الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

واشنطن... ومد يد العون لليبيريا

18 يونيو 2010 21:28
خلال الآونة لأخيرة، نشرت "واشنطن بوست" افتتاحية تطرقت خلالها للكيفية التي يتحمل دافع الضرائب الأميركي من خلالها قيمة الدعم المقدم لمزارعي القطن الأثرياء ليس فقط في الجنوب الأميركي، وإنما أعمق كثيراً من ذلك. في جنوب أميركا اللاتينية، وتحديداً في البرازيل. وقد جعلني هذا أتذكر منظر تلاميذ المدارس الفقراء في ليبيريا، وهم يذاكرون دروسهم على ضوء مصابيح الشارع؛ لأنه لا توجد كهرباء في منازلهم. قد تكون المقارنة بين الحالتين غريبة إلى حدٍ ما، ولكن بعد أن يحظى المرء بزيارة من "ألين جونسون ـ سيرليف" ذات الشخصية المهيبة، فإنه لا بد أن يفكر في ليبيريا. و"سيرليف" الرئيسة الصارمة، والصلبة، لتلك الدولة الفقيرة الواقعة في غرب أفريقيا. التي انتخبت رئيسة لها عام 2005، بينما كانت لاتزال تخرج ببطء من أتون حرب أهلية طاحنة، جاءت إلى واشنطن مؤخراً لتقديم تقرير عن مدى التقدم الذي حققته إدارتها منذ أن تولت الحكم، ولكي تطالب باستمرار الدعم المقدم لها. ولإدراك مدى التحديات التي واجهتها "سيرليف" عندما تولت السلطة، علينا أن نتمعن في هذه العبارة: "خمس وثمانون في المئة"، وهي العبارة التي تلقيتها كإجابة منها عن سؤالي: كم كانت تبلغ نسبة البطالة في عاصمة بلادها "مونروفيا" عندما تولت زمام منصبها؟ عندما سمعت العبارة للمرة الأولى ظننت أن هناك لبساً قد حدث، فأعدت طرح السؤال مرة أخرى: "سيدتي... إنني أسألك عن نسبة البطالة وليس عن نسبة التشغيل"، فأعادت العبارة مجدداً، ولكن بحزم أكثر هذه المرة. غير أنها أضافت بعد برهة قصيرة: ولكن هذه النسبة، وبفضل الاستثمارات الأجنبية، وعمليات تطوير البنية الأساسية، والجهود المبذولة لمحاربة الجريمة والفساد انخفضت إلى 50 في المئة اليوم". تخيلوا معي أن رئيسة دولة تفخر بأن نسبة البطالة في عاصمتها قد أصبحت 50 في المئة، كي تدركوا مدى الفقر الذي ترزح مثل تلك الدولة تحت ثقله. الصورة التي ظلت ملتصقة بذاكرتي منذ آخر زيارة قامت بها "سيرليف" للولايات المتحدة، هي صورة الأطفال الذين يجلسون القرفصاء تحت أعمدة الإنارة العمومية في الشوارع لاستذكار دروسهم، والتعليق الذي قالته لتبيان السبب الذي يجعلها تضع عملية "كهربة" العاصمة على رأس قائمة أولوياتها: "السبب فيما تراه أن لدينا عاصمة يسود الظلام معظم أرجاءها". أما بشأن ما آلت إليه حال الكهرباء في العاصمة اليوم، فقد قالت لي الرئيسة: "إن الكابلات الكهربائية تنتشر في الوقت الراهن في 18 في المئة فقط من المساحة الإجمالية للعاصمة، على الرغم من المساعدات التي نتلقاها من شركائنا: البنك الدولي، والولايات المتحدة، والنرويج، من أجل تزويد العاصمة بالكهرباء". وقالت "سيرليف" إن السبب في تفاقم مشكلة الكهرباء في العاصمة، هو أن كل كابل من كابلات الكهرباء تقريباً، قد سرق وتم صهره وبيعه في السوق أو إتلافه لسبب أو لآخر أثناء الحرب الأهلية. وقالت إن البطء في عملية توصيل الكهرباء يرجع لكون إجراءات التعاقد التي يجريها البنك الدولي مع المؤسسات المنفذة، تسير بخطى بطيئة، ولكن العامل الرئيس أو الحل لهذه المشكلة، هو بناء محطة ضخمة لتوليد الطاقة الكهربائية، لا تقل تكلفتها عن 300 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لدولة مثل ليبيريا. الحكومة الأميركية تدفع لمزارعي القطن ما يزيد على 3 مليارات دولار سنوياً منذ 1991، ويذهب جزء كبير من هذا المبلغ السخي، بحسب "مجموعة العمل البيئي"، إلى المشروعات الزراعية الكبرى في الجنوب. وهذه الإعانات لا تحقق الغرض المطلوب منها في الأصل، لدرجة أن "منظمة التجارة العالمية" تصفها بأنها "ممارسة تجارية غير عادلة". وبدلاً من معالجة الأمر، آثرت الولايات المتحدة توزيع 147 مليون دولار أخرى على مزارعي القطن البرازيليين الذين قدموا شكوى بشأن الإعانات المقدمة لنظرائهم الأميركيين. وما الحل؟ الحل ببساطة هو إغلاق صنبور المساعدات المفتوحة للمشروعات الزراعية الكبيرة في الجنوب الأميركي لشهر واحد! نعم شهر واحد فقط، لجمع المبلغ المطلوب من المال لبناء محطة للطاقة الكهربائية في ليبيريا، ولإتاحة الفرصة لأطفال مونروفيا كي يراجعوا دروسهم ويؤدوا واجباتهم المنزلية، وتوفير فرص العمل لأبنائها لتحسين ظروف حياتهم ورفع مستوى الدخل في البلاد والذي لا يزيد على 500 دولار سنوياً. إذا ما تحقق ذلك، فسوف تصبح ليبيريا مستقرة، ويصبح غرب أفريقيا أكثر هدوءاً، وتصبح أميركا أكثر أمناً... إلخ. غير أن ذلك الحل قد لا يمضي باليسر الذي قد يتخيله البعض. فليس هناك شك في أن أي قطع لإعانات القطن لن يرضي المنافقين الماليين "ممن يعدون الميزانيات" في ولايات لويزيانا، وأريزونا، وغيرها من الولايات الزراعية في الجنوب، الذين لن يدخروا وسعاً للاحتجاج على قطع الإعانات أو تخفيضها أو حتى تعليقها لمدة زمنية معينة من أجل إنفاق المبالغ المتوافرة عن ذلك في تقديم المساعدات للدول الأجنبية. أعلنت الرئيسة ألين جونسون ـ سيرليف الذي يبلغ عمرها الآن 71 عاماً أنها سترشح نفسها لإعادة انتخابها كرئيسة لبلادها في الانتخابات التي ستعقد في العام المقبل لاستكمال تنفيذ ما كانت قد وعدت بتنفيذه. وليبيريا في الوقت الراهن هي أكبر دولة تحصل على مساعدات واستثمارات مقارنة بحجم اقتصادها في العالم. وبفضل هذه المساعدات، تحققت إنجازات كبرى خلال السنوات الست السابقة. والشباب الليبيري الذي لم يكن يعرف شيئاً من قبل في حياته سوى السلاح، أُدمج تدريجياً في المجتمع. ومع ذلك، تقول الرئيسة سيرليف في نبرة آسفة : إن الأمور تأخذ قدراً من الوقت، أكبر كثيراً مما قدرنا في البداية". فريد حياة - محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©