الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اندروماك ·· الجمال في خضم الحرب

اندروماك ·· الجمال في خضم الحرب
27 أغسطس 2008 23:26
استعاد المسرح الأثري الروماني بقرطاج مجده وبهاءه بعرض المسرحية التراجيدية: ''اندروماك'' على خشبته، فمنذ أكثر من عشرين عاماً لم تعرض مسرحيّة كلاسيكيّة بقرطاج، رغم أنّه كان من تقاليد المهرجان الدولي في سنواته الأولى أن يقع افتتاح كل دورة من دوراته بمسرحيّة كلاسيكية على غرار ''هملت'' لشكسبير، و''كاليغولا'' لألبير كامو، و''مراد الثالث'' للحبيب بولعراس، و''ثورة الزنج'' لعز الدين المدني، وغيرها كثير من المسرحيّات المكتوبة كلّها باللغة العربية الفصحى، إلا أنّ المسرح الكلاسيكي أصبح غائبا تماما في برامج مهرجان قرطاج الدولي في دوراته الكثيرة السابقة، لذلك جاء عرض مسرحية ''اندروماك'' استرجاعا لتقاليد المهرجان وعودة إلى أصوله· المسرحيّة هي إنتاج مشترك فرنسي سوري، كما ساهم في إنتاجها إسبانيا واليونان، وتمّ إعدادها ضمن فعاليات احتفال دمشق عاصمة للثقافة العربية ،2008 وعرضت في سوريا، وفرنسا، وإسبانيا، واليونان، وقد أعد المخرج الفرنسي جون كريستوف سايس المسرحيّة لتقدّم في مسارح قديمة، فجاء عرضها في المسرح الروماني بقرطاج متماشيّاً وهذا الاختيار، ممّا جعل الانسجام جليّا بين النص والمكان، والتناسق كاملا بين الممثلين والفضاء الذين تحركوا فيه· وتدور أحداث مسرحيّة ''اندروماك''، وهي من تأليف يوربيدس (الذي ولد عام 406 قبل الميلاد) في عهد سقوط طروادة على يد الإغريق وذلك 1200 عام قبل الميلاد، والمنتصر في الحرب نيوبتوليمس يأسر الأميرة الجميلة اندروماك أرملة الأمير هكتور كغنيمة· أنجبت اندروماك من نيوبتوليمس ابنا اسمه مولوتوس، ولأن زوجته الأولى هرميوني هي امرأة عاقر، فقد حاول والدها أن يغتال اندروماك وابنها دفاعاً عن مصالح ابنته ولكنه يخفق في مسعاه، ولأن الدين يكون دائماً موجوداً في نصوص المسرحيات القديمة، فإن آلهة البحر ثيتيس كانت حاضرة لتضفي ـ وفق الأسطورة الإغريقية ـ الشرعية على أبناء سبية الحرب: اندروماك· صراع ومقاومة ولأنّ من شروط البطل المأسوي في التراجيديا الكلاسيكيّة أن يصارع ثمّ ينهزم في الآخر، فانّ اندروماك كانت ضحيّة، بعد أن أخذها الأعداء من ضمن الغنائم والسبايا، ولكنها كانت ضحية غير سهلة، وغير مستسلمة، وقد اختار الكاتب الإغريقي أن يقدم شخصية اندروماك، كشخصية مهمّة وعظيمة تعصف بها الأقدار، فتكون عاجزة أمام مصيرها المأسوي، ولكنّها تناضل لتستعيد حريّتها ولتحافظ على ابنها وتقاوم رغم ادراكها بأن مصائب الدهر تسحقها سحقا· إنّ قوة نص ''اندروماك'' والذي كتب على طريقة القدامى، بطريقة التصوير المعبّر تمثلت في إبراز الصراع الذي عاشته البطلة بين أصلها الطروادي والوسط الإغريقي الجديد في اليونان الذي ينبذها· ورغم انه نص كلاسيكي، فأنه يؤدي دور ما يمكن أن نسميه بالتحليل النفسي لينصبّ الكل في قالب واحد خدمة للتراجيديا لإظهار المواجهة بين البطلة اندروماك والقدر الذي يسحقها· ومن شروط المأساة الكلاسيكية أن يكون البطل من الأشراف ملكاً، أو أميراً أو وزيراً، فاندروماك هي أميرة منفية بعد سقوط طروادة على يد الإغريق، وهي في كل فصول المسرحية تعيش صراعاً مريرا بين الواقع والحقيقة، وتعيش تمزقاً بين أصلها الطروادي وبين وجودها في وسط جديد يكرهها ومع زوج جديد، اقترنت به غصباً عنها بعد أن رأت زوجها السابق هكتور يموت أمامها تحت ضربات الأعداء، وشاهدته يجر جرا مشدودا بالحبال الى عربة المنتصرين عليه، وتتخلل المسرحية أحداث تراجيدية قوامها الصراع، والانتقام، والغيرة، والتمزق، وتدور كلها في فلك الحب والكراهية، فكل شخصيات المسرحية هي شخصيات حائرة ومعذبة· وهناك من النقاد من قدم قراءة ربما تكون متعسفة تريد أن تلقي على المسرحية تفسيرا معاصرا بتقديم اندروماك كأنها الشرق الأسير المهزوم اليوم، والإغريق هو الغرب الظالم، واستمعت الى من يقول إن موضوع المسرحية الإغريقية يحمل رمزا معاصرا يتمثل في تقديم العرب وكأنهم أسرى معاصرين على غرار اندروماك، ولكن المخرج نفى وأجاب بوضوح بأنه ليس لديه رسائل سياسية يريد ابلاغها، ولكنه اعترف بأن المسرحية تلمح الى صراع الغرب والشرق، وأنه يريد أن يبرز نصاً يتحدث عن الحرية، وأنّ الخطاب في المسرحية كانت خطابا إنسانيا· تلاقح اللغات وتمثلت خصوصية العرض الذي تواصل على امتداد ساعتين في إشراك تسعة ممثلين وممثلات من سوريا، وخمسة من الفرنسيين، في ديكور بسيط، كما كان العرض باللغتين العربية والفرنسية، وهو أمر مقصود، وتجربة جديدة للمخرج الذي قال إنه أراد أن يبرز من خلالها تلاقح اللغات، وقد جسدت الممثلة حلا عمران دور اندروماك، ونجحت في أداء دورها ايّما نجاح، وهي التي شاركت من قبل في تمثيل أدوار تراجيدية في مسرحيات كلاسيكية مثل فيدرا، ومما ساعد الممثلة على ابراز مقدرتها في الأداء أن النص كان ثرياً، بليغاً، كما انها كانت في شخصيتها المنطلق، واليها تعود الأحداث دائما· وقد ظهر بوضوح أثناء العرض أن التركيب الداخلي للنص شد الجمهور، ورغم أن المسرحية هي مسرحية كلاسيكية، إلا أن اللغة كانت لغة حية، والأحداث جاءت مشوقة، وهو ما أثار في المتفرج والمتابع تعلقا بما سيأتي· والملفت أن الجمهور الحاضر كان قليلا، وكثير منه كان من الأجانب والمقيمين وقلة قليلة من الجمهور التونسي، الذي لم يعد يجلبه مثل هذا المسرح الراقي، ولكنّ الحقيقة أن مثل هذه المسرحية موجهة في لغتها، وموضوعها للنخبة، وليس للعامة إذ لا بدّ للمتفرج أن يحسن فهم اللغة الفرنسية ليتابع الأحداث ويستمتع بالحوار· فالبطلة حلا عمران كانت تؤدي دورها وتتحدث باللغة العربية الفصحى بنطق جميل، والقاء بديع في حوارها وهي وحيدة مع نفسها أو عندما تكون مع رفاقها الأسرى مثلها، ولكنها كانت تستعمل اللسان الفرنسي عندما تتحدث مع أعدائها الإغريق اللذين أسروها، فكأنّ اللغة العربية هنا تعبّر عن أهل طروادة الأسرى المهزومين، واللغة الفرنسية كأنها لغة الإغريق المنتصرين، علما بأن النص العربي هو من ترجمة د· ماري الياس· والى جانب حلا عمران التي جسدت شخصية اندروماك، فإن بقية الممثلين السوريين هم كامل نجمة ولمى حكيم ولويز عبد الكريم، وكوزيت حداد، وايمان عودة، نسرين فندي، ورنا اليازجي وأميرة حديفي·
المصدر: تونس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©