الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتحار القاتل

انتحار القاتل
24 ابريل 2014 20:56
توجهت “أماني” لتفتح الباب وترى من الطارق وفوجئت بزوجها يدفعها بقوة إلى الداخل ويغلق الباب، صرخت في وجهه معنفة ورافضة زيارته وأسلوبه ومستنكرة طريقته في المجيء إليها في بيت أسرتها، بعدما هجرت بيت الزوجية منذ ستة أشهر، حاولت أن تطرده وتغلق أي حوار بينهما، لكنه جلس على المقعد يدخن سيجارة تلو الأخرى وهو صامت، بينما هي تعنفه وتستنكر مجيئه، وهو يعرف أنها ترفض العودة إليه بأي شكل بعد أن وصلت العلاقة بينهما إلى طريق مسدود، وانتهت إلى أن توجهت للمحكمة وأقامت دعوى خلع ضده. محاولة فاشلة رغم الخلافات، التي تفاقمت بينهما جاء للتفاهم معها ومحاولة إقناعها بالتنازل عن القضية والعودة إليه من أجل ابنيهما، متعهدا للمرة الألف بأن يصلح من شأنه ويغير معاملته لها، وفي نفس الوقت لا يفهم كيف يمكن أن تضحي بعشرة ممتدة من الطفولة وحياة زوجية زادت على العشرين عاما وابنيهما اللذين في سن الشباب، ورغم أنه تخطى الخمسين من عمره وهي في الثامنة والأربعين لم يفته أن يذكرها بأنه يحبها ولا يستطيع الاستغناء عنها، كان حوارهما بصوت عال وسمع الجيران معظمه لكن لا يتدخلون بين زوجين يتعاتبان ويتصالحان ولا حتى لو كانا يتشاجران لا فرق، فهم يعرفون أن المرأة جاءت غاضبة وتركت منزل الزوجية منذ ستة أشهر وعرفوا أنها أقامت دعوى لخلعه. ولم تصدق “أماني” كلامه فليست هذه هي المرة الأولى التي تسمع فيها منه هذا الكلام الذي يفتقد المصداقية، وقد كرره على مسامعها مئات المرات منذ تزوجا وكلما تجددت بينهما الخلافات والمشاكل، لن تنسى له ما كان يفعله محاولا أن يظهر أنها مجنونة، فقد كان ينقل الأشياء من أماكنها، ويخفي بعضها ثم يظهرها، حتى وصلت إلى مرحلة الشك في تصرفاتها وقواها العقلية واضطرت في النهاية لأن تذهب إلى طبيب أمراض نفسية وعصبية وبعد أن أجرى لها الفحوص والأشعات أكد لها أنها لا تعاني أي مرض نفسي أو عصبي، وقد اعترف “طارق” بما كان يفعله معها، ولن تنسى له أنه جعل بينها وبين الولدين حاجزا بأفكاره والمعلومات المغلوطة التي يقولها عنها، وصل الأمر إلى أنه يخوفهما منها ويدعي أنها قد تضع لهما السم في الطعام فتتناول طعامها وحدها وهم يتناولون طعامهم وحدهم، فحول البيت إلى جحيم، وجعلهم مشتتين وأضاع الترابط الأسري الطبيعي. تصرف غير متوقع أعاد الاعتذار لكنها رفضت قبوله، طلب منها أن تتنازل عن الدعوى فرفضت أيضا، فهي تعرف أنه لا فائدة من الكلام ولن تعود إليه مهما فعل، لأنه لم يصدق في أي مرة معها، وقد حدث ذلك من قبل عدة مرات، فلا تنسى أنها منذ ثلاث سنوات جاءت إلى هنا في بيت أبيها غاضبة، وأقامت دعوى طلاق وتدخل أهل الخير وتم الإصلاح بينهما بعد أن تعهد لها بحسن العشرة والالتزام بما يتم الاتفاق عليه، لكنها لم تجد شيئا من ذلك ولم يلتزم بما قال، هذا مع ما حدث من خلافات عشرات المرات، لذا فهي لا ترى أنها متصلبة ولكن لأنها فقدت الأمل نهائيا فيه، لم يعد بينهما للصلح مكان والأفضل له أن يتركها ويرحل، لكن “طارق” استشاط غضبا من خيبة أمله فصفعها على وجهها، فأمسكت به، وجرها من شعرها وانهال عليها ضربا ولكمها بيديه ورجليه، وهي تدافع عن نفسها تارة وترد له الضربات تارة أخرى، دفعته لأنها استشعرت أنه يريد أن يقتلها، حتى سقط على الأرض فاشتد غضبه وشعر بالإهانة الشديدة، أسرع إلى المطبخ وأحضر سكينا وانهال عليها طعنا إلى أن فارقت الحياة وتلوثت ملابسه بالدماء، قام بوضع الجثة على السرير وتغطيتها وانصرف، المشهد الذي كان عليه يوحي بكل تأكيد أنه ارتكب جريمة، وشاهده الجيران أثناء خروجه مهرولا، لكن كالعادة لا يسألون ولا يتدخلون. مفاجأة مرعبة انتهت رحلته بالجريمة البشعة، خاب مسعاه، وهو يعرف أنه لم يكن فقط متوجها إليها ليعيدها ولكن الأهم أن تتنازل عن قضية الخلع لأنها عيب في حقه كرجل، ربما يعيره الناس بهذا الموقف والمؤكد أنهم سيصفونه بالمخلوع، وسيظل ذلك سبة في جبين ابنيه ونقطة سوداء في حياتهما لا تمحوها الأيام والسنون، عاد إلى منزله لا يدري ماذا يفعل ولا يصدق أنه قتل زوجته بيديه، جلس يفكر فيما سيحدث بعد ذلك، وراح يتذكر حياته معها منذ كانا طفلين، وبعد أن تزوجها ورحلة حياتهما معا التي كانت نهايتها مأساوية كارثية. عاد شقيق أماني من عمله، فوجدها نائمة، ناداها فلم ترد فتوقع أن تكون مستغرقة في النوم، فتركها ولم يلح عليها لتستيقظ بينما انشغل في إعداد طعام الغداء، وبعد أكثر من ساعتين لم تستيقظ وهي غير معتادة على النوم في هذا الوقت، فناداها لكنها لم تجبه ولا تتحرك، توجه إليها وكشف الغطاء عن وجهها ففوجئ بالمشهد المرعب، أنها مقتولة وجثتها غارقة في الدماء وقد تلوثت المفروشات كلها، استغاث بجيرانه الذين جاءوا يحلون له اللغز بسرعة، فقد قرروا أن زوجها هو الذي قتلها لأنه كان هنا قبل ساعات وسمعوا حوارهما الساخن معا، وبعضهم شاهده وهو يخرج وملابسه ملوثة بالدماء، لذا اتهم زوج شقيقته بقتلها، وقال في التحقيقات ما ذكره الجيران والذين تقدموا بشهاداتهم، فتم تحرير المحضر تمهيدا للقبض على المتهم الذي لا يوجد شك في إدانته ولم يبق إلا اعترافه بملابسات الحادث. بداية الحكاية التحقيقات كشفت ما حدث قبل عشرين عاما بأن “طارق” توجه لأسرة أماني ليخطبها من والدها، وهو يعرفها منذ كانا طفلين في الشارع الذي يقيمون فيه، صحيح لم تكن بينهما أي علاقة أسرية ولا تواصل ولا تبادل زيارات، لكن الناس هنا يعرفون بعضهم وكل أسرة منشغلة في أمورها ولا شأن لها بغيرها، قدم نفسه للتعارف بأنه يتقن الأعمال الحرة، ودخله جيد، وسيشتري شقة خاصة به ويتزوج ويقيم بها هو وعروسه، متعهداً بأنه سيكون لها نعم الزوج والعشير ويلبي طلباتها كافة، إلا أن الأب رفض طلبه لأنه يرى أنه ليس الزوج المناسب لابنته ولن تكون سعيدة معه كما يريد لها، فهو يتمنى أن تتزوج من شاب موظف له دخل شهري ثابت تعيش معه في استقرار، وإن كانت هي لم تكمل تعليمها ولم تحصل على أي شهادة. اسودت الدنيا في وجهه، وجد أن هذه نهاية العالم، فقد كان يتمناها، ويحبها في صمت ولم يستطع البوح بذلك، مراعاة لحرمة الجيرة، وحفاظا على سمعتها ولأن الوقت لم يكن مناسبا من قبل، وفشل الوسطاء بعد ذلك في إقناع الأب ليعدل عن رأيه ويغير موقفه، لكن كان مصرا على الرفض لاقتناعه بوجهة نظره فهو يعرف مصلحة ابنته ويريد لها زيجة أفضل، وانتهى الأمر بأن مضى إلى غايته يجتر أحزانه التي زادت وتضاعفت عندما تزوج صديقه أختها الصغرى، ولا يجد فرقا بينه وبين صديقه الذي يعمل في نفس مهنته ولا يزيد عليه في ميزة، لكن ما حدث بعد ذلك قلب كل الموازين فقد توفي والد أماني، وبعد شهرين عاود طارق طلبه من أشقائها الذين وجدوا أنه من المصلحة الموافقة عليه خاصة بعد زواج أختها الصغرى قبلها. نهاية الحكاية رغم إلحاحه وإصراره على الزواج منها لكنه لم يكن الزوج المثالي، وصدقت وجهة نظر أبيها الراحل فيه، رجل شتام سباب، لا يحسن العشرة، وتحملت كي لا تنقل خلافاتها معه إلى أسرتها، وعساه ينصلح خاصة بعد أن رزقا بالصغيرين، غير أنه ظل طوال هذه السنين يسير من سيئ إلى أسوأ، حتى اضطرت إلى البوح بالأسرار والكشف عن المكنون من معاملته السيئة لها والتي لا تطاق، ورغم أنها غضبت عدة مرات وكل مرة يعد بأنه سيغير أسلوبه لكنه لا يفعل حتى يئست منه ولم يعد هناك أمل في غد أفضل معه ووصل الأمر أخيرا إلى طلب الخلع وقد وافقها إخوتها على ذلك لما رأوا منه نحوها. تجمعت الدلائل والبراهين ضده بأنه الذي كان وراء الجريمة، توجهت قوة للقبض عليه، فتشوا عنه في منزله فلم يجدوا له أثرا، وفي نفس الوقت فقد اختفى الولدان ولا احد يعرف أين هما ليرشدا عن مكان اختفاء أبيهما، في شقته كل شيء عادي مما يشي بأن الحياة طبيعية، لكن اختفاءه يعني أنه هرب بعد الجريمة ويحاول الفرار حتى لا يتم القبض عليه، لكن ما حدث بعد ذلك كان مختلفا، حيث إن طارق يقيم في الطابق الأخير من البناية وهي ليست شاهقة الارتفاع، وقد صعدوا فوق السطح ليجدوا المفاجأة الكبرى، الرجل ملقى على الأرض وقد تناول مبيدا حشريا، تخلص من حياته ولفظ أنفاسه، مات قبل أن يدلي بأقواله في الجريمة، بينما كان ابناه خارج البيت لا يعرفان أن أباهما قتل أمهما، وانتحر وأقفل المحضر بلا اتهام لأحد. القاهرة (الاتحاد)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©