الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الصين وروسيا..الرقص على نيران الأزمة

الصين وروسيا..الرقص على نيران الأزمة
11 ابريل 2013 23:24
لابد من ملاحظة أن العلاقة بين الصين وكوريا الشمالية، لا تخضع للقوانين الدولية والاتفاقيات المتعارف عليها في العلاقات الدولية. ذلك أن الصين جار وحليف أزلي، وصديق في وقت الضيق. ورغم أن بيونج يانج ترى في تصويت بكين على فرض عقوبات جديدة ضدها في مجلس الأمن الدولي نقطة سوداء، لكنها ليست حالكة السواد. كوريا الشمالية تنظر إلى عشر سنوات من المفاوضات السداسية التي استضافتها الصين وفشلت في وقف سياسات أميركا العدائية تجاهها، بأنها حسابات متراكمة، حان الوقت لتدفعها بكين. ولكن الحسابات بين الجارين الحليفين لاترقى إلى حالة الحرب، فبيونج يانج تستعين بالصينيين في برامجها التسليحية وتطويرها، بل إنها طورت نسخا صينية لبعض أنواع الصواريخ، مما يبين بشكل واضح حقيقة العلاقة بين البلدين. لقد كانت كوريا الشمالية دائما الدرع الاستراتيجي لخاصرة الصين الشمالية، لكنها اليوم صارت تشكل عبئا وصداعا استراتيجيا أكثر من الصداع الأميركي. وبالتأكيد فإن الصين تختبر نشر استراتيجياتها في المنطقة في مواجهة الاستراتيجيات الأميركية التي تحاول إيقاف النمو الصيني، وتطورها العسكري المتصاعد. ولذا يبدو الدهاء الصيني يلعب دورا مزدوجا. بكين محكومة بقيود محددة منها معاهدة حظر انتشار الأسلحة، واتفاقات دولية تضعها بالفيتو الذي تملك حقه في مجلس الأمن الدولي أمام مسؤولية، تؤرقها، فلابد لحامل الفيتو من الالتزام وتطبيق وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، وهي هنا مجبرة على تطبيق قرارات مجلس الأمن ضد حليفتها كوريا الشمالية. لكنها ايضا من باب موارب تسعى للحفاظ على القوات الوضعية في كوريا الشمالية، فمن مصلحتها عدم تعرض الحليف الكوري للضغط الدولي الشديد، لأنه من جانب نافذة الصين في مواجهة المد الأميركي، ومن جانب آخر الظهير الذي تحتمي به وسط السعي الأميركي المحموم للتوسع في آسيا، لذا فهي تريد للحليف الكوري الشمالي ألا يتعرض لإجراءات قد تحد من حركته، وتريد بعبارة أخرى السماح لكوريا الشمالية بهامش من الحركة. ومن وجهة نظر الكوريين الجنوبيين، يتوجب على الصين القيام بدورها باعتبارها القوة الأكبر في المنطقة، في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين، وبالتالي كبح جماح كوريا الشمالية من استمرار زيادة التوتر، وإعادة الحصان النافر إلى طاولة المفاوضات. وبين الجاريين المتناحرين في الشمال والجنوب، ترى بكين أن دورها اليوم إقليمي، ولذا فقد هيأت الأرض الصينية بالتغييرات السياسية المطلوبة لذلك الدور الذي بات أولوية في سياستها اليوم. ورغم أنها ترى في الرئيس الكوري الشاب كيم جونج أون زعيما “متهورا” لايمتلك الخبرة كوالده وجده، ويسعى لاختلاق الأزمات وافتعالها”، لكنها تجد فيه عود الثقاب الذي يمكنها إشعاله في الوقت المناسب، ولن تحتاج إلى الكثير، فالرجل مندفع في حكمه وبلده النووي يعاني أصلا من أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية ودبلوماسية خانقة، وقد تؤدي خطوة “حمقاء” كتلك التي تؤجج منطقة المحيط الهادي، إلى كارثة محققة. الصين إذن تسعى إلى فرض عناصر الأمر الواقع على الأرض الآسيوية، هي تريد تمرير رسالة إلى الولايات المتحدة أنها لن تستطيع المرور على تلك الجسور في المنطقة دون بوابة الصين وبالتأكيد حليفتها. لذلك فإن بكين تؤيد ما تطمح إليه بيونج يانج من : الاعتراف بكوريا الشمالية كقوة نووية لأن ذلك يعزز بوابتها الشرقية وهيمنتها على الساحل الغربي للمحيط الهادئ، وبدون حليف قوي تبقى مصالحها في مهب الريح. تغيير الواقع السياسي وفرض واقع استراتيجي وأمني مختلف. العودة للمحادثات السداسية وفق شروط كوريا الشمالية، ومنها إنهاء حالة الحرب وتقديم مساعدات للشماليين لا تساومها عليها الدول المانحة. الاعتراف بحق كوريا الشمالية ببرنامج نووي سلمي. وفي إطار سعيها للدفع بمصالح حليفها الكوري الشمالي، فهي تريد للدولة الشيوعية أن تجلس إلى طاولة الولايات المتحدة، وجها لوجه في مفاوضات ثنائية لوضع الكثير من الأمور على ورق لايبلى كلما هبت ريح المحيط الهادئ. أما روسيا فرغم موقفها المعلن والرافض لمواقف كوريا الشمالية، إلا أنها تعمل بشكل دؤوب على “تطبيع الوضع في شبه الجزيرة الكورية”. وقد عرض وزير الخارجية وجهة النظر الروسية بقوله “نحن على قناعة بأن الوضع خطير أصلا، لأن التفجيرات النووية وإطلاق الصواريخ أمر جدي، لكن لهجة التصريحات تلعب دورا ليس أقل ضررا، لأن الاتهامات والتهديدات المتبادلة في لحظة معينة قد تصل إلى نقطة حرجة، وعندها سيحرج الأشخاص أنفسهم وسيكون من الضروري اتخاذ خطوات وعرض شيء ما على الرأي العام”. ويرفض الروس أي إجراءات تتعلق بالتلويح بالقدرات العسكرية الاستراتيجية في المنطقة، ويطالبون بالتخلي عن استعراض القوة، وقد لعبوا دورا في التهدئة بين إيران والغرب بينما كانوا يبنون مفاعلاتها النووية. اذا الروس مستفيدون مثل الصين من وجود قوة إقليمية تشكل مثلثا مقابلا لـ”المثلث الذهبي” الأميركي في المحيط الهادي. لكنهم بالمقابل لايريدون اشتعال الحروب قرب مصادر طاقتهم، التي توفر لهم نموا يشكل مع النمو الصيني قوة اقتصادية لايستهان بها.. روسيا والصين أمراء آسيا، هما اللاعبان الجيواستراتيجيان واللذان حذر كبار مخططي الاستراتيجية الأميركية من قيامهما كجدار استراتيجي بوجه التوسع الأميركي. وموسكو لا تختلف عن بكين في سياستها تجاه بيونج يانج، فهي تريد أيضا عودة الكوريين الشماليين إلى طاولة المفاوضات السداسية، وتغيير الواقع الأمني والاستراتيجي. لكن الروس لا يؤيدون “انتهاك بيونج يانج لقرار مجلس الأمن”، وهي عبارة لا تزيد عن كونها موقف من باب الالتزام كقوة حاملة للفيتو في مجلس الأمن. الروس إذا إلى جانب الصين يحاولون خلق واقع استراتيجي جديد ولو تطلب الأمر الرقص على نيران الأزمة الكورية الشمالية وصواريخ “الحليف المجنون”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©