الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان... خطة بديلة لمكافحة الأفيون

8 نوفمبر 2009 23:42
مويارا روهسن أستاذة بكلية السياسات الدولية والإدارة بمعهد مونتري - كاليفورنيا هناك قلق متزايد على استمرار جهود أميركا المبذولة في أفغانستان بسبب انتشار ممارسات الفساد في صفوف الحكومة الأفغانية. وفي هذا السياق يتحدث البعض عن وباء زراعة الأفيون والهيرويين باعتبارهما العامل الرئيسي وراء ذلك الفساد الحكومي. ولكن هل في وسعنا منع زراعة المخدرات هناك؟ الإجابة المباشرة عن هذا السؤال هي: كلا بالطبع. ذلك أن مجرد محاولة السيطرة على هذه الزراعة -دعك من محاولة وقفها تماماً- تعد مستحيلة ولا جدوى منها. بل لقد أثبتت التجارب السابقة أن محاولة استئصال هذه الزراعة قد ينجم عنها المزيد من إنتاج المخدرات. وقد أدركت قوات "الناتو" هذه الحقيقة خلال السنوات الأولى التي أعقبت الإطاحة بنظام "طالبان" في عام 2001. ولكن فيما لو تركنا الفلاحين الأفغان لحالهم، واستمروا في زراعة الأفيون، فستكون النتيجة هي إنتاج كميات أكبر منه، ما يعني المزيد من تراكم العرض مقابل تراجع الطلب. وهذا يعني بدوره انخفاض سعره إلى حد يدفعهم للتخلي عن زراعته بمحض إرادتهم. وهذا ما سبق لهم أن فعلوه في عام 2000، وما بدأوا يفعلونه الآن. فخلال العام الحالي أصدرت الأمم المتحدة تقريرين أشارا إلى انخفاض حاد في إنتاج الأفيون هناك وأرجعا ذلك الانخفاض إلى مشروعات استئصال زراعة الأفيون واستزراع محاصيل بديلة، تم تنفيذها خلال الفترة الماضية بتمويل أميركي- بريطاني. غير أن استمرار تراجع المساحة المزروعة بالخشخاش هناك، ليس هو المظهر الوحيد لحقيقة ما يجري على الأرض. ففي ضل تزايد إنتاج المحاصيل الأخرى، نتيجة للتوسع في زراعتها وتحسين التقنيات الزراعية المطبقة، حدث انخفاض كبير في معدل إنتاج الأفيون، فاق كل التقديرات المتوقعة. ولكن لا يزال معدل إنتاجه السنوي ضعف ما كان عليه قبل هجمات 11 سبتمبر، وخلال السنوات الأولى للحرب الجارية الآن. وهذا هو الجانب الآخر من الحقيقة التي تدفعنا إلى القول بلا جدوى محاولات استئصال زراعة الأفيون في ذلك البلد. وليس في هذا الجانب غرابة على أية حال. ذلك أن سياسات مكافحة الأفيون التي يتبناها الغرب تقوم على ثلاثة افتراضات مغلوطة في الأساس، دحضت معظمها دراسات أكاديمية رصينة، لم يكلف واضعو تلك السياسات أنفسهم حتى مجرد قراءتها للأسف. ويتلخص أول هذه الافتراضات في الاعتقاد بأن جهود استئصال زراعة الأفيون ستؤدي إلى الحد من معدلات إنتاجه فعلياً. ولكن الحقيقة هي أن "جراهام فاريل" الذي عمل في برنامج الأمم المتحدة الخاص بمكافحة المخدرات طوال عقد التسعينيات، أجرى دراسة واسعة على تأثير جهود استئصال المخدرات ومكافحتها في مختلف أنحاء العالم. وتوصل من خلال الدراسة إلى ملاحظة ارتفاع معدل إنتاج المخدرات في العام التالي مباشرة لجهود استئصالها ومكافحتها. والمنطق الذي يفسر سلوك المزارعين هنا، هو سعيهم إلى زراعة المزيد من المحصول الذي تم القضاء عليه في العام الماضي، على افتراض توقعهم لارتفاع سعره في الموسم الزراعي الذي يلي القضاء على ذلك المحصول مباشرة، بسبب ندرته. وقد يخصص المزارعون مساحات خاصة بزراعة المحصول المستهدف خلال العام الذي تبذل فيه جهود المكافحة، أو ربما يتوسعون في المناطق -بل حتى الدول المجاورة- في زراعة المحصول المستهدف. أما الافتراض الثاني المغلوط الذي تقوم عليه تلك السياسات، فهو أن من شأن برامج زراعة المحاصيل البديلة أن تساعد فلاحي الريف الفقراء. غير أن الولايات المتحدة اكتشفت مؤخراً جداً أن لا جدوى من تلك البرامج، فقررت في موسم الصيف الحالي التخلي عن جهود استئصال الأفيون، واستبدال البرامج السابقة المخصصة لتلك الجهود بدعم زراعة المحاصيل البديلة. ولكن قلما كانت مجدية جهود زراعة المحاصيل البديلة هذه، ما لم يكن المحصول البديل أعلى ربحية. تضاف إلى ذلك محدودية فترة دعم البرامج الزراعية وشح الميزانيات المخصصة لها، ما يجعل استدامتها أمراً صعباً من الناحية العملية. وبهذا نصل إلى الافتراض الخاطئ الثالث القائل بقدرة برامج مكافحة المخدرات على كسب قلوب وعقول فلاحي الريف الأفغاني الفقراء. صحيح أن تحسين شبكة الطرق والارتقاء بوسائل النقل بهدف تذليل وصول المحاصيل والمنتجات الشرعية إلى الأسواق ربما يكون لهما أثر إيجابي على فلاحي الريف. ولكن لكي تثمر هذه الجهود وتضمن استدامتها، فإن من الواجب تحسين الظروف الأمنية أولاً. وهنا تكمن الصعوبة الكبرى والتحدي الأول. وإذن، ما الذي يمكن لقوات حلف "الناتو" فعله، طالما أثبتت كل هذه الجهود فشلها وعدم جدواها؟ من الملاحظ أن معدلات ارتفاع إنتاج الأفيون والمخدرات الأخرى بلغـت درجة مخيفة خلال السنوات الثماني الماضية. ولكن الإيجابي في الوقت نفسه هو انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وهو ما أرغم الكثير من المزارعين على الاتجاه نحو زراعة المحاصيل البديلة القانونية. وهنا نصل إلى استنتاجنا الرئيسي: فربما كانت السياسة الأنجع في التصدي لظاهرة المخدرات في أفغانستان هي ترك المزارعين لحالهم، مع تكثيف الجهود الأمنية على مروجي وتجار المخدرات في خطوط التصدير الحدودية. فهذه هي الاستراتيجية الوحيدة التي من شأنها تجفيف منابع أسواق المخدرات والحد من نشاطها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©