الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوج عابر للقارات

زوج عابر للقارات
24 ابريل 2014 20:56
خرج من بلده مهاجراً، بحثا عن عمل، وأيضاً لاستكمال دراسته في كلية الطب التي التحق بها هذا العام، اتجه إلى إحدى البلدان الأوروبية، قدم أوراقه إلى كلية طب، وبدأ الدراسة لكنه لم ينتظم فيها بالشكل المطلوب، فهو مشغول أيضاً بالبحث عن عمل من أجل الإنفاق على احتياجاته، حيث إن المبلغ الذي يحصل عليه كمنحة دراسية لا يكفي، بجانب أنه طموح، يريد أن يكون صاحب مشروع، يحلم منذ صغره بالثراء والحياة الرغدة، ولماذا يهتم بالشهادة العلمية التي سيحصل عليها بعد سبع سنوات إلا ليعمل؟ وبالتالي يحصل على المال، إذا لماذا لا يوفر على نفسه عناء التعب والانتظار كل هذه السنين، ويضيعها عبثا؟ من الأفضل أن يعمل من الآن ويستفيد بوقته ويحقق أمنياته من أقصر الطرق، وهو يعرف مسبقاً أن الجميع سوف يلومونه على تصرفاته، فهم يريدونه طبيبا مشهورا في تخصص نادر يشار إليه بالبنان، ضرب بذلك كله عرض الحائط، يرى أن هذه حياته وهو حر فيها. حب ومصلحة لم يتوقف كثيرا أمام الأفكار التي تعوق طريق طموحاته، فهنا في أوروبا يمكنه أن يحقق نجاحا باهرا في مجالات العمل ويحصل على أجر مجز، ومثل جميع القادمين من الشرق، لم يجد عملا إلا في حقول العنب، أو في مطابخ الفنادق يغسل الأطباق، وعمل في هذه الأعمال، لكنه كان راضيا بالعائد الذي يحصل عليه فهو بقدر جهده يجني مالا وهذا هو المهم عنده طالما يسير في طريق تحقيق الأحلام، يدخر كل ما يقع بين يديه من مال، وبجانب ذلك فهو قليل الإنفاق لا يخرج من بين يديه “سنت” إلا للضرورة القصوى، وكانت خارطة الطريق التي وضعها لنفسه تسير كما يريد. وفي هذه الظروف ترك دراسة الطب وأهملها عن عمد، تعرف على فتاة أوروبية، ونشأت بينهما علاقة حب، لكن من جانبه كانت علاقة مصلحة أكثر منها علاقة مشاعر، فهو يريد أن يبقى هنا ولا يفكر في العودة إلى بلده مرة أخرى، الطريقة الوحيدة التي تحقق له البقاء هي الزواج من فتاة للحصول على الجنسية وبالتالي، لا يكون بقاؤه مهددا ويتخلص من الإجراءات المشددة في تجديد الإقامة كل عام خاصة ما يحدث مع العرب في أوروبا، واعتقد أن حلمه الوردي سهل المنال، وأنه بين عشية وضحاها سينتهي من هذه المشكلة، إلا أنه واجه رفضاً غير عادي من أسرة الفتاة، رفضوه زوجاً لابنتهم بلا نقاش، فيكفي أنه غريب وليس من أبناء هذه البلاد، علاوة على أنه لم يكمل دراسة الطب، فهو في عيونهم فاشل، ولو لم يكن فاشلا ما كان على تلك الحال المتدنية، ولعمل في وظيفة أو مهنة مقبولة اجتماعياً، ولم تضطر ابنتهم للزواج من شخص بهذه الظروف البالغة القسوة؟ لوح لهم بأمواله التي ادخرها، لكنها لم تغير موقفهم وظل رفضهم التام لهذه الزيجة غير المتكافئة، وفي النهاية أصرت الفتاة على الزواج منه، وتم الزفاف رغم أنف أسرتها. استثمار ومشاريع بعد سنوات قليلة تحقق له ما أراد، حصل على الجنسية مع الاحتفاظ بجنسيته الأولى، حاول أن ينتقل نقلة نوعية في حياته بأن يبدأ استثمار ما ادخره من مال حتى لو كان قليلا وبمساعدة زوجته، لكن ما بين يديه لا يكفي لإقامة مشروع تجاري، فاستمر في عمله وإن كانت ظروفه قد تحسنت إلى الأفضل، لكنه مازال يحلم بالمشروع، ووطد علاقاته ببعض المستوردين، وقرر في النهاية أن يتجه إلى بلد عربي آخر يمكنه فيه أن يؤسس مشروعه الحلم، حضر بزوجته التي كانت رافضة ترك بلادها، وكان هذا أول خلاف بينهما، هو يريد أن يرحل ليحقق أحلامه وهي لا تجد مبررا للرحيل، وهي حامل في طفلها الأول، لكنه في النهاية أقنعها بالتضحية من أجل الطفل القادم. وحضر إلى هنا تسبقه الأمنيات والخيال، لم يضيع وقتا، قرر فتح مكتب للتصدير لا يكلفه غير المقر الصغير الذي يمكنه من خلاله عقد الصفقات، مستغلاً علاقاته بالمستوردين الذين تعرف عليهم في البلد الأوروبي، وبدأ نشاطه خلال عدة أسابيع، لم يكن بحاجة إلى رأسمال فهو مثل الوسطاء يحصل على البضائع من أصحابها ويقوم بشحنها والحصول على “العمولة”، صحيح أن هذا العمل يدر عليه دخلاً جيداً وبلا مغامرة لكنه في نفس الوقت يقول: هل من مزيد، يرغب في التوسع في الأنشطة، مازال حلم المشروع التجاري يداعب أفكاره، لكنه كان يبحث عن النشاط المناسب. اكتسب من خلال السنوات التي قضاها في بلاد الفرنجة كثيرا من أفكارهم، بحيث لا يريد فقط أن يكون له مشروع يدر عليه مالا من خلاله يشتري المسكن المناسب والسيارة الفاخرة وخلافه، لذا بدأ السكن في شقة مستأجرة، ويستخدم سيارات التاكسي في تنقلاته، استقر بعد الفحص والتمحيص والاستشارات على تأسيس شركة تجارية عبارة عن معرض كبير للأدوات المنزلية والكهربائية، فهو لا يغامر ويريد أن تكون أمواله في مأمن بعيدا عن المخاطر وهذا النشاط آمن تماما وليس هناك ما يخشاه، وأقام حفل افتتاح كبيراً، وعرف كيف يكسب الزبائن ويبيع أكثر باللجوء إلى قليل من الإعلانات الورقية غير المكلفة وتخفيض بسيط في السعر لا يؤثر على عائد الربح، فراجت تجارته بشكل يحقق له حلمه القديم. اختلاف الثقافات الزوجة الشقراء لم تستطع أن تتأقلم مع الحياة في الشرق، لا يناسبها شيء منها، حتى بعد أن اشترى لها فيلا وسيارة خاصة، وأصبح بينهما ثلاثة أبناء في عمر الزهور وقد التحقوا بالمدارس، وهنا تغير فكر الأب، لم يطبق عليهم ما كان يريده لنفسه، وبإصرار وتشجيع وتشديد من زوجته، ألحقهم بمدارس أجنبية ليدرسوا اللغات ويتسلحوا بالعلم، فلا قيمة للمال من غير العلم ونجاحه في جمع المال لا يعني أنه كان على حق بشكل مطلق، وهو الذي ضحى بأهله ولم يعد يراهم منذ خرج مهاجرا أول مرة، بعضهم فارق الحياة، بل إن وفاة أبيه وأمه جعلته يقطع صلته بالباقين ولا يفكر في العودة إلى مسقط رأسه، أبناؤه لا يعرفون أحدا من أقاربهم، حتى الاتصالات بينهم معدومة، بل إن انشغاله المستمر في عمله جعله يترك مسؤولية تربيتهم لأمهم التي أرضعتهم الثقافة الغربية، وإن كان ذلك طبيعياً وليس عن عمد، لكن له أثره فيما بعد، فقد ارتبط الأبناء بأمهم أكثر من أبيهم الذي لا يرونه إلا لحظات معدودة، فهو مشغول دائما ولا يمنح نفسه يوما إجازة في الأسبوع. الزوجة ملت هذه الأوضاع كلها، خاصة مع إهماله لها فأهملته هي الأخرى ولم تعد تهتم بأي شأن من شؤونه، وإلى الآن لم يتخط الثانية والأربعين من عمره، وهو رجل أعمال ناجح، وقد أصبح من أصحاب الملايين، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فها هو ليس سعيدا في حياته التي لا تعرف الاستقرار الأسري، فكر جديا في الزواج من امرأة شرقية يكون بينهما تفاهم أكثر وتراعي ظروفه وأحواله وهو بالفعل قادر على فتح بيت آخر فليس المال عقبة في سبيل ذلك، بالطبع مازالت تلك مجرد فكرة ولم تدخل حيز التنفيذ، وبالتالي لم تصل إلى زوجته التي تفكر هذه الأيام في زيارة أسرتها التي لم ترها منذ ثلاث سنوات، ووجد في هذا حلا مناسباً، ويستطيع أن يتزوج في فترة غيابها ليضعها أمام الأمر الواقع بعد أن تعود، ولن يكون أمامها خيار آخر غير الاستسلام. زواج جديد اصطحبت المرأة أبناءها الثلاثة عائدة إلى بلدها، وهي تبدو سعيدة هذه المرة أكثر من أي مرة سافرت فيها، ودعهم في المطار وهو سعيد أيضا لأنه يريد أن يعود بسرعة لينفذ ما يريد، وقد اختار فتاة ثلاثينية، حاصلة على مؤهل جامعي وتعمل موظفة، لكنها لم تقف أمام عدم حصوله على شهادة عالية، ويكفي أنه يملك الكثير من المال الذي يحقق لها السعادة، وتغاضت أيضا عن كونها الزوجة الثانية، وهذا لا يهم فسيكون اهتمامه بها أكثر وتستطيع أن تجذبه إليها بطريقتها، وهذا سيكون ميسورا لأنها علمت منه أنه ليس على وفاق مع زوجته الأوروبية فلن تبذل جهدا في الاستحواذ عليه كلية. اشترى الزوج الثري شقة فاخرة للعروس، وكان الأثاث الفاخر الجاهز خلال أيام وبعد أسبوع تم الزواج، لكن بحضور عدد محدود من أقاربها، وهو وحيد فليس له أحد هنا من اقاربه، وفي نفس الوقت لا يريد أن يتوسع في الاحتفال خشية أن يجد من ينشر الخبر وتعرف زوجته قبل أن يخبرها بنفسه ويهون عليها الأمر، عبر للعروس عن سعادته الغامرة التي لم يجدها طوال السنوات الماضية مع زوجة أجنبية لا تتفق معه في الطباع والعادات والتقاليد، فتدللت عليه وطلبت منه أن يؤمن لها مستقبلها، حتى لا تضيع حقوقها بين زوجته الأولى وأبنائه، وقد وافقها ليس للأسباب التي أبدتها فقط ولكن أيضا لأنه يريد أن يحصل على الجنسية الثالثة، بعد أن تقدم بطلبها منذ فترة ولكن هذا الزواج سوف يكون عاملا مهما في تيسير الإجراءات، وخلال مدة قصيرة حصل على ما أراد، وأصبح يحمل ثلاث جنسيات، من آسيا وأفريقيا وأوروبا، وقد تناسى أبناءه وزوجته لعدة أشهر، وهو في الحقيقة سعيد لأن زوجته لم تبلغه بموعد عودتها، بل يتمنى أن تظل كل شهور الصيف هناك حتى تطول فترة غيابها عنه، خاصة أن أبناءه في الإجازة الصيفية من المدارس. واقتربت الدراسة ولم يبق إلا أسبوع واحد، فأجرى اتصالا بزوجته يستعلم عن موعد عودتها، فكان الرد مختصرا في كلمات معدودة، لن نعود إليك، إذا أردتنا تعال إلينا بأموالك وعدتك وعتادك، الأبناء التحقوا هنا بالمدارس، اسقط في يده فقد وقع في الفخ، لم يعد قادرا على التضحية بأي من الزوجتين وكلتاهما تريدان البقاء في بلديهما، والضحية الكبرى هم الأبناء. نورا محمد (القاهرة)
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©