الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستثمار المصري لقضية تمويل المنظمات المدنية

12 ابريل 2012
الأزمة الحادة التي ضربت العلاقات المصرية - الأميركية، تتلاشى، بفعل وتأثير "القرار القضائي" الذي رفع الحظر عن سفر الأميركيين الـ 19 المتهمين في القضية المعروفة بـ"التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني"، مقابل ضمان مالي قدره مليوني جنيه مصري (حوالي 330 ألف دولار أميركي لكل متهم منهم . ومع أن هذا القرار أدى لنزع فتيل الأزمة، إلا أنه وبنفس القدر خَلَفَ وراءه مزيداً من الإرباك للحالة السياسية المصرية، إذ ورغم صدوره عن محكمة قضائية، فقد ذهبت الظنون إلى أنه "قرار سياسي" ناجم عن ضغوط السلطة التنفيذية، وتحديداً "المجلس العسكري الحاكم"، بما يعنى النيل من "استقلال القضاء"، أو هكذا جرى تصوير الأمر وتسويقه إعلامياً، مع اللعب على وتر إهدار الكرامة الوطنية وخضوع "العسكري" للإملاءات الأميركية. وساهم في تأكيد هذه الشكوك أن رئيس محكمة الجنايات الموكول إليها محاكمة المتهمين جنائياً، كان قد تنحى بعد يومين من جلسة المحاكمة الأولى المنعقدة يوم (26) من شهر فبراير الماضي، بغياب جميع المتهمين الأجانب، وحضور 14 متهماً مصرياً فقط، من أصل 43 متهماً، بينهم 26 أجنبياً، بينما كان الشعور السائد لدى غالبية المصريين، هو الفخر والزهو، وهم يتابعون عمليات التفتيش القضائية التي تمت يوم 29 ديسمبر الماضي، دهماً لمقرات 17 منظمة حقوقية مصرية وأجنبية، من بينها مكاتب للمعهدين "الجمهوري" و"الديمقراطي" الأميركيين تم إغلاقها، وإخضاع العشرات من المصريين والأجانب العاملين بهذه المنظمات للاستجواب القضائي. وانتهى الأمر إلى إحالة الـ (43 متهماً لمحكمة الجنايات، على خلفية اتهامهم بإدارة منظمات غير حكومية دون تراخيص قانونية، وتلقى أموالً من الخارج دون موافقة الحكومة المصرية، وممارسة "نشاطات سياسية" محظورة على مثل هذه المنظمات، وقاصرة على الأحزاب السياسية المصرية فقط. بعيداً عن الانفعالات الغاضبة، وبحسبان أن السياسة تحكمها المصالح وليس العواطف، يمكننا تقييم الأزمة وتوابعها من منظور قانوني وسياسي على النحو التالي: التُهم المنسوبة إلى المتهمين، وطبقاً لقانون الجمعيات الأهلية، هي مجرد جنح مُعاقب عليها بالغرامة المالية، بمعنى أن العقوبة يمكن أن تكون من 300 وحتى عشرة آلاف جنيه. هناك صفقة جرت بين الجانبين المصري والأميركي، لم يُكشف عن تفاصيلها بعد، وبناءً عليها جرى إيجاد مخرج قانوني آمن، وسليم للأميركيين الممنوعين من السفر، بأن قدم دفاعهم تظلماً للدائرة المختصة بمحكمة الاستئناف من قرار "المنع"، الذي كان قد صدر عن قضاة التحقيق، ومن ثم صدر الحُكم بقبول التظلمات، مع ملاحظة أن قضاة التحقيق كانوا قد أخلوا سبيل جميع المتهمين المصريين، بضمان محل الإقامة، وبلا أي ضمان مالي، ودون منعهم من السفر، وإنما المنع كان من نصيب "الأجانب" فقط ، رغم أن القانون يساويهم بالمصريين. كان بإمكان مصر أن تقوم بترحيل الأجانب حال ظهور دلائل تورطهم فيما هو منسوب إليهم، غير أنه تم منعهم من السفر، لاستخدامهم كورقة تفاوضية لتسوية المسائل العالقة بين مصر وأميركا، وربما يأتي قرار إحالة المتهمين لمحكمة الجنايات بدلاً من الجنح في نفس الإطار، كما أن من حق الدولة أن تتنازل عن الدعوى ضد المتهمين وتوقف سير المحاكمة (مادة 76 من قانون العقوبات المصري)، ولا يُعد هذا تدخلاً في القضاء أو انتقاصاً من استقلاله، وإنما هو إعلاء لمصلحة وطنية أهم من إنزال العقوبة على المتهمين. واقع الحال أن تفجير قضية التمويل، وتوقيف الأميركيين، وتوافد المسؤولين والمشرعين الأميركيين على مصر في جولات مكوكية، للتفاوض بشأن المتهمين من رعاياهم ، هي كلها أمور جديدة على صانع القرار الأميركي، الذي كان ينهي مثل هذه المشكلة في الحال، بمجرد مكالمة هاتفية، بما يؤكد أن مصر الجديدة، تعيد ترتيب أوراقها، وبناء قواعد اللعب من جديد وبعبارة أخرى، فإنها تحاول استعادة نصف أو بعض الأوراق، لتعود بيد مصر، كي تتعدل قواعد اللعب، ويحدث التوازن في العلاقات بين البلدين، فلم يعد ممكناً، بعد الثورة أن تستمر كل أوراق اللعب بيد أميركا. هذه الأزمة جردت الولايات المتحدة من ورقة المعونة، وأحرقتها، ففي بداية اشتعال الأزمة، وكما اعتاد الأميركيون، راحوا يلوحون بهذه الورقة، فكان الرد تذكيراً من مصر بأن قطع المعونات يبطل اتفاقية كامب ديفيد، وتلويحاً بأن هذا يدفع القوات المسلحة المصرية إلى تركيز تسليحها بعيداً عن الولايات المتحدة، وتحديداً اللجوء إلى روسيا والصين ودول أوروبية وآسيوية لجلب السلاح اللازم، وهو ما دفع رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال ديمبسى إلى أن يحذر الكونجرس الأميركي من مغبة تشريع قانون بقطع المعونة، ومؤكداً أن أميركا هي المستفيدة من علاقتها بمصر، بأكثر من تكلفة المعونة، بل إن السيناتور الأميركي اليميني المتشدد جون ماكين، لم يصدر عنه أي تصريح مسيء لمصر على عكس المعتاد منه. على أنه لا يفوتنا أن موقعة التمويل هذه منحت المجلس العسكري الفرصة لاستثمار التورط الأميركي في الشأن الداخلي المصري، من أجل تعديل شروط المعونة، وتخفيف الضغوط الأميركية عليه، وإلزام الولايات المتحدة بوقف الدعم والتمويل للأفراد والجماعات والائتلافات الشبابية، والمنظمات الحقوقية، والأنشطة المحظورة، وفى ذات الوقت تخفيف حدة الانقسامات الداخلية، وتعبئة الشعب المصري في مواجهة عدو خارجي. سعيد السني كاتب مصري ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©