الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حصن الحيل.. حنين على حجر

حصن الحيل.. حنين على حجر
23 ابريل 2014 20:02
حصن الحيل.. منذ العام 1830م، وأنت واقف خلف الجبل أمام الأمل، تحرس المروج، وتطوق المكان بالأمان كأنك العين المجردة، تهفهف برموش التاريخ على جبين المراحل، وتغدق الوجدان برائحة الطين، وعرق الأزمنة الذاهبة في الحنين، تطرق أبواب المعرفة بفلسفة الذين سوروا الذاكرة، بأحلام الطيور، ورعشة خصلات النخل، وزمجرة الوديان، الرابضة كخلود الحقيقة.. حصن الحيل، في منطقة ما بين العين والحاجبين تنشف منديل الوقت وتمشط أهداب الحلم، ثم تبصر وتسهد، وتفكر كيف يكون للرمل منزل، والريح تتخبط عند أقدام الشجر العاري، كيف يكون للطين وعي، والنخلة تزحف بلا أقدام، كيف يكون للجدران ألوان والشمس تنحت جذور الرأس، بسياط اللهو والعبث. حصن الحيل.. وحدك الذي يقرأ التاريخ ويكتب عن أسباب الشروع إلى قتل فراخ الطير، وحدك تحلم وترسم وتشم رائحة العرق، حبراً منقوعاً في وعاء الذاكرة، ثم تشد اللجام، لعل وعسى تمضي الجياد باتجاه عشب الحياة، وحدك ترتل وتبتهل، وتبتل عرقاً والأحداث مدهشة، حين يمر الطير على الأفنان بلا أجنحة، حين ترتفع الأسئلة، ألسنة نار مطفأة، وحدك تمتطي صهوة زمن، فرَّ من قسورة أحلامه، وتعاطى وعياً بلا أظافر.. للحلم أصابع حصن الحيل.. للحلم أصابع، إن قُلمت أظافرها، جاشت بلا أثر.. حصن الحيل، هل تعرف عن امرأة تسلقت الجبل عارية إلا من حشمة القيم وعند القمة نادت، بعلاً قائلة: هل لك أن تنشدني قصيدة عصماء لم يكنها الابتذال، ثم تعانق ثم تفارق، ثم تتطابق الأرض، كأنك السنبلة النابتة، كأنك خصلة النخل اليافعة.. حصن الحيل، تعرف جيداً أن للتراب عبقاً، ونسقاً، وشبقاً، كلما جف معين السماء، عجفت العروق، وأصبح اعتناق الحب مجرد كذبة تاريخية، تتناقلها الألسن، كما هي خرافة عنترة بن شداد، كما هي سذاجة التاريخ حين يغرف من بئر معطلة، أو ينزف من معضلة ويدعي أنه الحفيظ الأمين. حصن الحيل.. تعرف جيداً لو أن امرأة بدوية لامست جدرانك، لترعرعت الذرات في حصاك، وانتشت الريح ريانة بهوى العشاق، وتنامت في الأرض أعشاب أشبه بزغب القطا، أقرب إلى حويصلات الجسد الحليم.. تعرف جيداً أن في قرية الحيل، مشطت الريح شعر امرأة، غافية على تراب الواعي، كانت تقول يحبني أو لا يحبني ثم تلهو بالخصلات مفعمة، بكتل الألم، مستبصرة ما يدور في الوجيب من أثر الحبيب وأنت الغارق في التذكر، تطارد الأسماء وتقرأ الوجوه بإمعان وامتنان وتقول بوله: بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا.. هذا معذب القول، وشعر النوافل ساعة منتصف الزمن، واللحظة اللذيذة لم تزل، تتشبث في العمر، كأنها ذراع أنثى لدنة تطوق عنق الزجاجة، ووتد الزمن لم يزل ينصب شراكه لعل وعسى.. لعل النخلة التي ضلت طريقها، تعاود الغزل، وتنسج خيوط المعرفة، بإتقان الذين يغرفون من معين إرث لم يعرف العبث. حصن الحيل.. كصراط تقود إلى منطقتين، إلى محيطين، ها هي القلعة «المربعة» ترقب المشهد، وتحصد عدد السنين، تراهن أن الزمن لن يفقد أصابعه، وأن النخلة التي فرت من هنا سوف تعيد بناء الحلم، ليصبح بستاناً تزهو به الطيور، وتقتات من عشبة كائن القلب الأسطوري.. حصن الحيل، ما بينك والمربعة، خطوات رجل ملأ السماء نشيداً، واحتسى من عرق الجبين ثمالته ثم أخفى في معطف القلب، ما لذ وطاب، مستقطباً جل طاقة الكون والجبلة الأولى، متماهياً القمر، ملوناً الحياة بالفرح. حصن الحيل.. من مادة الطين، نسخت السماء جبروتها، واستوحى الزمن مطلقه، وأخذ الإنسان حقيقته، وسار الطير على نهج العقل الجبار، محدقاً في وجه السماء، كأنه بذلك يطلق للشاعرية مداها السحري.. حصن الحيل، جزيرة معشوشبة، والنخلة قلب لم يزل يتهجى سطور الوقت، محتفياً بالهديل، والصهيل، مكتوياً بوجد الذي مضى. حصن الحيل.. حالة ماضية تستحيل على الأفول، لأنها من المطلق استمدت الكيان والبيان والبنيان، كون الإنسان جزءاً من حلقة الألم، كون الإنسان حقيقة الألم. حصن الحيل.. النسق والحدث، والعشق الأزلي، ونبضة التراب الأولى، واحتمالات الأمل المنشود.. حصن الحيل، تمشي على إسفلت الذاكرة مخضباً بالعرق، مكتملاً بأنفاس الذين سيجوا الحلم بطين الانتماء، بوهج الابتداء، برائحة الاشتهاء إلى زمن يطفو كأنه الرقاقة على سطح ماء صاف، يهفو إلى جيل تورد إبله عند مضارب الوعي، بإتقان المدمنين على الحب، العاشقين للحياة بلا كلف أو تلف أو سخف. حصن الحيل، تغدو في المساء، كطائر يحلق على رأس غافة، يسأل الله أن يخفف من وطء الأحلام ثم يمضي في نب ما خفي، ثم يمضي في توطيد علائقه والكون، ثم يمضي في تقبيل النجوم، ثم يمضي في اعتناق فكرة أفلاطون «أن الجسد مقبرة مؤقتة للروح».. حصن الحيل، في حضن الجبل تسقط كأنك المنطقة في رحم الواقع، ثم تتوارى على مقربة من القلب وبرعشة الأجنة، تضج في الرأس، متفاقماً، مزدحماً بالضجيج، وعند خاصرتك تتحزم كأنك البدوي ساعة البحث عن عشبة الحياة، عند نبتة في تجاويف الحصى، عند دهشة تزيح عن كاهله، سكون الصحراء.. حصن الحيل، كأنك على موعد، في انتظار مجيء عاشق تقف هناك، في القرى المزدهرة بالصمت، وتنتظر أفقاً يفتح صفحاته البيضاء، ليكتب من يكتب وتسجل الأصابع نقشاً، وترتل الشفاه أناشيدها المعلقة في السماوات العلا. حصن الحيل، مسافر، مغامر، مجاهر بالصمت، تحسو كأسك في خلوة المكان، وتمضغ حبات اللذة، في عزلة لا يكسر أنيابها إلا زقزقة العصافير، وخبط عشواء، مارين من حول ماضيك، يتلون بعض المشاهد ثم يمضون بلا هدى، وأنت الواقف، مسقوفاً بالسماء، مفروشاً بأثر أقدام مرت من هنا، معتقاً بطيب البدايات، ويوم كانت عباءة الأنثى أشفى من رضاب الشفتين، أرق من بريق العينين. بندول اليقظة حصن الحيل.. بندول يدق أجراس اليقظة، والرهبان، طيور يجوسون بألق الصاحين، ويملأون وعاء الكون بسيمفونية، أقرب إلى براعة «بيتهوفن».. حصن الحيل، لاشيء يرسخ الأحلام، سوى طين الذاكرة، ورائحة تمشي على أقدام حافية، وتذوب في الجدران كوشوم بالغة الرقة والأناقة.. حصن الحيل، كجواد يسأل عن فرسان ترجلوا لفرط التعب، كجواد يمضغ أعشاب التاريخ ولا يوقف النزيف.. حصن الحيل، جدير بالطين أن يكون محفظة التاريخ، وأن تكون النافذة على حاضر لم يزل يطارد عطر المراحل الهاربة، وينظف أظافره من مساحيق ليلة فائتة، حصن الحيل.. لك أن تتفيأ وتنيخ النوق عند شجرة الخلد وأن تحتسي قهوة الصباح، مشفوفة بتمر اللولو، ثم تغفو، ثم تصحو، ثم تطلق الغناء، مبتهجاً بطلوع الشمس قبل ميقاتها، ثم تحدق في كتاب الصبح، وتقرأ ما نقشه الطير على تراب الفجيرة. حصن الحيل.. المجد والوجد والوجود المتدفق حلماً في شرايين الأرض، في تراب الروح، الناهض في الوجدان مساحة أوسع من حدقة الكون قامة أرفع من جبال الفجيرة، المتحدث باسم التاريخ لناطق عن تباريح في التضاريس، هو الفكرة الأولى، الجبلَّة والقُبلة هو ما اشتاقت إليه أرواح شفها الفقدان الأزلي، هو هو، لاشيء يشبه المطلق، لا شيء يضاهي الحقيقة. حصن الحيل.. نهار الفجيرة يغشي أسرار الزند المعرق، والزناد المرفوع، عند قامة وقيامة، عند لهفة القابض على حفنة الفرح، حين تزدهر الأشجار بعصافير الانتماء والنماء، وحين يثلج صدر الأرض، نث السماوات، وحث النداءات الأولى قبل الطلع.. حصن الحيل، جبل الأفكار، تحتشد عند ذاكرة موشومة بالحنين، وما الجنين إلا خِصلة العشاق، وأول الأشواق، ومسافة مفتوحة ما بين اللحظة واللحظة، حصن الحيل.. كأنك لا زلت ترص الحصى، وتنضد الجص، وتغسل العرق بالطين، كأنك في بداية التكوين، تتكور في رحم الأرض، وتنظر إلى الجبل بشهامة النبلاء، وعلامة الأوفياء وترصد كم نجمة مرت من هنا وكم امرأة تفيّأت في ظل الجدران العالية ريثما ينشف العرق، لتستأنف رحلة الطواف حول مضارب من أحبت، وكم شاعر نسخ الحلم شعراً، ثم استفاقت القصيدة من بين ضلوع التاريخ وأصبح للتأمل أصابع، تتلمس جسد الزمن، بخفة الفراشات ونعومة الوردة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©