الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة اليهودية في غرب أفريقيا!

15 يناير 2018 23:56
تذكرت وأنا أستعيد زيارة نتنياهو لباريس بعد أحد أحداثها، ودعوته اليهود الفرنسيين إلى فلسطين، وكيف يؤدلج التاريخ لخدمة الحركة الصهيونية عبر تحريك قوى اجتماعية هنا أو هناك. وذكّرني ذلك بزيارة لي إلى دولة مالي اطلعت خلالها على معلومات مهمة حول حاضرة إسلامية أفريقية عريقة وكبيرة مثل «تيمبوكتو»، لكني فوجئت بما يشبه الحملة الثقافية هناك حول حجم العناصر الثقافية اليهودية في الثقافة الإسلامية لشعوب غرب أفريقيا. هنا تذكرت نقاشي الطويل مع الراحل الدكتور محيي الدين صابر، وكان رئيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، حول مقولته إن الإسلام كان «في كل أفريقيا دون استثناء»، بينما كنت أرى أهمية مساهمة المفكرين والمثقفين الأفارقة في صياغة ثقافاتهم ذات الأبعاد المتعددة، حتى ولو كانوا مسلمين ومن بلاد إسلامية. وفي مالي اقترب مني أحدهم مبتسماً وهو يقول: «يا أستاذ.. ولماذا تنسى مساهمة اليهود القادمين مع عرب الأندلس، في اختراق الثقافات الأفريقية حتى باسم الإسلام؟!». وباستمرار المناقشات التي لا أريد تحويلها هنا لعملية دراسية، وأنا أكتب مجرد ذكريات.. اتضح لي أن ثمة الآن زحفاً ثقافياً كبيراً في المنطقة لتأكيد مكانة اليهود في تاريخها وثقافتها، حتى أن ثمة من يعلن أن أصول بعض علمائها يهودية! تذكرت أن لي صديقاً في تيمبوكتو هو «عبد القادر ماما حيدرا»، صاحب مركز للمخطوطات يحمل اسم عائلته، وكان يرتبط بعلاقة تعاون مع المستشرق الإنجليزي الكبير «جون هانويك» صاحب المشروعات البحثية المهمة حول الثقافة الإسلامية في أفريقيا. وقد ذهبت لصديقي في تيمبوكتو التي تعتبر عاصمة المخطوطات والثقافة الإسلامية في المنطقة كلها قرب نهر النيجر («نيل العرب» كما يسمونه)، والتي يطمح أي منا لزيارتها، حيث اشتهرت بجامعاتها ومدارسها وبكثرة علمائها خلال القرنين الـ16 والـ17. سألت عن إمكانية السفر جواً إلى تيمبوكتو والعودة منها بعد يومين، فقيل لي إن الطائرة الوحيدة تذهب إليها وتعود مرة واحدة أسبوعياً، أما الطريق البري الصحراوي فيتطلب يوماً كاملا للذهاب «وأنت وحظك في العودة!». لذلك أحجمت عن المغامرة مكتفياً بالتفتيش في العاصمة «باماكو» عن حكاية «اليهود المسلمين» وأثرهم في تيمبوكتو وغيرها من حواضر الغرب الأفريقي الإسلامية. سارع بعض الأصدقاء الماليين إلى القول بأن الأدبيات متوافرة الآن، ففيما يبدو هناك «حملة إعلامية» منظمة، إذ ذهب أحدهم إلى بيته ليحضر لي أكثر من كتيب حول الموضوع، بعضها صادر عن هيئات حكومية، وتبدو بحثاً علمياً حول وصول عرب الأندلس ويهودها للمنطقة بعد الاضطهاد الإسباني، وامتد الزعم في بعض الأدبيات إلى القول بأن القبائل الكبرى مثل «الفولان» أو «البُول» أنفسهم تبنوا الإسلام عن «اليهود المسلمين»! لست هنا بصدد الدراسة، لكني أعرض بعض المقالات المهمة، وخاصة تلك التي كتبها الباحث المالي «إسماعيل دياديه حيدرا»، مؤلف كتاب «اليهود في تيمبوكتو» (les juifs au toumboctou x1x-siecle? ?1999? ?)، ?حول ?عائلته باعتبارها ?ضمن ?مَن ?تبنوا ?الإسلام ?بعد ?الاضطهاد ?من ?ممالك مالى ?وسنغاي ?والبربر. ?وهو ?يبدأ ?بعرض ?التاريخ ?بإخلاص ?الباحث ?حتى ?يصل ?للإعلان ?عن ?أجداده ?اليهود ?في «بلاد ?السودان»?. ولجاذبية مقال «إسماعيل دياديه حيدرا»، والمسمى عند بعض الماليين «إسماعيل اليهودي»، بعد الإعلان عن أصوله، يمكن الإشارة لبعض فقراته. فهو يرى أنه حين كانت تيمبوكتو أرض الذهب والآداب، استقر بها بعض اليهود، وكانت طرق الذهب المتجهة منها إلى مدن برشلونة وتلمسان وسجلماسة.. كلها طرق يهودية. لكنهم واجهوا الاضطهاد في تيمبوكتو بسبب فتاوى الشيخ المغربي «المغيلي»، فاتجهوا إلى مدينة «جاوه» حيث تكرر اضطهادهم هناك. وأمام سيطرة العرب على نهر النيجر اعتنق اليهود الإسلام، واشتهر بينهم علماء كإسلاميين، مثل عائلة «الكاتى» (أجداد كاتب المقال) الذين كانوا يحتفظون سراً بلقبهم «كوهين» (القرن 15). وفي القرن التاسع عشر تجمع اليهود ثانية في تيمبوكتو، حيث بدؤوا يقيمون صلاتهم الجماعية، وبنوا لهم معبداً باسم «يهوداهو» عام 1863. ويؤيد باحثون غربيون وجود نفوذ يهودي في المنطقة خلال تلك الفترة، مثل موريس ديلافوس، المؤرخ الفرنسي الذي يقول بنسبة قبائل «الفولان» إلى أصل سوري يهودي. لم أقصد هنا إلا لفت نظر الباحثين العرب إلى مسائل في التاريخ تحتاج مزيداً من التحقق العلمي، وإلا فقد تصبح مادة للاستخدام الأيديولوجي، كما تحاول الأيديولوجيا الصهيونية حالياً حول موضوع الثقافة اليهودية وعناصرها في غرب أفريقيا. وهذا ما تفعله السياسة الإسرائيلية الآن أمام الضعف العربى، وقد رأينا نتنياهو، عقب واحد من الأحداث الدامية في فرنسا، يطالب اليهود الفرنسيين بـ«العودة» إلى «الوطن»، وقد جاء أصلاً للعزاء في أبناء فرنسا! فهل نفاجأ بدعوات إلى أبناء قبائل الفولان مثلاً من أجل الهجرة أو حتى إقامة علاقات خاصة بإسرائيل، بينما نزعم نحن أن الفولان هم أكثر من نشر الإسلام في المنطقة وأن أصولهم مصرية في رأي علماء كبار مثل عالم المصريات السنغالي «شيخ أنتا ديوب»؟ *رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©