الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أغنية لم تكتمل

أغنية لم تكتمل
17 يونيو 2010 21:05
شجعتني أسرتي على استكمال دراساتي العليا بعد الحصول على الشهادة الجامعية، خاصة بعد أن تهيأت أمامي فرصة للدراسة في إحدى الجامعات الكبرى بعاصمة أوروبية، يتمنى الكل الالتحاق بها، كثير من أقاربي عارضوا الفكرة لأنني سأسافر وحدي إلى بلاد الفرنجة، حيث الحرية المطلقة ولن يكون معي أحد، فتلك المجتمعات بعيدة تماما عن عاداتنا وتقاليدنا وقليل من أقاربي وافقوا لأنهم واثقون بحسن أخلاقي ويعرفون أنني سأكون عند حسن ظنهم، ورغم ثقتي الكبيرة بنفسي، تخوفت من الإقدام على هذه الخطوة فهي صعبة من جميع جوانبها وتحتاج إلى صلابة وخاصة أن الدراسة تستمر خمس سنوات متواصلة، وفي النهاية طرحت مخاوفي جانباً وقررت السفر. يكاد من حولي يسمعون ضربات قلبي المتسارعة وأنا أبدأ أولى خطواتي نحو المطار لاستقل الطائرة إلى رحلة العلم في البلاد المجهولة لي وسالت دموع الضعف من عيني وعجزت عن السيطرة عليها وأنا أرى الدموع في عيون المودعين جميعاً، أبي وأمي وإخوتي، المشهد أقرب إلى تشييعي من توديعي ودخلت صفوف المسافرين، ثم الطائرة والأفكار تزاحمت على رأسي الذي امتلأ بالأوهام والخيالات وحاولت أن أتذكر من سبقني من العلماء العرب الكبار إلى بلاد الغرب، ثم عادوا منها ليصنعوا المجد. لا أنكر أن الأيام والأسابيع الأولى كانت قاسية وفوق طاقتي واحتمالي، حتى كدت أعود أدراجي واتخذ قراراً جنونياً بعدم إكمال المهمة، ولم أتسرع في هذا التهور، وانشغلت بترتيبات الدراسة والمحاضرات والإقامة، غير أنني واجهت مشكلة مادية أكبر من إمكانات أسرتي المتوسطة، إنني بحاجة إلى مبالغ كبيرة فلجأت - كما يفعل الكثيرون - إلى العمل بجانب الدراسة، وتنقلت بين الكثير من الأعمال التي لا أجيدها، حتى استقر بي المطاف في شركة للوساطة في تأجير العقارات ورغم انعدام خبرتي في هذا المجال فإنه لم يكن بحاجة إلى قدرات خارقة، فيكفي بعض المعلومات ووسيلة التعامل مع كل الأطراف لإنجاز المهمة المطلوبة، وخلال أسابيع معدودة كنت واحدة من أعمدة العاملين بالشركة وجذبت مهارتي انتباه صاحب العمل الذي أثنى على جهودي، وقدم لي أكثر من مرة مبالغ كبيرة نظير إخلاصي وتميزي، ومع هذه الأجواء استطعت أن أوازن بين الدراسة والعمل وأن انغمس فيهما وشجعني زملائي وكثيرون منهم كانوا يساعدونني إعجاباً بتجربتي، حتى اعتاد لأسابيع ولشهور وهي تمر تباعاً وتخلصت من الإحساس بالغربة. والأمر الذي لم يخطر لي على بال أن صاحب الشركة الذي يكبرني ربما بعشرين عاماً أو نحو ذلك فأنا الآن في الخامسة والعشرين وهو في الخامسة والأربعين ومازال يتمتع بالشباب والحيوية، يفاتحني في أمر زواجنا، المفاجأة ألجمت لساني، فقد كنت اقترب من الحصول على درجة الماجستير، واحلم بالعودة إلى بلادي نهائياً والاستقرار فيها والارتباط بواحد منها يناسبني في العمر، صحيح انه ليس في الرجل ما يعيبه، بل عنده مميزات تحلم بها مئات الفتيات لكني خشيت اتخاذ القرار المبدئي وحدي، فتحدثت مع أسرتي ووجدت عندهم قبولا وموافقة، وأخبرت العريس بذلك مع شرط وحيد وهو أن يتم إعلان الخطبة وتأجيل الزفاف عدة أشهر حتى انتهي من دراستي وتحقيق الهدف الذي جئت من أجله. ومنذ تلك اللحظة طلب مني خطيبي أن أتوقف تماما عن العمل وأن أوجه كل جهدي للدراسة، وقد كان كريماً أكثر من اللازم حيث وفر لي مسكناً مستقلا وهيأ لي كل ظروف ووسائل الراحة وتحمل كل النفقات، مع نزهة خيالية في نهاية كل أسبوع، عشت أياماً هي أقرب للأحلام، تغمرني السعادة حتى خفت أن استيقظ من هذا الحلم الجميل، وانتقلت من حلم جميل إلى حلم أجمل، فقد أنهيت دراستي وحصلت على الشهادة العليا وتزوجت مليونيرا صاحب أعمال وأموال، واتفقت معه على أن نظل في هذه العاصمة الأوروبية نواصل العمل وأن أكون بجانبه، وانطلقنا معاً في “شركتنا” نعيش في استقرار وهي تكبر بأيدينا وجهودنا، غير أن صلتي بأهلي وبلدي لم تنقطع أبداً، فالاتصالات مستمرة والزيارات متواصلة بل نقضي كل إجازاتنا السنوية في الوطن، حتى أنني في كل مرة استقل فيها الطائرة أتذكر الرحلة الأولى التي كانت أشبه بالمأساة وأقارن بينها وبين الرحلات الآن التي أصبحت فيها من ركاب الدرجة الأولى والاهتمام الخاص جداً والسيارات الفارهة التي تنتظرنا. لكن ما كان الإنسان ليحصل على كل شيء في هذه الدنيا فإذا أخذ شيئاً فقد أشياء، وقد كان الاختبار صعباً قاسياً على النفس البشرية، إذا لم نرزق أنا وزوجي بأطفال وفي البداية لم نقلق، ولكن مع مرور السنين تأثرت حالتنا النفسية بعض الشيء، لكن عزاءنا أنني اعتبرته ابني وهو اعتبرني ابنته، والغريب اننا بعد أول زيارة لطبيب أخبرنا أنه لا مانع من الإنجاب عند أي منا، وبعدها لم نزر طبيباً لهذا السبب ورضينا بما يقسمه الله لنا، ولم نجعل هذه المسألة تسيطر على حياتنا ولا تصيبنا باليأس، ولم نحولها إلى أزمة كما يفعل الكثيرون، ولا انكر أن الحلم بالإنجاب يراودنا بين الحين والآخر خلال الاثنين والعشرين عاماً التي هي عمر زواجنا، بعدها انتقل زوجي إلى جوار ربه، وكنت الوريثة الوحيدة له، وودعت فيه الإخلاص والحنان وورثت الملايين من الدولارات، لكن ما عساها تفيد وأنا وحيدة في هذه البلاد التي لا تعرف غير المصالح الشخصية. عدت في إحدى الإجازات السنوية، فجاءت ابنة عمتي وزوجها المطرب المشهور زائرين ومعزيين في زوجي الراحل، وراحا يبديان استعدادهما لتقديم أي خدمة أو مساعدة احتاج اليها، فشكرتهما على هذه المشاعر، واستطاعا أن يخرجاني من أحزاني، وتوثقت الصداقة بيننا، وبعد عودتي رتبت حفلا غنائياً كبيراً في العاصمة الأوروبية لزوج ابنة عمتي رداً لما فعله معي وعرفاناً بالجميل، وكانت معه زوجته، قدمت لهما بعض الهدايا الثمينة، وعندما تعرض زوج ابنة عمتي لأزمة قضائية بسبب شيكات بدون رصيد وصدرت فيها أحكام رأيت أن من واجبي أن أشارك بدوري في هذه المشكلة وقدمت لهما المال الكافي حتى لا يتم إيداعه السجن وتم وقف الأحكام وما فعلت ذلك إلا من أجل الصداقة ورد الجميل ولم انتظر شيئاً مقابل هذا، وقد وجدت في عينيهما المزيد من العرفان والامتنان لي. ولا أدري يقينا السبب الأساسي الذي أدى إلى سوء العلاقة بين ابنة عمتي وزوجها، بل أنها تدهورت سريعاً حتى وصلت إلى الطلاق، وقيل لي أن السبب هو كثرة علاقاته النسائية، وربما غيرتها الشديدة عليه، حيث إنه وسيم وتتهافت المعجبات عليه، سواء في الحفلات أو في أي مكان وقيل لي أيضا أن السبب الرئيسي هو سوء معاملته لها، وفي النهاية عندما تم الانفصال بينهما لم اهتم بمعرفة السبب ولم أبحث عنه، وقد استمرت علاقات الصداقة بيني وبينهما كل على حده، وبعد عامين اكتشفت أنني أبادل هذا الفنان مشاعر الحب، واعترف لي صراحة واعترفت له، وأخبرني بكل وضوح بأنني سأكون الزوجة الرابعة في حياته ولا يود أن يخفي عني ذلك ومن حقي أن أعرف هذه المعلومات، وأن فشل الزيجات الأربع السابقات لا ذنب له فيه، فطبيعة عمله يختلط بالنساء وهن اللاتي يطلبن التقاط الصور معه، وبعضهن تفصح عن إعجابها بفنه أو بشخصه وزوجاته كن يحاسبنه على تصرفات الأخريات، وطلبت منه أن يطوي صفحة الماضي وأن نبدأ من جديد. حفل زفافنا كان محدوداً، غير أن المدعوين والحضور كلهم من أهل الفن والغناء، وشارك كل منهم بعدة اغان مجاملة للعريس وقضينا بعد ذلك شهر عسل جميلا، ثم غادرت إلى حيث أعمالي وشركتي، وخلال عامين هما كل عمر زيجتنا حتى الآن هو يقيم هنا وأنا أقيم هناك، مجرد زوجين على الورق، لا يبادر أبدا باتصال هاتفي أو رسالة قصيرة، وعندما أعود في إجازة لا يهتم بوجودي فهو دائماً مشغول في السهر والحفلات، وبدأت الخلافات تعرف طريقها إلى حياتنا الزوجية إذا جاز التعبير أن نسميها كذلك، ووجدتني غير مضطرة لهذا النكد فجلست معه وتحدثت إليه بهدوء، وطلبت منه أن تظل الصداقة بيننا ولكن يجب أن يمضي كل إلى غايته وحال سبيله، كنت انتظر منه وهو الفنان المرهف أن يعاملني بنفس الأسلوب، لكنني وجدت أمامي ثوراً هائجاً يرفض ويهدد ويتوعد، فلجأت إلى ابنه الطالب الجامعي من زوجته الأولى وطلبت منه أن يتدخل عند ابيه لإنهاء المشكلة لكنه لم يستطع، فتوجهت إلى صديقه المقرب الذي يعمل طبيباً وهو الآخر مشهور، فرفض التدخل معتبراً أن المسألة عائلية وليس له أن يتدخل بيننا، لم أجد أمامي اختياراً سوى اللجوء إلى المحكمة. قدمت دعوى “خلع” ومعها “الجنيه اليتيم” الذي قدمه لي وهو كل ما حصلت عليه منه، فقد أفهمني خبراء المحكمة أنني يجب لاتمام “الخلع” أن ارد له كل ما قدمه لي من أموال سائلة أو منقولة أو ممتلكات، فأكدت لهم أنني لم أحصل منه على قليل ولا كثير كنت انفق عليه خلال هذه الفترة، ولا أبالغ إذ قلت أنني أنفقت عليه عدة ملايين وعندما ثم استدعاؤه لإخباره بطلبي فوجئت به يطالبني بسبعمئة ألف جنيه قيمة عقد من الألماس، ادعى انه قدمه لي هدية في حفل الزفاف، ولم يستطع أن يقدم مستند شراء، أو دليلا على ادعائه، بينما قدمت أنا للمحكمة “سي دي” عليه تفاصيل حفل الزفاف وبالطبع لم يكن يتضمن هدايا أو مجوهرات، وحصلت على حكم بخلعه. الآن فقط اكتشفت أنني لست الزوجة الرابعة كما ادعى وخدعني، بل الحقيقة المرة أنني الزوجة الثانية عشرة، حتى كاد قلبي ينخلع ويخرج من بين ضلوعي، وتأكدت أيضا أن وراء فشل كل هذه الزيجات ليس وسامته وغيرة الزوجات عليه، وإنما سوء معاملته لهن، وكلهن كن ضحايا للكلام المعسول الذي يتغنى به، ولا يجاوز طرف لسانه، حتى ربما لا يعرف معناه، وأما ما يخصني أنا إضافة إلى ذلك فقد حاول ابتزاز أموالى لأنه يعرف ثرائي ولا زوج لي ولا ولد وما كان الحب الذي أوهمني به إلا فخا للإيقاع بي وهو يستغل ظروفي، وإن كان من القسوة أن اعترف حتى بيني وبين نفسي أنني لست جميلة على غير العادة وإنما امرأة عادية، ولم أسأل نفسي لماذا وقع في غرامي؟ وعندما عرفت السبب بطل العجب. ميزان العدالة ملابس حمراء وراية سوداء أحمد محمد (القاهرة) - منذ شهر تقريبا لم يذق “رمزي” طعم النوم إلا إذا خارت قواه فيغفو للحظات يقوم بعدها مفزوعا، يتساءل عما يحدث من حوله ويهذي بكلمات غير مفهومة من يوم أن نطق القاضي بقرار المحكمة بإحالة أوراقه إلى المفتي لاتهامه في قضية قتل بشعة، فهو يعرف أن هذا يعني الحكم عليه بالإعدام لذا يعيش تلك الحالة الصعبة، فالليلة ما غمض له جفن قط حتى جاءه السجان في السادسة صباحا يفتح باب زنزانته ثم يقتاده الحراس إلى قاعة المحكمة، وطوال الطريق لم ينظر كما كان يفعل من قبل من النافذة بل اكتفى بوضع رأسه بين كفيه يريد أن يبكي لكن الدموع لا تستجيب والعين ترفض ويضرب كفا بكف ويفرك أصابعه ويأتي بحركات لا إرادية بلا معنى، إلى أن يصل الركب إلى ساحة المحكمة حيث يتم إنزاله مع بقية السجناء ثم يدخلونه القفص الحديدي ويدور بنظره فلا يجد أحدا من أقاربه أو أصدقائه بين الحضور الذين اكتظت بهم قاعة المحاكمة، وجاؤوا مع متهمين اخرين وجلس هو منزويا في أحد الأركان متجمد الملامح يحملق في السقف يمني نفسه بالإفلات من حبل المشنقة ومازال أمام المحكمة حوالي الساعة من الزمن حتى تبدأ الانعقاد بلا جدال إنها أطول ساعة في حياته كلها. عاد “رمزي” بذاكرته إلى الخلف طويلا لعدة سنوات تذكر التفاصيل العريضة لحياته فقد ترك الدراسة ولم يحصل على أي شهادة، وعمل وهو صبي في العديد من الحرف اليدوية لكنه لم يجد في أي منها ما يروق له أو يناسبه فمنها ما هو شاق ومنها ما لم يستطع التأقلم معه، وبعضها طرد منه حتى اصبح فتى في الخامسة عشرة عندما التحق بالعمل في محل كبير لبيع المجوهرات، كل مهمته إحضار المشروبات والمأكولات للعاملين أو ما يريده أي منهم، وتنظيف أماكن العرض وجوانب المكان ولا يتوقف عن الحركة وان توقف لحظة يجد الكثير من المهام التي يتم تكليفه بها أو توجيه الأوامر إليه بإنجازها وليس له إلا أن يقول سمعا وطاعة ومع هذا فقد تعلم أسرار المهنة وعرف الكثير من خباياها، وكيف يتعامل مع الزبائن ويجذب المشترين وسبل إقناعهم وإغرائهم وها هو يقوم ببعض أعمال الكبار من الباعة المحترفين، حتى اصبح واحدا منهم كأنه حصل على ترقية أو هي كذلك بالفعل وزاد اجره بشكل ملحوظ، لكنه بالمقارنة بالأرباح التي يحققها لعمله لا تذكر لذا فهو غير راض عن المبلغ الذي يحصل عليه، وخاصة انه اقترب من الخامسة والعشرين من عمره، ويريد أن يتزوج ويكون أسرة وبريق الذهب يكاد يذهب ببصره وخزينة المحل تمتلئ كل يوم من حصيلة البيع وخزائن المصوغات تمتلئ أيضا بكل جديد ولا ينال من هذا كله غير اللمس ونقله من هنا إلى هناك بلا فائدة وراح يعض شفتيه بحسرة ويندب حظه وتعاسته. وتندفع إلى رأس “رمزي” تلك الواقعة التي هي واحدة من المحطات المهمة في حياته عندما اعتزم الزواج وتقدم لصاحب المحل بطلب ليقرضه مبلغا من المال يرده إليه حين ميسرة وقد كان الرجل كريما، فأعطاه ما أراد رغم انه يشك في قدرته على السداد وما كان الزواج إلا عبئا جديدا على عاتقه، فازدادت مسؤولياته وتبعاته وأصبحت في عنقه أسرة لها مطالب لا تنقطع وما يحصل عليه يكفي بالكاد، وهناك ديون في رقبته والدائنون يلحون عليه في الطلب والسداد، فأصبح الدين هما بالليل ومذلة بالنهار، واصبح من المعتاد ان يأتي هؤلاء الدائنون إليه في عمله، وتحدث بينهم المشادات والمشاجرات، حتى ضاق به صاحب المحل وعاتبه مرات عديدة على ذلك لأن هذه التصرفات تسيء لسمعته شخصيا وهو رجل معروف بين التجار بالتزامه وتعاملاته الجادة لكن المشهد تكرر بعد ذلك حتى اعتاده أصحاب المحال المجاورة فلم يكن أمام صاحب المحل إلا أن يتخذ قراره بطرده حتى وان لم يسدد ماله عليه من دين، إنه لا يريد أن يخسر المزيد فالسمعة في التجارة اهم من المال. شعر “رمزي” بأن كرامته قد جرحت ولابد أن يثأر ولن يقبل أبدا تلك الكلمات التي وصفه بها بأنه مماطل ولا يعرف المروءة أو الالتزام، استحكم الغضب وهو يسترجع الموقف مرات ومرات حتى تحالف مع شيطانه ووضع خطته فهو يعرف منزل الرجل، فكثيرا ما ذهب إلى هناك لإحضار أو توصيل بعض الحاجيات، واعد سكينا وفي الصباح الباكر طرق الباب، فتح الرجل الباب فعاجله بطعنة أسكتته عن الكلام بعد صرخة عالية مدوية جاءت بعدها زوجته مذعورة تستكشف الأمر فوقعت عيناها على المشهد الدموي، العامل ينهال على زوجها بالطعنات الغادرة المتتالية حتى بعد أن سقط على الأرض بلا حراك فتستنجد بالجيران وتطلق صرخاتها التي كادت تحتبس في حلقها فيطاردها القاتل وكأنه أصابه الجنون وتحمي طفليها الصغيرين بصدرها تمنعه من الوصول إليهما وقد تملكهما الذعر والفزع حتى انهما بالا على نفسيهما من الخوف وسدد إليها طعنة في القلب أسقطتها على الصغيرين، بل وكانت كافية لإزهاق روحها وقبل أن يحاول الإجهاز على الطفلين شعر بخطوات الجيران ووقع أقدامهم تقترب منه فهرع إلى خزانة الملابس يختبئ فيها، وبداخلها وجد حقيبة مجوهرات يحتفظ بها التاجر، فتأبطها واعتقد أنها ستكون غنيمته، وقبل أن يسرح بأحلامه كان الجيران الذين تجمعوا وملأوا المسكن قد وصلوا اليه في مخبئه ليعثروا عليه وهو يحتضن الحقيبة امسكوا به وابلغوا الشرطة وتم القبض عليه بالجرم المشهود، دماء القتيلين على ملابسه والسكين موجود ولا حاجة لدليل اخر غير انه جلس يروي هذه الأحداث ويعترف بالتفصيل. ويتوقف “رمزي” عن مواصلة شريط الأحداث عندما يصيح حاجب المحكمة وينادي بمنع التدخين، فيخرج عن الوضع الذي كان عليه ثم يعود إلى ما لم يحدث، ويوجه لنفسه تساؤلات كثيرة لا حصر لها، ماذا لو سكت؟ وماذا لو وجه للرجل كلمات مماثلة؟ وماذا لو اكتفى بترك العمل؟ وماذا لو صارح احدا بما اعتزمه؟ وماذا لو لم يجد أحدا في المنزل؟ وماذا حتى لو كسرت قدمه في الطريق ولم يصل إلى هناك؟ وفي النهاية لم يجد جوابا لأي من هذه الأسئلة وغيرها لأنها لم تحدث، أنما يتوهم ويتمنى لو كان في كابوس وقد يستيقظ منه، ويعود الحاجب ليؤكد بصوته الجهوري انه ليس حلما وإنما حقيقة واقعة عندما ينادي بطريقته المعتادة ويقول “محكمة” إيذانا بدخول القضاة واعتلائهم المنصة. يسود صمت رهيب والأبصار كلها تتجه نحو رئيس المحكمة وهو يقلب في الأوراق التي بين يديه، ثم يقول: “حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة “رمزي” بالإعدام شنقا، رفعت الجلسة”، ثم يقتاده الحراس خارج القفص، حيث تعود المحكمة لنظر بقية القضايا، وفي نهاية الجلسات أعيد إلى سجنه، وقد توقفت عيناه عن الأبصار ولا يدور برأسه إلا مشهد النطق بالحكم وتتردد العبارات في أذنيه مرات ومرات بلا توقف وهو غير قادر على دفعها أو استبدالها بأي كلمات اخرى حتى ولو وضع أصابعه في أذنيه ويأتيه السجان بالملابس الحمراء، ملابس المحكوم عليهم بالإعدام، فيخلع الملابس البيضاء ويرتدي هذه الجديدة، ولأول مرة في حياته يكره اللون الأحمر، ويذكر انه لون الدماء التي سالت من الزوجين الذين ذبحهما في لحظة غضب، بل بعد تفكير وتدبير. ويواصل “رمزي” السهر الإجباري لا يعرف للنوم طعما انتظارا لرفع الراية السوداء فوق أسوار السجن إيذانا بتنفيذ حكم الإعدام فيه.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©