الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية... هل تتسامح مع حرية الصحافة؟

16 ابريل 2011 21:02
الشهر الماضي، كانت إحدى أرفع جوائز الصحافة في أميركا اللاتينية من نصيب رجل إنجازُه الصحفي الوحيد المعروف يتمثل في خلاصة مفادها أن الرأسمالية ربما تكون دمرت الحياة على كوكب المريخ. أجل، لا أحد غير الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز حاز على جائزة رودولفو وولش، التي تمنحها جامعة دي لا بلاتا الوطنية في الأرجنتين وتسمى كذلك نسبة إلى أحد شهداء مهنة المتاعب الحقيقيين في القرن العشرين. إلا أنه كان من الصعب ألا يفكر المرء في أن التكريم كان بتوجيه من الرئيسة الأرجنتينية كريستينا فيرنانديز دي كيرشنر. رفات "وولش"، البطل والناشط "اليساري" الذي قتل من قبل النظام الديكتاتوري قبل 35 عاماً، لم يُعثر عليه أبداً؛ ولكن بصرف النظر عن المكان الذي دفن فيه، فإنه يستغرب على الأرجح فكرة فوز الرجل الذي يعتبره الكثيرون أخطر عدو اليوم لحرية الصحافة في كل أميركا اللاتينية بجائزة تحيي ذكراه. ففي 2009 كتبت صحيفة نيويورك تايمز تقول: "في فنزويلا، يُكثف شافيز وأنصاره الجهود لتقييد التغطيات الإخبارية من قبل وسائل الإعلام". فبعد أن ندد شافيز بـ"طغيان" الإذاعة، عمدت فنزويلا إلى إلغاء رخص 34 محطة إذاعية في البلاد. وعلاوة على ذلك، فإن القوانين التي مررت في العشرين من ديسمبر تمدد مراقبة الإنترنت، التي لا تستطيع اليوم، وعلى غرار وسائل الإعلام السمعية والمرئية، نشر رسائل "تثير البلبلة بين الجمهور أو تزعج النظام العام... أو تشجع على عصيان النظام القانوني الحالي" أو "ترفض الاعتراف بشرعية السلطة القائمة". ثم إنه في أغسطس الماضي، قام العشرات من أنصار شافيز المسلحين بالإغارة على مكاتب الشبكة التلفزيونية "جلوبوفيجن"، التي كانت تنتقد شافيز. ولكن ثمة أسباباً تفسر اصطفاف "فيرنانديز" إلى صف "شافيز" بخصوص موضوع حرية الصحافة. يتمثل أولها في حقيقة أنها تخوض حرباً ضد معظم وسائل الإعلام المحلية، بما في ذلك اثنتان من أكبر الصحف في أميركا اللاتينية: "كلارن" و"لا ناثيون". وكلتاهما تطاردان الحكومة بقصص معززة بالوثائق حول الفساد، حيث يتعلق بعضها بالزيادة الضخمة في الثروة التي اكتسبتها هي وزوجها الراحل نيستور كيرشنر، الرئيس الأرجنتيني السابق، بعد انتخابه في 2003؛ وأخرى حول الصفقات المشبوهة للاتحادات الوطنية القوية التي تدعم ائتلافها الحاكم. ثم هناك سبب آخر ويتمثل في اشتباه واسع بأن دعم شافيز المالي هو الذي ساعدها على الفوز في الانتخابات الرئاسية في 2007. والواقع أن عداءهما المشترك لفكرة وسائل إعلامٍ معارِضة هو المجال حيث يبدو الاثنان أكثر ترابطاً. فقد أنشأ شافيز " تيليسور"، وهي وسيلة إعلامية يفترض أن برامجها وحضورها على الإنترنت يعكسان آراء وبواعث قلق طبقة المستضعفين في أميركا اللاتينية. ولكنك إذا كنت تتساءل حول هوية الآمر والناهي فيها، فما عليك إلا أن تشاهد التغطية المتملقة لأنشطة شافيز اليومية على موقعها الإلكتروني. وفي هذا السياق، نقلت وكالة أسوشييتدبرس عن "كلوديو جوميز" أستاذ مادة الصحافة بجامعة لا بلاتا،، قوله إن شافيز فاز بالجائزة اعترافاً بـ"ما يبذله من جهود بخصوص وسائل الاتصال الشعبية مثل تيليسور. هذا لا يعني أننا نتفق مع إجراءات أخرى اتخذتها حكومته ضد وسائل الإعلام المنتقدة". حسنا! الواقع أنك لو كنت في مكان" فرينانديز"، تواجه انتخابات في أكتوبر المقبل (إلى جانب ما تقول تقارير إنه تفش للفساد ومعدل تضخم سنوي يبلغ 24 في المئة)، فإنك قد تحسد شافيز على بوقه الضخم "تيليسور"، وقدرته على إغلاق المنابر الإعلامية المحسوبة على المعارضة. غير أن هذا الحسد، لحسن الحظ، لا يشترك فيه على ما يبدو زعماء كثيرون من أميركا اللاتينية، ذلك أنه في الغالب الأهم، فقط شافيز، وفيرنانديز، ورئيس نيكاراجوا دانييل اورتيجا، وأحياناً الرئيس البوليفي إيفو موراليس، هم الذين ينظرون إلى وسائل الإعلام "الامبريالية البورجوازية" بالطريقة نفسها. أما الزعماء الآخرون، فقد بدؤوا يقبلون ويدركون قيمة الصحافة الحرة في بلد ديمقراطي، وبخاصة أولئك الذين عانوا الكثير خلال الأنظمة الديكتاتورية "اليمينية" المدعومة من الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات: فالرئيسة الشيلية السابقة ميشيل بلانشيت، مثلاً، التي عذبت من قبل الطغمة العسكرية الحاكمة في عهد بينوشيه؛ أو رئيس الأوروجواي خوسي موخيكا، الذي قضى أكثر من 14 عاماً في السجن؛ كلاهما يساريان يواجهان صحفاً وطنية محافظة ومنتقدة. والرئيسة البرازيلية "ديلما روسوف" التي كانت إحدى ضحايا التعذيب أثناء حكم العسكر، والتي اتهم أنصارها وسائل الإعلام بالتصرف كحزب معارض خلال انتخابه مؤخراً، أعلنت نفسها منذ ذلك الوقت من مؤيدي الصحافة الحرة إذ قالت: "لا أنكر أن وسائل الإعلام كانت تنشر أحياناً أخباراً تحزنني ... ولكننا نحب الحرية". وهكذا، فإن الصحافة البرازيلية مازالت حرة. وكذلك الحال بالنسبة للأرجنتين، بشكل عام. ولكن "سي جي تي" ، الاتحاد العمالي القوي، يمنع وصول الصحف التي تصفها فيرنانديز بـ"المحتكرة"، على الرغم من حقيقة أنها مملوكة من قبل مؤسسات منفصلة ولديها سياسات مختلفة كثيراً. ولعل الأكثر إثارة للقلق هو أن جزءاً كبيراً من اليسار الأرجنتيني التقليدي، الذي يكن لها ولزوجها الراحل الاحترام للطريقة التي واجه بها ضغوط صندوق النقد الدولي ولشجاعتهما في جلب الحكام المستبدين الذين قتلوا 30 ألفاً من مواطنيهم للمحاكمة، يؤمن على ما يبدو بفكرة أن جمهورية دستورية ذات 40 مليون نسمة ونظام قضائي ضخم وجيش كبير وقوات شرطة، توجد فعلاً تحت رحمة صحف أولئك "المحتكرين البورجوازيين". وقد قال لي صديق أرجنتيني مثقف في رسالة بعث لي بها مؤخراً: "إن أي حكومة لديها الحق في الدفاع عن نفسها ضد صحافة معادية". فقلت إنه يذكرني بنائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. وكان يمكنني أن أقول له أيضاً، على نحو أقل لطفاً، إنه يذكرني بديكتاتورية 1976-1983 التي حاولت أن تدمر الديمقراطية الأرجنتينية إلى الأبد. مارك هافل محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنرتناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©