الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موسم الهجرة إلى المهن الجديدة

موسم الهجرة إلى المهن الجديدة
9 نوفمبر 2009 22:50
من المؤكد أن المهنة التي يمارسها الإنسان تؤثر في شخصيته وأساليبه وتفكيره، وفي سائر شؤون حياته، كما أنَّ لها تأثيرها الواضح أيضاً في الأمراض أو الاضطرابات النفسية التي تصيبه، ومن ثم فعملية الانتقال من مهنة إلى مهنة أخرى، ليست بالسهلة، وليست كانتقال العصفور بين أغصان الشجر. إنَّما هي تتطلب استعداداً نفسياً وذهنياً، وعلمياً أيضاً من نوع معين، فلا يتم الانتقال عشوائياً، وإلا يكون المرء قد ضمن الفشل من قبل أن يبدأ. التقينا بعضاً ممن خاضوا تجربة الارتحال من مهنة إلى أخرى، ليحدثونا عن رحلتهم تلك ودوافعهم إليها، وكذا الكيفية التي تأقلموا بها مع المهنة الجديدة. الإلكترونيات والإدارة نبيل الظاهري، نائب مدير منطقة أبوظبي التعليمية للشؤون التربوية ، يقول إنَّه بعد حصوله على الدبلوم العالي في هندسة الإلكترونيات من كلية التقنية في العام 2000، التحق بالعمل في وزارة شؤون الرئاسة، في ذات التخصص الذي درسه، ولكن بعد فترة وجيزة، وبناء على ثقة المسؤولين هناك، تم انتدابه ليشغل منصباً إدارياً في منطقة أبوظبي التعليمية، ويبتعد تماماً عن العمل الفني الذي درسه على مدار 7 سنوات، ومارسه عملياً لفترة تجاوزت العام. وبالفعل صار نبيل موظفاً إدارياً وأخذ يتدرج في السلم الوظيفي، وأصبح رئيساً لقسم الإدارة التربوية، ومشرفاً على تعليم الكبار، وكذلك تولى مسؤولية الإشراف على مدارس أبناء الوافدين، إلى أن وصل لمنصبه الحالي. ويقول إنَّه على الرغم من أن دراسته الفنية كانت عن حب وشغف صاحبه منذ الصغر بعالم الإلكترونيات، إلا أنَّ إقدامه على تغيير مهنته إلى اتجاه آخر مضاد لما درسه وآلفه، يعد من الخطوات الإيجابية الهامة في حياته، لافتاً إلى أن تعدد الوظائف يعني تعدد الخبرات وتراكمها لدى الفرد، ومن خلال المجال التربوي والإداري الذي التحق به، أصبح قادراً على التفاهم والتحاور مع الناس على اختلاف مستوياتهم الفكرية. استعداد نفسي ويوضح الظاهري أنه على الرغم من عدم اشتغاله بعالم الإلكترونيات، إلا أن شغفه به لم ينقطع، ولديه مشغل صغير ملحق بالمنزل يمارس فيه هوايته في فك وتركيب الإلكترونيات والتعامل معها، كلما سمحت الظروف. ويضيف قائلاً: أن الإنسان الطموح لا ينبغي أن يتوقف عند وظيفة معينة أو مرحلة بعينها، خاصة وأن اكتساب الخبرات الميدانية والحياتية، يكاد يفوق ما نكسبه من الشهادات العلمية، خاصة لو أدركنا أن النجاح في الحياة يتوقف إلى حد بعيد على التجارب المكتسبة من الآخرين، والتجارب الشخصية للفرد، وليست على الشهادة أو المؤهل العلمي وحده، وهذا ما أتاحه له العمل الإداري والتربوي من حيث التعامل مع صنوف مختلفة من البشر والتعرض لمواقف عديدة، لم يكن ليتعرض لها لو اقتصرت حياته على الاعتماد على العمل الفني فقط. وعن الصعوبات التي واجهها، في بداية عمله الإداري لفت إلى أنه بالفعل كانت هناك صعوبات، ولكنه تغلب عليها من خلال التعامل مع كافة الموظفين صغيرهم وكبيرهم، والاستماع إليهم، ومن هنا عرف الكثير عن عالم الإدارة والتربية، وشيئاً فشيئاً صارت مهمته أسهل واستطاع أن يؤدي عمله بإتقان. ويشدد الظاهري على وجوبية توافر استعداد نفسي للتعلم، قبل التفكير في خوض أي مجال جديد، وكذا التحلي بالمرونة واكتساب قيم تتناسب العمل الجديد، مثلاً العمل في المجال العسكري أو الهندسي يتطلب الدقة والصرامة، ولكن التعامل مع الناس وأولياء الأمور يتطلب قدراً كبيراً من المرونة وحسن الإصغاء، وهكذا فإن لكل مهنة متطلباتها ويجب أن تتوافر في الشخص المقبل عليها. عصب الحياة أما فؤاد لطف قاطه فهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة صنعاء، لكنه آثر العمل في مجال العقارات، ويقول: «رغم أن دراستي للعلوم السياسية، كانت عن حب وتشجيع من الأسرة، سيما وأن الوالدة تعمل في المجال الدبلوماسي، ورغم المستقبل المبهر للعمل الدبلوماسي، إلا أنني لا أحب التقيد في الوظيفة مهما كان رونقها وبريقها، وأحب أن أكون طليقاً و (أصطاد رزقي بنفسي)، بحسب تعبيره». ويردف قاطه، في الوقت الراهن، المال هو عصب الحياة، وهو ما يمكن أن يجنيه من وراء العمل في العقارات، خاصة وأنها المجال الأكثر ربحاً في الشرق الأوسط بصفة عامة، ودولة الإمارات بصفة خاصة، لما تشهده من طفرة سياحية واقتصادية، لأن كل من السياحة والاستثمار، تتطلب توفير مسكن للقادمين إلى الإمارات، وهم كثيرون ويصلون إلى عشرات الآلاف سنوياً. ويقول إن أهم ما شجعه على دخول مجال العقارات، هو عدم وجود أشخاص مؤهلين ومسلحين باللغة الانجليزية للتعامل مع الوافدين الأجانب، على الرغم من وجود أعداد هائلة منهم يحتاجون إلى من يلبي احتياجاتهم السكنية بشكل احترافي راق. جناحا النجاح يشير قاطه إلى أنَّ خلفيته التعليمية ودراسته للعلوم السياسية، ساعدته كثيراً على النجاح في عمله بالعقارات، لكونه تعلم كيفية التواصل مع الآخرين بشكل راق لأنه يمثل واجهة لبلده، وكذا مجال العقارات يعتبر واجهة لدولة الإمارات ذلك أنَّه أول ما يواجه القادم إليها من أولويات، يتمثل في البحث عن مسكن، ومن هنا تبرز أهمية الدراسة والعلم لخوض هذا المجال والنجاح فيه. ويلفت إلى أنه لم يجد صعوبة في دخوله مهنة جديدة عليه، لأنَّ هناك جناحين للنجاح في أي مهنة، وهما إتقان اللغة الانجليزية (لغة العصر)، وكذا إتقان الكمبيوتر. ويقول: «طالما امتلك الإنسان هذين الجناحين، يستطيع احتراف أي مهنة من خلال المعرفة، فالمعرفة هي الأساس في الوجود والحياة، ولذلك قال تعالي في أول نزول الوحي على الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) اقرأ، ولم يقل صل أو اعمل، إذا طالما كان هناك علم كان هناك نجاح في أي مجال، وهو ما تم بالفعل عندما دخل إلى عالم العقارات. زبائن القهوة من جانبه أحمد السيد حلمي، الحاصل على ليسانس أداب قسم لغة عربية عام 2005، وقد عمل بتدريس اللغة العربية في مصر لمدة عامين، قبل مجيئه للإمارات في عام 2007، يشير إلى أنه تحول من التدريس إلى مهنة عامل في مقهى، بعد أن جاء إلى الإمارات، وشارفت فترة تأشيرة زيارته على الانتهاء، حينها لم يكن هناك بد من القبول بأي عمل، وبالفعل التحق للعمل في أحد المقاهي، وكانت هناك بالفعل صعوبة كبيرة في اختراق هذا المجال الجديد، الذي لم يعتده من قبل، من حيث طول ساعات العمل التي تمتد إلى حوالي 12 ساعة يومياً، بالإضافة إلى طبيعة العمل التي تفرض عليه التعامل مع أفراد من كافة المستويات الفكرية والدرجات الاجتماعية، وهو ما تطلب قدراً عالياً من المرونة اكتسبه بالخبرة و بالتعامل اليومي مع زبائن القهوة. ويضيف أحمد:»على الرغم من أنني لا أنصح أحداً بخوض هذه التجربة والابتعاد عن مجال عمله الأصلي، وعدم تقبلي نفسياً للعمل في تلك المهنة في بداية الأمر، إلا أنني أخذت أدرب نفسي على القبول بها والإتقان في العمل، لأنني أتقاضى أجراً نظير هذا العمل، ولذلك يجب أن أخلص فيه وأؤديه على أجمل وجه مصداقاً لقول الرسول الكريم «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم». تأمين المستقبل بالنسبة لعبد العزيز أحمد المصعبي، الذي ترك عالم التقنية وعلوم الكمبيوتر، ليقرر الذهاب للعمل في القوات المسلحة، فيقول، إنه رغم سنوات دراسته الطويلة لعلوم الحاسب وتقنية المعلومات، إلا أنه وجد أن الأفضل لتأمين مستقبله هو الالتحاق بالقوات المسلحة، خصوصاً في ظل تقلب سوق العمل، وعدم سهولة الحصول على وظيفة براتب جيد. ويضيف، أنه غير نادم على السنوات التي قضاها في دراسة تقنية المعلومات، وإنما سيحاول توظيف ما اكتسبه منها، في عمله الجديد، وستكون حافزاً له لتحقيق النجاح والتميز، وهنا فقط، سيشعر بأن خطواته التي خطاها في الحياة سواء كانت لدراسة تقنية المعلومات أو الالتحاق بالقوات المسلحة، كانت خطوات صائبة وعلى الدرب السليم. أسباب النجاح الاستشاري النفسي علاء حويل، يرصد هذه التجربة ويقول: عند انتقال الإنسان من مهنة إلى أخرى، لابد من تتبع السلسلة ومعرفة ما إذا كانت دراسته وعمله الأول تم تحت ضغوط المجموع الدراسي وضغوط الأسرة، أو ضغوط الحياة من عدمه، فعندما يدخل الإنسان مجال معين ويتركه لسبب، أو لآخر، كأن يجده غير ما كان يحلم أو يتصور، أو أنَّه يتطلب مجهوداً وطاقات أكبر من قدراته، هنا يصبح التغيير مطلوباً ومن المؤكد أنه سينجح في العمل الجديد، وهذا يرجع لسببين، هما: 1-أن المهنة الجديدة تتماشى إلى حد كبير مع قدراته. 2-إثبات لذاته أنه لم يترك المهنة القديمة دون أسباب قوية وأن المهنة الجديدة بالفعل هي الأجدر للعمل بها. أما إذا دخل إلى مهنة جديدة فقط تحت تأثير ضغوط الحياة، ودون استعداد نفسي لها، وكذا في ظل وجود اتجاهات لديه مغايرة أو متناقضة مع المهنة الجديدة، بالتأكيد سيكون مصيره الفشل. وهنا يشير حويل إلى أن الانتقال إلى أي مهنة جديدة، لا بد وأن يكون مصحوباً بتداعيات نفسية، قد تكون إيجابية من تدعيم للثقة في الذات وزيادة القدرة على العطاء والإنتاج، إذا ما كانت المهنة الجديدة تتفق مع رغبات وميول وقدرات الفرد، وقد تكون سلبية أيضاً بسبب الخوف من الفشل، وأحيانا جراء الشعور بالندم على ترك الوظيفة القديمة، فضلاً عن صعوبة التأقلم على الجديد، الذي قد يؤدي إلى توتر وصعوبة في العمل، وقد يتطور الأمر إلى اكتئاب إذا ما طالت فترة التأقلم. ويقول حويل أن هناك نماذج ناجحة كثيرة لأشخاص انتقلوا من مهنتهم الأصلية إلى مهنة أخرى، وحققوا نجاحاً لافتاً ومنهم الفنان المصري يحيى الفخراني، الذي كان يعمل طبيباً في الأصل، وكذلك كل من الأديبين الكبيرين مصطفي محمود ويوسف إدريس، اللذين هجرا الطب إلى عالم الأدب وحققا فيه نجاحاً غير عادي، حتى أن يوسف إدريس كان مرشحاً يوما ما لنيل جائزة نوبل في الأدب.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©