الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الإسراف والتبذير.. ليسا من شريعة وأخلاق الإسلام

الإسراف والتبذير.. ليسا من شريعة وأخلاق الإسلام
11 مايو 2018 00:30
القاهرة (الاتحاد) يستقبل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بعد أيام، شهر رمضان المبارك، وينشغل الكثيرون بشراء السلع الغذائية بشكل جنوني، ربما يزيد كثيراً على الحاجة، ولا يسلم من ذلك الفقراء ولا الأغنياء، الجميع يصابون بحمى الشراء الزائد على الحاجة، والتي تجتاح الأسواق، مثل الطوفان، ويحولون رمضان من شهر صيام إلى شهر الطعام، ويستهلكون ما لا يحتاجون، وهو ما يعرف بالإسراف والتبذير وهما من الآفات التي ابتليت بها المجتمعات الإسلامية، فقد نجحت الآلة الإعلامية في تشكيل وجدان الناس وتحويلهم إلى أداة لا هم لها إلا الإنفاق والسعي وراء الاستهلاك الترفي، وإهدار الأموال والثروات بشكل يحمل مخاطر تهدد استقرار الفرد والمجتمع، وتبتعد عن مبادئ الإسلام ومنهجه القويم في ذم الإسراف والتبذير، والحض على الاعتدال والوسطية. يؤكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الإسلام حرم الإسراف في المال والطعام والشراب والزينة، وأورد بشأن ذلك آيات تحذر المسلم منه، قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، «سورة الأعراف: الآية 31»، وفي الآية نص في النهي عن الإسراف، وأمر بالتوسط والاقتصاد، وتأكيد على بغض الله للمسرفين، واستعمل القرآن الكريم كلمة الإسراف في تجاوز الحد. وحث شيخ الأزهر، على التوسط في المأكل والمشرب والملبس وإنفاق المال، ووجه نحو «الاقتصاد» الذي هو بين الإسراف والتقتير، مصداقاً لقوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى? عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً)، «سورة الإسراء: الآية 29»، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخيلَة». وأضاف الدكتور الطيب، إن مجتمعاتنا العربية أصبحت تعاني من ظاهرة الإسراف في المأكل والمشرب والملبس، وشهر رمضان شهر صبر واقتصاد وإنفاق على المحتاجين، كما عاب على الفقراء والمحتاجين الذين يتطلعون إلى محاكاة بعض سلوكيات الأثرياء التي يعرضها الإعلام على شاشاته، ما جعلهم يضيقون بأنماط حياتهم الاجتماعية، ويتطلعون إلى أنماط تفوق قدراتهم المادية بكثير، وفي الوقت نفسه لا يوجد أمامهم من الأعمال ما يقربهم من هذه الأحلام الوردية، وطالب كل بيت وأسرة بالتوسط في الإنفاق، والبعد عن مظاهر الإسراف في حياتهم، مؤكداً أن رمضان ليس شهر متعة، ولا أكل ولا تسالٍ ولا سهر، وإنما شهر عبادة ونشاط وجد واجتهاد وتوسط في كل شيء، فلا يصح أن يستدين المسلم للإسراف في الأكل الذي يؤدي إلى التكاسل عن أداء الطاعات. إهدار وهلاك للأموال وأوضح الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الإسراف والتبذير ليسا من أخلاق الإسلام في شيء، سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور، ويتنافيان مع ما شرع لأجله الصوم من إحساس الغني بالفقير وتربية النفس وتأديبها، والإسراف والتبذير يعدان من أعظم المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية التي تهدد الإنسان والدول والأمم، ولذلك يُجمع جمهور الفقهاء والعلماء والدعاة على أنها من نماذج الفساد الاقتصادي والاجتماعي الواجب تجنبه، مبيناً أن الإسراف والتبذير من السفه المالي، ويعتبر إهداراً للموارد الاقتصادية، وهلاكاً للأموال وزيادة في النفقات من دون فائدة وتبديداً للطاقات، ولذلك فإنهما يسببان الإرهاق لميزانية الأسرة والدولة ويعوقان التنمية، وبالرغم من تيقن معظم المسلمين من حرمة الإسراف والتبذير فإن هناك المليارات من الأموال تبدد في هذا المجال، في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول الإسلامية من الفقر المدقع ونقص في الضروريات والحاجات الأصلية للحياة العادية، وحذر من الوقوع أسرى للفضائيات والإعلانات التجارية التي تستهدف الوصول إلى جيوب الصائمين وتركهم أسرى للديون التي تثقل كاهلهم. وأكد د. كريمة أن الشريعة الإسلامية تحرم الإسراف بكل صوره وأشكاله وذلك لحكم عظيمة وأهداف سامية تبرز في تنمية معنى القصد في الغنى والفقر وضبط الإنفاق في حالات اليسر والعسر، والإسراف في الشهر الكريم يتنافى والحكمة من مشروعية الصوم؛ إذ أنه في الأصل شرع ليشعر الغني بالفقير، لا أن يتزايد الغني في ممارسة أفعال تكرس للضغينة بينه وبين الفقير. كما أن الإسراف خطر فتاك، يهدد الأمم والمجتمعات، ويبدد الأموال والثروات، وسبب للعقوبات العاجلة والآجلة، وللترف الذي ذمه الله وتوعد أهله في كتابه، كما أنه سبب يؤدي بصاحبه إلى الكبر وطلب العلو في الأرض، وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة»، وهو ما يبين أن الإسراف قد يستلزم المخيلة وهو الكبر، وهو أيضاً سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا، وعدم الهداية لصالح المعاش والمعاد، ثم إن عقوبة الله تعالى للمسرفين تمثلت في أن جعلهم إخواناً للشياطين، بينما تحث الشريعة على الوسطية والعدل في كل شيء، والإسراف خروج عن المألوف وافتعال للإنفاق في غير فائدة وتبديد للثروات. ينافي روح الصيام ويقول د. عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية: في شهر رمضان المبارك، تبدو ظواهر سلبية تتنافى وما في الشهر الكريم من خصوصية، ومن بينها الإسراف في الأطعمة وما يحدث في سائر المنازل من طهو للعديد من المأكولات وإعداد للمشروبات، ثم تناول اليسير منها وإلقاء ما تبقى في سلة القمامة، والإسراف في رمضان وغيره من الشهور والأيام منهي عنه، فإنفاق الأموال على المأكولات والمشروبات، دون الاستفادة منها، مخالفة لتعاليم ديننا، وأمر ينكره الشرع ويحرمه ويزيد في تحريمه الإسراف، ويجب علينا في الشهر الكريم أن نحرص على الالتزام بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يظهر علينا أثر نعمة الله ولكن دون إسراف. ودعا د. النجار إلى استثمار الشهر الكريم في التخلص من الإسراف والتبذير في المأكولات والمشروبات، وذلك أن تلك العادات تتنافى مع روح العبادة في شهر الصيام، وطالب بضرورة الحرص على الالتزام بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لا إفراط ولا تفريط. الفهم الصحيح للصيام أما عن علاج الإسراف والتبذير، فيقول الدكتور حسين شحاتة، أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، إن طريق العلاج هو الإسلام وأساليبه، التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالفهم الصحيح لفريضة الصيام، على أنها تطهير للنفس والمال والمجتمع، وأنه عبادة صحيحة وعقيدة سليمة وصبر وجهاد وتضحية ومشقة، وليس لإقامة الولائم والحفلات والتنافس في الملذات والترفيهات والمظهريات، وكذلك المحاسبة والمراقبة الذاتية، والتفكر والتدبر في النتائج المترتبة على الإسراف والتبذير والترف والمظهرية. وأوضح د. شحاتة أنه لو طبق كل فرد وأسرة ومسؤول الضوابط الإسلامية للنفقات والاستهلاك في رمضان، والتزم بالطريق الإسلامي في علاج أمراض الإسراف والتبذير والترف ونحوها، لأدى ذلك إلى العديد من الآثار الطيبة، ومنها توفير على الأقل 50 بالمئة من النفقات التي تنفق فيما يعارض شريعة الله، وتجنب الأسرة الوقوع في حمل الديون.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©