الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إيتيكيت السلام

إيتيكيت السلام
8 نوفمبر 2009 23:29
من آداب السلام في الإسلام أن يسلّم الصغير على الكبير توقيراً له، والراكب على الماشي دفعاً لزهو الأول ومراعاة لمشقة الثاني، والمار على القاعد لأنه بمنزلة الداخل، والقليل على الكثير، لحق الكثرة على القلة. لكن الدنيا كبرت وتعقّدت، ولم يعد من السهل التفرقة بين الصغير والكبير، وليس بيننا راكب وماشي، وفي الوقت نفسه دخلت أطراف أخرى في جو السلام وليس هناك آداب متفق عليها بينهم، وأصبحت المسألة «تعال وسلّم». لذلك لا بد من وضع «إيتيكيت للسلام» بهدي آداب السلام. فإذا التقى شخصان كلاهما في سيارته، فإن على صاحب السيارة الأغلى والأحدث المبادرة بإلقاء التحية عبر بوق السيارة، تواضعاً لصاحب السيارة الأرخص والأكثر قرمبعةً (مهلهلة). وهذا مستوحى من آداب السلام، فمن آدابه أن يسلّم راكب الحمار على راكب البغل، وراكب الحصان على راكب الحمار. وكذلك يسلّم الرشيق على الهزيل والسمين، ومتوسط الطول على الطويل والقصير، والغني على الفقير، وموفور الشعر على الأصلع، والسليم على السقيم، إلا إذا كانت العلة مزمنة والعاهة مستديمة، كأصحاب الإعاقات، ففي هذه الحالة يُفترض أن يبادروا هم بالسلام، لأن سلام السليم عليهم قد يدخل في باب الشفقة التي يرفضها المعاقون. وإذا تلاقى مسؤول وموظف، فعلى الأول المبادرة بالسلام، دفعاً لزهو المسؤول ومنعاً لتذلل الموظف. وإذا التقى موظفان أحدهما مخضرم والآخر طازج، فعلى المخضرم المبادرة بالسلام، لإزالة هواجس الطازج وخجله، وليمهّد له التعرّف على الموظفين ويساهم في دخوله جو العمل، بينما سلام الطازج قد يُفهم بأنه تملّق وجرأة ليست في محلها. وإذا تلاقى المتديّن بغيره، فهو المطالب بإلقاء السلام، ليكون أهلاً للحالة التي اختارها لنفسه، ويكون مثالاً يحتذى. وإذا تلاقت المنقبة بالكاشفة، فعليها السلام، لأنها تعرف من ترى بينما الأخريات قد لا يتعرفن عليها. وإذا تلاقت صاحبة الوجه الخالي من الأصباغ بالمصبوغة بأصباغ «جوتن»، فعلى الخالية السلام، لأن صاحبتها تعيش معاناة الأصباغ، ومن واجب الناس تعزية الناس في بلواهم. وإذا التقت فتاة بأخرى، فمن الإيتيكيت أن تبادر من تظن نفسها أجمل بإلقاء السلام، مراعاة لمشاعر الثانية، رغم أن هذا لن يحدث على أرض الواقع، وستبادر كل واحدة لإلقاء السلام. والأمر نفسه يحدث مع سلام الصغيرة على الكبيرة، وربما يتحول السلام إلى مشادة كلامية، لأن من تلقي السلام توحي للمتلقية بأنها أصغر منها، وأجمل. وإذا التقى أبوان، أحدهما لديه عشرة أولاد، والآخر عشرة بنات، فعلى صاحب الأولاد أن يسلّم، لأن سلام أبي البنات قد يوحي بأنه يستنجد بأبي الأولاد لتزويج بناته من أولاده، وفوق هذا، فإن مبادرة أبي الأولاد بالسلام، ستدخل الأمل في قلب أبي البنات، ويقول في نفسه: ما سلّم إلا لغرض أسري، وهذا الأمل حتى لو كان خادعاً فإنه مفيد لأعصاب وقلب أبي البنات. والأمر نفسه إذا التقت الوالدتان. وإذا التقى الأعزب بالمتزوج، فعلى الثاني أن يبادر بالسلام، لأن الأعزب وحيد ويحتاج إلى من يقف إلى جانبه، وبهدف التشجيع على الزواج، لأن المتزوج إن مر بالأعزب ولم يسلّم عليه، فإن الأعزب سيقول: كان الله في عونه، يبدو أن الزواج قلب حياته وحرق «فيوزاته». وكذلك إن التقت المتزوجة بالعزباء، فهي وحيدة كالأعزب، ثم أن هناك أقاويل عن تجنب المتزوجات الاقتراب من غير المتزوجات، بمظنة خطف أزواجهن منهن، لذلك على المتزوجة أن تسلّم أولاً تفنيداًً لهذه الأقاويل، وحسن ظن بالأخريات، بالطبع إذا لم يكن زوجها «البصباص» برفقتها. هذا والله أعلم. مربط الفرس فيمن يسمع الجرس بأساليب متنوعة وطرائق تعبير مختلفة، سوف يكتب الزملاء والمعلقون الإعلاميون في جميع وسائل الإعلام حول قضية اتهام الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بسوء استخدام السلطة، وتهم أخرى خلال فترة تسلمه لمنصب عمدة باريس، صحيح أنهم سيكتبون بطرق مختلفة، لكنهم - على الأغلب- سيجمعون على امتداح طريقة العمل المؤسسي والحفاظ على المال العام، وعمق الديمقراطية الغربية وما إلى ذلك. الغريب أن (شن) الزملاء سوف تتوافق مع (طبقة) الناس العاديين الذين يسمعون الخبر أو يشاهدونه ويعلقون عليه، وسوف يعقب الجميع بمرارة، إنَّ أي مسؤول عربي سوف يسخر من شيراك وديمقراطيته العرجاء العاجزة، لأن ابن جيران خالة شوفير المسؤول العربي قادر على اقتراف أطنان من الفساد الإداري والمالي والأخلاقي، وغيره أكبر بكثير من رئيس دولة حكمها الرجل لدورتين متتاليتين، وكان قبلها عمدة باريس لأكثر من عقد من الزمن، وهو أكثر رئيس محبوب حتى الآن، إذ بينت الاستطلاعات أنَّ 76% من الفرنسيين من اليمين والوسط واليسار بتنويعاته، يحبونه ويحترمونه كرمز وطني، حتى الآن. لاحظوا أنَّ العرب بكامل تنويعاتهم، ورغم جميع خلافاتهم ومنازعاتهم واحتقاناتهم، إلا أنهم يتفقون معاً، شعوباً وقبائل، وقادة رأي على أنَّ وضعنا مزر للغاية، وغير مبشر سوى بالكثير من الانهيارات القادمة، إذا بقينا على هذه الحال والأحوال. طبعاً، كان جاك شيراك صديقاً كبيراً للعرب، وقد أبعد بلاده فرنسا عن الانضواء تحت راية بوش الحمقاء. وهو واثق من براءته، وقد تلقى الخبر بهدوء، ولربما تنحل القضية قبل أن يصل الرجل إلى القضاء، لكن هذا ليس مربط الفرس. مربط الفرس أننا ننظر بعين العجز والإحباط، ونحن نرى أنَّ الفساد والإفساد صار (حقاً دستورياً) بالوراثة للحاكم العربي وللمسؤولين الأقل شأناً بكثير، وأن لا أحد يجرؤ على محاسبته ومحاسبتهم. في ذات الوقت الذي نحن فيه أسلاف أمة ابتكرت قانون (من أين لك هذا)، الذي لا يطبق حالياً سوى على الفقير والمريض والشحاذ، و»اللي ما اله والي ولا قريب في الحكومة». مربط الفرس أن القضاء الفرنسي ظل يلاحق شيراك على هذه التهم – التي قد لا تكون صحيحة- حتى وهو في سدة الحكم، لكن الحصانة منعت القضاء من إجباره على المثول أمام العدالة. وإن هذا القضاء لم يسقط حقه بالتقادم على الرئيس الرمز، وظل يلاحقه، حتى تهيأت البيئة المناسبة للمطالبة بمثولة أمام القضاء المستقل. مربط الفرس أن سر انتصار العدو الصهيوني علينا مجتمعين، أنه نسخ التجربة الأوروبية في الديمقراطية واستقلالية السلطات، ولو أنه أعلن قانون الطوارئ مع إعلان الدولة المزعومة، وما يستتبع ذلك من منح سلطات استثنائية للحاكم على حساب السلطات الأخرى، وتبجيل وتقديس له، لو أن العدو الصهيوني فعل ذلك، لكنا الآن نحتفل بالذكرى العشرين أو الثلاثين بتحرير فلسطين وطرد الصهاينة منذ عقود. مربط الفرس أنَّ الحاكم عندنا أقوى من الشعب وأقوى من سلطاته الثلاث، وأنَّه في أغلب الدول يستقوي بالغرب على مواطنيه وأمته، مقابل الاستمتاع بكرسي السلطة حتى الموت ومنافعها وامتيازاتها هو وأولاده وأحفاده، ولا يهم ماذا يكلف بلاده من مال وكرامة في سبيل تحقيق أهدافه. مربط الفرس، أن الفرس الأصيل ركبها الحاكم، وتركنا مشاة عراة على قارعة الحياة، بلا حول ولا قوة، وبلا حاسة سمع على الإطلاق. فمشكلتنا ليست فيمن يعلق الجرس، فالجرس معلق من زمان ويزهو به الحاكم بكل عزة وسؤدد. المشكلة فيمن يسمع الجرس!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©