الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشخصية الإسرائيلية والمنطقة الرمادية

الشخصية الإسرائيلية والمنطقة الرمادية
27 أغسطس 2008 00:12
عندما كنت في التاسعة من عمري، كنت أعيش في مدينة القدس، في قمة الانتفاضة الثانية عندما فجّر رجل نفسه خارج مدرستي، فقد كنت أذهب إلى مدرسة القدس الدولية، وهي المدرسة الوحيدة باللغة الإنجليزية هناك، وكان المبنى الحجري الضخم في الماضي مستشفى ولدت جدتي فيه والدي؛ ويقع المبنى على شارع يشكل معبراً بين القدس الشرقية والغريبة، وهو شارع ''هانيفييم''، ولكن قبل ست سنوات أطلق عليه سكان القدس المرعوبون اسم ''ممر الانتحاريين''، لأن العديد من المفجرين الانتحاريين عبروه من الشرق إلى الغرب، وقاموا أحياناً بالتفجير وهم في طريقهم إلى أهدافهم· ذهبت قبل المدرسة الدولية إلى مدرسة أخرى في نفس الشارع حيث كنت أقيم مع عائلتي، قرب حي المستعمرة الألمانية، وكان الطلاب المشاغبون قبل بدء الدراسة يقفون على كراسيهم ويصرخون ''الموت للعرب·· الموت للعرب''؛ وكان الجميع ينضمون إلى الجوقة· كنت أنا وصديقتي البريطانية ليا نجلس منفصلتين عن الأطفال الآخرين نقرأ الكتب الإنجليزية؛ وعندما انتقلت إلى المدرسة الدولية اعتقدت أنها منطقة آمنة، إلى أن أتى المفجّر الانتحاري يمر عبر الشارع الذي سقط رأسه في ملعب المدرسة الفرنسية المجاورة لمدرستنا! مر أكثر من نصف عقد من الزمان منذ تلك الحادثة، وغادرت عائلتي القدس وانتقلت إلى ''أرلنجتون'' بفرجينيا؛ زاد عمري ست سنوات أخرى، وأصبحت أكبر وأكثر أمناً وحكمة؛ ورغم ذلك، عندما مشيت أنا ووالدي عبر مركز مدينة القدس في طريقنا إلى فندق ''دان بانوراما'' مؤخراً، كان من الصعب علي فهم مدى تغير الجو في مدينة القدس؛ فقد بدت الحياة طبيعية، فقد كان الناس الطبيعيون، يسرعون في الأزقة الضيقة في المدينة القديمة ذات الغالبية العربية بدلاً من الإسراع بالخروج منها؛ وكان فندق ''الملك داود'' ممتلئاً، بعد أن كان خاوياً من قبل؛ ولم تكن هناك حاجة لأكثر من ست سنوات لتحويل مدينة عنيفة مخيفة إلى مقصد مزدهر للسياح· ورغم ذلك، وخلال كافة الاجتماعات التي حضرتها طوال أيام ستة مع منظمة ''الأميركيون من أجل السلام الآن'' -أثناء رحلة تقصي الحقائق الشهر الماضي- كان هناك دائماً شعور بالإلحاح، ''الوقت ينفد بسرعة''، كان الجميع يقولون لنا: ''يجب القيام بعمل ما''؛ تساءلت كثيراً: ''لماذا؟'' انظروا إلى الخارج، يسير الأزواج على الأرصفة مع أطفالهم، ويجلس العرب في المقاهي مع اليهود، لماذا ''الوقت'' مهم؟ أدركت أخيراً أنه إذا لم تبدأ إسرائيل بالتغير الآن، فلن تتمكن من الاستمرار لفترة طويلة كدولة يهودية ديمقراطية، وسوف ينفد الوقت لديها إذا لم تتصرف فوراً لحل نزاعها مع الفلسطينيين جيرانها؛ صحيح أن التوصّل إلى معاهدة سلام الآن يبدو مستحيلاً، فجميع الحكومات غير شعبية، يتزعمها سياسيون ضعفاء على الجانبين إلى القوة السياسية وثقة الجمهور لتوقيع اتفاقية، ولكنهم اتفقوا كذلك أن بالإمكان تحقيق بعض التقدم الآن، وبأن أي تقدم مهم يعتمد على مساعدة من الإدارة الأميركية؛ إلا أن الأمر يعتمد بشكل رئيسي على الشعب الإسرائيلي؛ فقبل ست سنوات، استحوذت السياسة بشكل كامل تقريباً على الإسرائيليين· فقد أبدت إحدى المتحدثات في مؤتمرنا ''تامار هيرمان'' التي تقوم بإجراء استطلاعـــات صحفيـــة، ملاحظــة مفادهـــا أن الإسرائيليين ذهبوا إلى ما وراء التخلص من السياسة، فقد أصبحوا الآن معادين للسياسة؛ وأخبرتنا عن استطلاع أجري مؤخراً أظهر أن 25 بالمائة من الإسرائيليين يقولون إنهم يشعرون بالغثيان عندما يسمعون كلمة ''سياسة''· يكره الإسرائيليون كل ما يتعلق بالسياسة، رغم أنه يمكن للعملية السياسية في إسرائيل أن يكون لها وقع وجودي على مستقبل الدولــة· لدى الإسرائيليين بالطبع العديد من الأسباب لكي يكرهوا السياسيين والسياسة، فقد اتُّهِم رئيس الوزراء بانخراطه في فضائح فساد؛ كذلك اتُّهِم رئيس الدولة بقضايا اعتداء جنسي وتحرش جنسي، ويواجه سياسيون آخرون عقوبات بالسجن بسبب الفســاد· وأثناء حفل غداء مبكر يوم السبت قبل أن أغادر بصحبة والدي إلى واشنطن، أرانا صديق للعائلة ملصقة على غلاف الوجبة الغذائية البلاستيكي في الطائرة -في رحلة قام بها مؤخراً إلى الخارج- كان عليها تعبير للتعايش السلمي، ختم يدل على أن الطعام مقبول دينياً لليهود وكذلك حلال للمسلمين؛ ''هنا بالضبط يكمن الأمل في السلام!''، قال صديقنا منتصراً· تساءلت ماذا سيكون الوضع عليه في المرة القادمة عندما آتي إلى إسرائيل؟ هل سيكون القادة الإسرائيليون حققوا خطوات هامة باتجاه السلام؟ هل سيكون الزعماء الفلسطينيون فعلوا ذلك؟ هل سيحقق الأميركيون ذلك؟ هل يهتم الناس أصلاً؟ أم هل سأعلق في وسط انتفاضة ثالثة؟ آمل أن يتوقف الناس، عندما أقوم بزيارتي التالية عن النظر إلى العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية بالأسود والأبيض؛ وأن يركّزوا بدلاً من ذلك على الألوان الرمادية· آمل أن يدركوا أن ''السلام'' الذي يعيشون فيه الآن هو سلام مؤقت زائف· على المدى البعيـــد، لـــن تكــــون الحيـــاة لا طبيعية ولا مستدامة ما لم يقدّموا التضحيات والخيارات الصعبة التي يتوجب تقديمها لتحقيق السلام مع جيرانهم· لقد عدت إلى ''أرلنجتون'' الآن، وتبدو إسرائيل بعيدة جداً؛ ولكن بغض النظر عن وجودي في أي مكان سوف تستمـــر مشاكـــل تلـــك الدولة الصغيـــرة جداً والمعقدة بالتأثير على حياتي، وسيخرج النزاع عن السيطرة إذا استمررنا فـــي تجاهلهـــم· نوا نير- فرجينيا ناشطة في منظمة الأميركيون من أجل السلام الآن ينشر بترتيب خاص مع خدمة كومون جراوند الأميركية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©