسبقة التي لا تستند سوى للشكوك والإقصاء والظنون المفرطة في ارتيابها. حلم الدراجة في فيلم «وجدة» الذي صورت كامل مشاهده بمدينة الرياض، تستعيد المنصور هواجس هذا النبذ المتوارث أو هذا الارتياب الاجتماعي من خلال قصة الفتاة وجدة ـ تقوم بدورها الطفلة وعد محمد ـ التي تحلم بامتلاك دراجة هوائية خضراء تراها في أحد محلات بيع الألعاب، من أجل أن تسابق صديقها في الحي ـ الطفل عبدالرحمن الجهني ـ وأن تتفوق عليه، ومن خلال هذا الحلم الممتزج ببراءة الطفولة وانطلاقتها، تتشابك مصائر شخوص عديدين محيطين بوجدة، ويعانون مثلها من صعوبة تحقيق أحلامهم وسط إملاءات خارجية ضاغطة، كي تترمد شعلة هذه الأحلام في دواخلهم، دون قدرة حتى على البوح بها للآخرين، غير أن إصرار وجدة على المضي في هذه المغامرة الخطرة حتى منتهاها سوف تترتب عليه خسارات مؤقتة، وأوجاع ذاتية، تكون أحيانا أكبر من فهمها لعالم الكبار وللمحيط الخارجي المكدس بنمطه المحافظ، والمليء أيضا بالتناقضات السلوكية المتخفية وراء هذا النمط السميك. تسعى وجدة من خلال شخصيتها القوية والعنيدة إلى كسر هذا الطوق المستحيل وتجاوزه، فتشترك في مسابقة تحفيظ القرآن لكي تنال جائزة المسابقة وتشتري الدراجة، ورغم فوزها بالجائزة إلا أن الوصاية الأخلاقية التي تمارسها مديرة المدرسة ـ الممثلة عهد كامل ـ على طلبتها، تجبر وجدة على التبرع بجائزتها لأن ممارسة الفتاة لركوب الدراجة الهوائية يعتبر انتهاكا لأنوثتها وخرقا للعادات والتقاليد التي ترفض هذا النوع من الهوايات. تتلاحق الانكسارات في دواخل وجدة، عندما يقرر والدها الزواج من امرأة أخرى، لأن والدة وجدة ـ الممثلة ريم عبدالله ـ أصيبت بمشكلة صحية منعتها من الإنجاب مجددا بعد ولادتها لوجدة، ولأن شجرة العائلة يجب أن تكتمل بولادة طفل ذكر، ولأن الضغوط العائلية على الزوج لا تعترف بمثاليات الحب والإخلاص، فإن الزوجة الثانية ستكون هي الحل الوحيد للخروج من هذه المعضلة الاجتماعية. ويلخص المشهد الختامي للفيلم وفي لقطة واحدة مكثفة عندما نرى وجدة وهي تنطلق بدراجتها الخضراء نحو مفترق الشارع الكبير، وتقف حائرة، أمام حلم آخر أكبر عليها أن تحققه في المستقبل، وهو ما أراد أن يؤكد عليه التطواف البصري طوال زمن العمل الذي امتد لساعة ونصف، وهو أن الأحلام المخنوقة تستطيع أن تتنفس أيضا، وأن تذهب إلى ما هو أبعد من مجرد التمني، إذا استطاع الحالمون أن يروضوا قلقهم ومخاوفهم، وأن يكسروا قشرة الخنوع ويخرجوا إلى الحياة بنظرة متعافية ومتصالحة مع الذات ومع الآخر أيضا. الفكرة والتنفيذ وبعد انتهاء عرض الفيلم التقت «الاتحاد» المخرجة هيفاء المنصور، وسألتها عن انطباعها من ردة الفعل الإيجابية للحضور، وعن أهمية عرض فيلمها في ليلة افتتاح هذا الحدث السينمائي المهم في المنطقة، فأشارت المنصور إلى أنها تشعر بالرضا لأنها عرضت فيلمها في ليلة الافتتاح، «كنوع من رد الجميل للمهرجان الذي تبنى الفيلم في العام 2008 عندما كان مجرد فكرة على ورق، والذي تحول إلى فيلم خالص ومتكامل بعد أن ساعدها القائمون على المهرجان والذين وقفوا مع مشروعها منذ البداية، وساندوها كي يصل سيناريو الفيلم إلى مؤسسة (تورينو فيلم لاب) في إيطاليا من أجل تطوير السيناريو، وانتقاله بعد ذلك لمراحل متقدمة فيما يتعلق بالأمور الفنية والتقنية والإنتاجية والتسويقية». وأوضحت المنصور أن أهمية عرض فيلمها في هذا الحدث يكمن في رغبة المهرجان نفسه بتأصيل الهوية الخليجية وتعزيز الرؤية السينمائية والترويج لها وتشجيع صناعها من الشباب الخليجيين المبدعين والطموحين. المصاعب الإنتاجية عن تأثير نجاح فيلمها على السينمائيين في المنطقة خصوصا مع وجود كم كبير من العوائق الإنتاجية وهيمنة النظرة التجارية الترفيهية على ملّاك الصالات السينمائية، أكدت المنصور أن الوقت قد حان كي يدخل السينمائيون الخليجيون في تجربة الإنتاج المشترك، الذي يمكن له أن يذلل الكثير من المصاعب الإنتاجية وأن يوصل صوت وهواجس ورؤى السينمائيين إلى مناطق مختلفة في العالم، ما يؤدي ـ كما قالت ـ إلى تقديم صورة حقيقية عن واقع الحياة وطبيعة المجتمعات الخليجية التي أسيئ فهمها كثيرا وطويلا من خلال الصورة الإعلامية النمطية التي تسلط الضوء على ما هو ظاهر ولا ترى ما هو مختبئ ومتوارى تحت السطح من قصص وحكايات إنسانية مؤثرة ومغيبة عن هذه النظرة الأحادية والمغلوطة لدى الآخر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©