الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

خط أنابيب روسي يعيد رسم خريطة الطاقة الأوروبية

خط أنابيب روسي يعيد رسم خريطة الطاقة الأوروبية
6 نوفمبر 2009 22:38
فيما يقترب إطلاق صافرة البداية لتمديد خط أنابيب الغاز المقترح الجديد الذي يعرف باسم “خط أنابيب نورد ستريم” فقد باتت شركة جاز بروم عملاقة الغاز الطبيعي في روسيا على أعتاب إعادة تشكيل ورسم خريطة الطاقة في كامل القارة الأوروبية. ولكن وفيما يبدو فإن المخاطر لن تتعلق فقط في هذه المرة بحرية تدفق إمدادات الطاقة، إذ أن مشروع خط الأنابيب الروسي - الألماني “نورد ستريم” المقرر إنجازه في عام 2011، بدأ يجلب معه العديد من المخاوف الجيو سياسية التي من شأنها أن تفضي إلى مرحلة من النزاعات والصراعات في وسط وشرق أوروبا. ولما كان من المقدر لخطة خط الأنابيب التي تم الكشف عنها في السنوات القليلة الماضية أن تهدف لصيانة والمحافظة على دول الاتحاد الأوروبي في كتلة موحدة وتعزيز أمن الطاقة المشترك لهذه الدول مجتمعة إلا أن هذا الأمر فيما يبدو أخذ في التراجع والانهيار مفسحاً المجال إلى المصالح المالية الضيقة والشخصيات المتنفذة التي تحالفت مع المشروع. وكان فيلاديمير بوتين رئيس الوزراء الروسي قد طالب نظيره الدنماركي في الشهر الماضي بضرورة منح روسيا الترخيص اللازم لمرور خط أنابيب (ساوث ستريم) الآخر الذي يمر عبر أراضي دول أوروبا الشرقية قبل أن يصل إلى أوروبا الغربية بشكل يجعل الغرب يتأثر وبسرعة من حدوث أي انخفاض أو قطع للإمدادات الروسية إلى الدول المجاورة لها. أما على العكس من ذلك فإن خط أنابيب (نورد ستريم) وبطول يزيد على 750 ميلاً (1200 كيلو متر) تحت البحر من مدينة فايبورج بالقرب من سانت بطرسبيرج في روسيا ومباشرة إلى مدينة جريفسوالد في ألمانيا سوف يصبح بإمكانه تفادي المرور بكافة الدول السوفييتية السابقة وإخراج بعض دول أوروبا الشرقية مثل بولندا من الحلقة الدائرية التي يمر بها الأنبوب. وكنتيجة لذلك فقد ذكر خبراء الأمن والمسؤولون في أوروبا الشرقية بأن خطي الأنابيب اللذين سيعملان على توصيل الغاز مباشرة إلى أوروبا الغربية سوف يسمحان لروسيا المستيقظة بالمشاعر الوطنية مجدداً باستغلال الخطوط الوهمية التي طالما أدت إلى تقسيم القارة في السابق على طول حدودها كما كان يفعل “الستار الحديدي” القديم. وكما يقول زبيجنيو ستيماتويسكي الخبير الأمني في بولندا “لقد كان التهديد في السابق بالدبابات أما الآن فقد أصبح بواسطة النفط” أما أنجيلا ستينت مديرة المركز اليورو آسيوي للدراسات الروسية والشرق أوروبية في جامعة جورج تاون في واشنطن فقد قالت من جانبها “إن روسيا أصبحت الآن إحدى المشكلات التي تقسم أوروبا أكثر من غيرها، فقد أصبحت كل من روسيا وشركة جاز بروم تمضيان قدماً في إبرام الاتفاقيات بنجاح مع كل دولة أوروبية بمفردها”. وذكر المسؤولون في وسط وشرق أوروبا بأن أكبر مخاوفهم أصبحت تتركز في الأرباح التي سوف تأتي من خط أنابيب “نورد ستريم” المشروع المشترك ما بين جاز بروم وثلاث شركات ألمانية وهولندية سوف تتدفق بشكل حصري في جيوب المزودين الروس وشركات خدمات الطاقة الألمانية. وكما صرح يورماس بويت وزير خارجية ساتونيا في لقاء صحفي “يبدو أن الشركات الألمانية والروسية قررت المضي قدماً في بناء هذا الأنبوب من دون الحاجة إلى التحدث مع الدول المحيطة ببحر البلطيق”. على أن ماتياس وارينج الرئيس التنفيذي لمشروع خط أنابيب “نورد ستريم” والمواطن السابق في ألمانيا الشرقية ذكر أن هذه المخاوف لا تقوم على أي أسس ومضى يقول “لقد تمكنا من إزالة الجدار العازل قبل 20 عاماً من الآن، وحالياً فإن أوروبا تحتاج إلى كميات إضافية من الغاز الطبيعي حتى تتمكن من تعويض انخفاض الإنتاج في بحر الشمال وليس هنالك مكان أفضل من روسيا للحصول على هذا الغاز”. إلى ذلك فإن مشروع نورد ستريم بتكلفة 10.7 مليار دولار جرى تصميمه بحيث يساعد على تفادي الانقطاعات في إمدادات الغاز الطبيعي مثل ذلك الذي ترك الملايين من المواطنين يعانون من قسوة البرودة في يناير الماضي جراء النزاع الذي تفجر بين روسيا وأوكرانيا بشأن الرسوم والأسعار، ولكن زبيجنيو بريزنيسكي مستشار الأمن القومي السابق في إدارة الرئيس جيمي كارتر أشار إلى أن وجود خط للأنابيب تسيطر عليه روسيا مع وجود مشروع آخر مماثل في جنوب أوروبا سوف يعمل من المرجح على وجود المزيد من انقطاعات الإمدادات في أوروبا الشرقية. واعتبر أن خطي الأنابيب عبارة عن مبادرة روسية كبرى “لفصل أوروبا الوسطي عن أوروبا الشرقية فيما يتعلق بالاعتماد على الطاقة الروسية”، وحتى الآن فإن استخدام روسيا للغاز الطبيعي كسلاح للسياسة الخارجية ظل محدوداً بعمليات الحظر القصيرة المدى لأن كل الدول تقريباً يتم تزويدها على طول خط الأنابيب نفسه الذي يمتد من الشرق إلى الغرب. ويعتقد بريزنيسكي أيضاً أن خطي الأنابيب الموزعين جغرافياً من شأنهما منح روسيا “خيار إغلاق أحد هذين الخطين اعتماداً على الرغبة في الابتزاز وهو الأمر الذي سيثير حفيظة الدول في وسط أوروبا التي كانت العدو الأكبر للمعسكر السوفييتي السابق”. ولكن الروس يبررون موقفهم بطريقة مختلفة، فشركة جاز بروم التي تزود أوروبا بنسبة تبلغ 28 في المئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي تشير إلى المشروع بأنه مشروع تجاري صرف أكثر من كونه مشروعاً استراتيجياً، وكذلك فقد ذكر التنفيذيون في مشروع نورد ستريم بأن خط الأنابيب من الصعب وصفه بأنه مخالف للأهداف الأوروبية المتسعة وذلك لأنه نال مصادقة المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي على حد سواء منذ أوائل عام 2000 بينما أكدت كل من المؤسستين على التزامها بالمشروع مؤخراً في عام 2006. ولكن وخلف ستار المفاوضات الناعمة بشأن مشروع نورد ستريم هنالك ذكريات عميقة من عمليات الغزو والاحتلال والتعاون الروسي مع أوروبا الشرقية لذا فقد أصبح خط الأنابيب المقترح مادة للجدل المحتدم في أوروبا بشأن النوايا الروسية تجاه امبراطوريتها السابقة التي تحكمت فيها ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1945 وحتى سقوط حائط برلين في عام 1989. ويتساءل بويدن جراي السفير الأميركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي “هل أصبح الأمر يتعلق بإمبراطورية تحاول استخدام موارد الطاقة من أجل الحفاظ على هيمنتها؟” مشيراً إلى التحديات التي تواجهها أوروبا في فك الاشتباك ما بين الطاقة والسياسة الخارجية لروسيا. ولكن وفي هذه الأثناء استمرت مصالح النفط والغاز الطبيعي تطبع سياسات الدول في أوروبا الغربية مع روسيا، وأصبحت المؤسسات والشخصيات المتنفذة التي لديها روابط مع روسيا تلعب دوراً كبيراً في السياسات الأوروبية تجاه روسيا، وأصدق مثال على ذلك جيرهارد شرودر المستشار الألماني السابق الذي يعتبر أفضل من تبنى عملية التداخل التجاري مع السياسة الخارجية كوسيلة إيجابية لتكامل روسيا مع أوروبا، ويذكر أن صفقة خط الأنابيب كان قد تم إبرامها قبل أسابيع فقط من خسارة شرودر للانتخابات الوطنية في عام 2005. وبعد أسابيع قليلة لاحقاً تسلم شرودر منصب رئيس مجلس إدارة شركة خط أنابيب نورد ستريم براتب شهري يبلغ 250 ألف يورو (364 ألف دولار). وأثناء حملتها الانتخابية كخلف لشرودر وجهت أنجيلا ميركل انتقادات شرسة للطريقة التي تم بها التوصل للاتفاقية، ولكن وبعد تسلمها لمقاليد السلطة قبلت بتمرير هذه الاتفاقية لربما لأنها كانت تعتقد أن حكومتها في حاجة ماسة إلى حزب شرودر وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين لتشكيل الأغلبية في البرلمان. عن «انترناشونال هيرالد تريبيون» أما الأهم من ذلك وبعد أن أصبح مشروع خط الأنابيب أمراً قائماً ولا يمكن تجنبه على أرض الواقع فهو مسارعة فرنسا إلى ركوب الموجة عبر الانضمام إلى الكونسيرتيوم الخاص بالمشروع بواسطة شركة جاز دي فرانس، ومن دون تلك الخطوة ربما كان سوف يتعين على الفرنسيين شراء الغاز الطبيعي من خلال مكاتب الوساطة الألمانية. واعتبر هذا القرار الأخير الذي اتخذته فرنسا كدليل على أن تأمين الأعمال التجارية مع روسيا أصبح أحد العناصر المهمة في التنافس الذي طال احتدامه ما بين فرنسا وألمانيا في المجالين السياسي والاقتصادي وفي أوروبا وهو الأمر الذي استمر يحد منه الاتحاد الأوروبي. وكما يشير بيير نويل الأستاذ في جامعة كامبريديج والعضو في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن “الانضمام إلى مشروع نورد ستريم أصبح مسألة تمثل المصالح المختلفة للأوطان والشركات ولا يعكس بأي حال المصالح الأوروبية المشتركة”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©