الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضمانات البقاء...

ضمانات البقاء...
23 ابريل 2014 20:04
يناقش كتاب “مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي” واحدة من أخطر القضايا التي تواجهها الدولة الوطنية منذ تأسيسها، ويلقي الضوء على تعقيداتها وتداعياتها، كما يقرأ بعين الفاحص المحلل مستقبلها على المدى البعيد. وربما يأتي تميز الكتاب في نظرته الاستشرافية من تنوع الدراسات التي يضمها بين دفتيه، سواء على مستوى النظر إلى القضية المطروحة، أو في المرجعيات والخلفيات التي تنطلق منها الدراسات. فالكتاب يجمع بين دفتيه أعمال المنتدى الثامن لصحيفة “الاتحاد”، والذي انعقد يومي 27 و28 أكتوبر 2013، وكان موضوع منتداها عن “مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي” وهو عنوان فرضته ظروف سياسية فارقة في العالم العربي، فضلاً عن التحديات الدائمة التي تفرضها العولمة على هذا الصعيد. محاور ومضامين ينقسم الكتاب إلى خمسة محاور، الأول: “الدولة الوطنية.. المفهوم والأسس”، وفيه كتب محمد المر رئيس المجلس الوطني بحثاً بعنوان “مفهوم الوطنية ودلائل الانتماء للوطن”، قام خلاله بتأصيل مفهوم الدولة الوطنية وتعريفاتها العلمية، متتبعاً ظهور المفهوم في الموسوعات الدولية، فيما عالج محمد أوجار في بحثه المعنون بـ “الدولة الوطنية في زمن التحولات” ما تواجهه الدولة الوطنية من تحديات معاصرة، أما عمار علي حسن فكتب عن “آليات تحقيق التكامل الوطني”، وقام بالتعقيب على هذا المحور السيد يسين. وفي المحور الثاني الخاص بـ “التحديات التي تواجه الدولة الوطنية.. رؤى وتجارب”، كتب الدكتور سلطان محمد النعيمي عن “عوامل تفتيت أسس التكامل”، فيما تحدث الدكتور أحمد عبدالملك عن “تجارب عربية في اهتزاز التكامل الوطني”، أما البحث الثالث المعنون بـ “أثر التدخلات الخارجية في هدم التكامل الوطني” فكان للدكتور عبدالله جمعة الحاج، وقد عقب على هذا المحور الدكتور رياض نعسان آغا. وخصص المحور الثالث لـ “تأثير النزعة الأممية للإسلام السياسي على الدولة الوطنية”، حيث ناقش سالم سالمين “الخطر السياسي والدولة المدنية” وتحدث محمد السماك عن “خطر الطائفية على الدولة الوطنية”، وعالج الدكتور عبدالحميد الأنصاري “فكرة الخلافة كأداة للقفر على البعد الوطني”، أما التعقيب فكان لمنصور النقيدان. وكان التكامل الوطني موضوع المحور الرابع وفيه بحث بعنوان: “محددات التكامل في الدولة الوطنية” للدكتور عبدالله المدني، و”تأثير النشأ ة على أسس التكامل” للدكتور رضوان السيد، و”الدور الثقافي في تعزيز التكامل الوطني” للدكتور وحيد عبدالمجيد، ثم تعقيب عبدالوهاب بدرخان. وعُني المحور الخامس بـ “آليات وإجراءات تعزيز التكامل الوطني”، وفيه كتب محمد العسومي عن “التنمية الشاملة والمستدامة كمنهج لصيانة التكامل”، فيما تناول الدكتور علي الطراح “دور التنشئة السياسية في تعزيز المواطنة”، وقام بالتعقيب د. شملان العيسى. ومما ينبغي ذكره أن الكتاب لم يهمل مداخلات الحضور ومناقشاتهم حيث أدرجت وقائعها في نهاية كل محور، مما انعكس ثراء على الدراسات وفتح المجال لأسئلة جوهرية تتعلق بالمحور المطروح، وتأخذه إلى مديات علمية ومنهجية وفكرية أبعد وأكثر اتساعاً. قوة الأوطان من داخلها قدم للكتاب محمد الحمادي رئيس تحرير جريدة “الاتحاد”، موضحاً أسباب اختيار “مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي” موضوعاً للمنتدى ليُدار حوله الجدل، فقال: “يأتي موضوع المنتدى في مرحلة تموجُ فيها المنطقة بحراك خطير دخل الآن عامه الثالث، وعلت خلاله أصوات المتطرفين، وظهرت دعوات التفتيت والتجزئة، وأسفر هذا عن توترات وتراجعات أعادت بعض الدول إلى الوراء سنوات وربما عقودا.. ومن هنا تأتي أهمية رصد مصادر تهديد الوحدة الوطنية، ومخاطر الحركات المتطرفة التي تتاجر بالدين وتضرب الانتماء للأوطان وتعصف بالتماسك الاجتماعي وتسعى لمصادرة حقوق الشعوب في التنمية والتطور”. وعرج الحمادي على تجارب الدولة الوطنية في إخفاقاتها ونجاحاتها، ليضيف: “أثبتت الأيام أن الدولة التي تتمتع بتماسك اجتماعي وتلاحم بين شعبها وقيادتها قادرة على التصدي لفتن “الإسلام السياسي” وحركاته وتنظيماته المعادية للأوطان والمتاجرة بالدين. وخلال الآونة الأخيرة شهد العالم العربي تصاعداً للاستقطاب المذهبي الذي يضر بتماسك الدول، والأخطر من هذا هو وجود تدخلات خارجية تؤجج الاستقطاب وتسفر عن أضرار جسيمة بالتماسك الاجتماعي”. وتابع قائلاً: “في العالم نماذج لمجتمعات نجحت في إدارة تنوعها العرقي والمذهبي، وفي المقابل هناك دول فشلت في ضمان الانسجام بين مكوناتها العرقية والمذهبية، وتعرضت وحدتها الوطنية للخطر، بل و تواجه خطر التشظي عبر التقسيم والتفتيت. وفي ظل التطورات المتسارعة في منطقتنا، من المهم التأكيد على مفهوم الوطنية، ودلائل الانتماء للوطن، ودرء أي خطر يثير النعرات الطائفية والمذهبية.. وتلك مهمة ليست سهلة، كونها تتطلب عملاً متكاملاً وممنهجاً تشارك فيه كل مؤسسات الدولة من تعليم وإعلام، والأهم هو وعي الشعوب بضرورة تماسك أوطانها في وجه أي مهددات تطال تكاملها وسلامتها”. وأشار الحمادي إلى الكيفية التي يتم بها صيانة الدولة الوطنية والحفاظ على مكتسباتها بقوله: “للتصدي لمخاطر من هذا النوع فإن الرهان الآن على البناء لا الهدم، على التماسك لا التشتيت والتمزيق، وفي هذا السياق ليس هناك ما هو أفضل من تعزيز أسس التكامل الوطني، وتحقيق التنمية الشاملة، فقوة الأوطان تنبع من داخلها.. من سواعد أبنائها وحبهم لوطنهم، ورفضهم للتيارات المغرضة، وإدراكهم لأهمية الاستقرار والتنمية”. تحديات بالجملة يذكر الكتاب أسباب اختيار “مستقبل الدولة الوطنية في العالم العربي” لتكون موضوعاً للمنتدى، ومنها: وصول الإسلام السياسي إلى الحكم في مصر، وتصاعد نفوذه في غير بلد عربي، واهتزاز التجارب الوحدوية في بعض البلدان العربية، وكذلك احتمالات تفتت دول عربية إلى كيانات أصغر، ومنها أيضاً الدول التي تواجه صعوبات في تحقيق الاندماج الطوعي بين العناصر التي تشكل القوام الرئيسي لقوتها البشرية، والتي تتوزع على انتماءات عرقية ودينية ومذهبية وجهوية وطبقية، وهناك أيضاً التحدي الذي تواجهه “سيادة الدولة” مفهوماً ووضعاً وواقعاً، في ظل معطيات العولمة التي أذابت الكثير من القيود والحدود والسدود، سواء بثورة الاتصالات أو الشركات متعددة الجنسيات أو التدفق الهائل للمعرفة، والهجرات المفتوحة بين القارات والمؤسسات العالمية والقوانين وإعلانات المبادئ الموجهة للإنسانية جمعاء والتي تدخل إلى دساتير الدول وقوانينها المحلية، وكذلك الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب والجريمة المنظمة ضد الجميع، والتي تسيح في مشارق الأرض ومغاربها، مستغلة التقدم في سرعة المواصلات الذي اختصر الزمان وطوى المكان. ويلاحظ القارئ النظرة الشاملة في تناول هذه القضية، وفي توزيع المحاور التي مزجت أو قرنت بين الجانبين: النظري والتطبيقي، حيث روعي في تفصيل الموضوع أن يشمل ثلاثة مسارات أساسية: الأول؛ إطار نظري يقدم تعريفا لمفهوم الدولة الوطنية ومحدداته والتحديات التي تواجهها. والثاني؛ عرض لتجارب تطبيقية أو ميدانية للاستدلال على المقولات النظرية، وإعطائها عمقاً وتبريراً من خلال النزول من التنظير إلى التفاعل مع الواقع المعيش. والثالث؛ معالجة إحاطية للموضوع بفحص مختلف جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية، عكسها تنوع الخلفيات المعرفية والخبرات الحياتية للكتّاب والباحثين الذين تصدوا لكتابة الأوراق أو التعقيب عليها، وهم من كتّاب جريدة “الاتحاد”، والرابع؛ عدم الاكتفاء بتشخيص المشكلة إنما طرح سبل أو وسائل حلها والتعامل معها، من خلال تقديم خلاصات ومقترحات وتوصيات. أخيراً... لا شك في أن الدولة الوطنية تواجه منذ سنوات تحديات عديدة، بعضها داخلي وبعضها خارجي، إنما يأتي الخطر الحقيقي من بنية الدولة الوطنية ذاتها، من أسسها ومداميكها التأسيسية، ما يشكل تهديداً بنيوياً يخلخل قواعدها الاستنادية، ألا وهو فشل معظم الدول الوطنية في ممارستها السياسية في تحقيق العدل بين طوائفها وإثنياتها وأعراقها وفق مفهوم المواطنة الكاملة، ما جعل بعضها قابلاً للاهتزاز والقلاقل بل والثورات العارمة، ويبدو أن على أي دولة تريد أن تحافظ على وجودها وكيانها ومكتسباتها أن تحقق العدل بين مواطنيها، لكي تدرأ احتمالات التذمر والتوتر وتعزز تكاملها الوطني، وما يبنى على حق لا يفلح الباطل في زحزحته قيد أنملة. والحال أن العدل من جهة الدولة، والوعي من جهة مواطنيها، هو الضمانة الحقيقية للأمن والأمان والتقدم والرقي، وهو عدل لن يتحقق على الوجه الأكمل ــ كما جاء في الكتاب ــ إلا بإطار عادل يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ويرفع مبدأ “الاستحقاق والجدارة” أساساً لحيازة المواقع والمناصب والمكاسب داخل الدولة، ويجعل القانون بقواعده العامة المجردة حكماً بين الكل من دون تفرقة، وينحاز إلى مدنية الحكم وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©