الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريالية الجرح العراقي..

سوريالية الجرح العراقي..
23 ابريل 2014 19:24
مهما كان شكل مزاجك؛ سواء كنت محزونةً أو غارقة تحت وطأة هموم أمسكت بتلابيب روحك، أو كنت محايدة، عادية، لا لك ولا عليك، ستشعرين باختلاف في روحك وتحسن في مزاجك مع عبورك إلى جمعهنَّ الملتئم في عباءة المودة. ستقضين بينهنّ سويعات في ظل الإبداع الوارف، وستخرجين من حالتك التي دخلت عليها لتدخلي في عالم ينفتح أمامك في بهاء لا قِبَلَ لك بدفعه.. ومع كلماتهنّ الأخيرة التي ستغلق جلسة لتَعِدَ بجلسة أخرى تناقش رواية أخرى ستكتشفين أنك كنت في مكانات إبداعية، أنْسَتك المكان الحقيقي، وفي أزمنة أخرى أنْستكِ ما يجري في الخارج. وستعودين ببعض الزاد الروحي الذي يمنحك أمسية جميلة، فيما تبدو لك الحياة مرحةً، خفيفةً، وأنت تطلّين على سماواتك الخاصة مخفورةً بخفة الكائن التي لا تحتمل. شـهيـرة أحـمـد هكذا كنت أحدّث نفسي طوال الطريق إلى الصالون الثقافي «مؤسسة بحر الثقافة» في أبوظبي. كنت أتساءل في سرّي: ترى ما الذي يجعلني أشعر بهذه الخفة في كياني والألق في روحي وأنا في طريقي إلى هناك.. استعدت بعض تفاصيل الجلسة الماضية، بسرعة مرّ الشريط كما في فيلم وثائقي قصير، لأكتشف أن في الحياة سعادات صغيرة، تمنحها لنا في بعض الأحيان، تخرجنا من شكل النهار ورتابته، كأنها تعوضنا ربما بعض ما يسقط منا على دروب العمل اليومي ومتطلبات الحياة المعيشية القاتلة في تكرارها. نون الفعل أتحدث عن مجموعة من القارئات المشغولات بصقل معارفهنّ والارتقاء بوعيهنّ ما استطعن إلى ذلك سبيلا.. عن نون فاعلة، وعن نسوة يجتمعن في حضن القراءة، هذا الفعل الخلاق الذي أعتقد أنه أجمل ما اخترعه العقل البشري، يتشاركن ما قرأنَ، يعلّقنَ، ينقدنَ، يقبلنَ، يرفضنَ، يتفقنَ، يختلفنَ، وفي كل هذا لا يفسد بينهن الودّ الإبداعي، لأن الخلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية. ها هي الدهشة تفتح لنا بابها الواسع، تدخلنا إلى أروقتها الجميلة فيما عبير المعرفة يفوح من زهرة السرد.. ها نحن نعانق كهرباء الإبداع السرّية في رواية جديدة، نسبر أعماقها، ننبش مطموراتها، نمارس متعة استغوارها واستجلاء مدلولاتها الخفية والمعلنة، نقصي الملل عن أرواحنا لنرتّبها على هوى دعوة مفاجئة للعبور إلى الحياة.. فكل كتاب، على الأقل بالنسبة إليّ، هو دعوة لنا لنعقد قراننا على الحياة.. للإيغال في معنى الوجود واستشراف ما يحمله العمل الإبداعي بين دفتيه من خفايا سرّانية، ضاجّة. كل عمل إبداعي هو مشروع حياة جديدة، قد تتمخض عن كائن بهيّ، جميل، يحمل لنا المتعة الخالصة، وقد تسفر عن خلق غير مكتمل أو في حاجة إلى أوكسجين إبداعي يمرره له الكاتب أو يقترحه القارئ لكي يتمكن من العيش، تماماً كما يفعل الأطباء مع الطفل الوليد الذي يحتاج إلى حضّانة تزوده بمعدات الحياة. ها نحن، نحاول أن نختبر ذائقتنا الإبداعية والروحية.. ولعلي لا أبالغ إذا قلت إن العمل الفني الجيد هو العمل الذي يتركك في حيرة الأسئلة، العمل الذي لا يلقمك معرفة يقينية ويخلخل بعض ما في رأسك من معارف سابقة، هو العمل الذي لا يمالئك ولا يتملقك ولا يعطيك ما ترغب بل يصدمك أو يعيدك إليك أو يصوغ نظرتك إلى الأشياء على نحو مختلف. هو العمل الذي تخرج منه مختلفاً ولو قليلاً عما دخلت إليه. بالطبع، قليلة هي الأعمال التي تملك أن تقدم لنا هذا كله، وقد نجور على المبدع حين نطلب منه أن يقوم بهذا العبء كاملاً، يكفي أن يمسك العمل الإبداعي بمفصل واحد من مفاصلك الروحية أو الفكرية لكي يكون قد حقق شيئاً من مراميه... الألم العراقي هذه المرّة، كنا على موعد مع رواية أخرى من الروايات المرشحة للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) هي رواية «فرنكشتاين في بغداد» التي ناقشتها المشاركات بحضور الشيخة ميثاء بنت محمد بن خالد آل نهيان حرم سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، التي قدمت مداخلة حول مضمون الرواية وبعض تقنياتها الفنية جاء فيها: «من بين صرخات الضحايا وأشلاء القتلى وأنين الموت تمزق صرخات الثأر أجواء اليأس... فيولد الشسمة... يولد من الألم والدم ليثأر للضعفاء والأبرياء؛ يقتل كل قاتل وكل مجرم... علّه يخفف ألم الأبرياء. رواية تأخذك لعالم الأفلام البوليسية... بطل يولد من أشلاء الضحايا... يلاحق المجرمين... ليقتصَّ منهم... هذا هو الحدث الرئيسي في الرواية إلى جانب صورة الدمار والقتل والتفجيرات... مشهد يتكرر كل يوم... ليحصد أرواح الأبرياء. رواية تسلط الضوء على حال الشعب العراقي بمآسيه ومعاناته... رحل صدام... ودخل الأميركان... لكن لم يتغير الحال... وتمزق العراق أشلاء... كما هو حال أجساد أبنائه... اختلطت الأجساد وتكاتفت بعد الموت... في حين أنها أبت أن تتكاتف قبل الموت... فسادت الطائفية.. وانتشر الخراب والفساد.. فأضحى العراق كله أشلاء». وتناولت الشيخة في مداخلتها الجانب الفني لافتة إلى أن مؤلف الرواية أحمد سعداوي «عمد في سرده الروائي إلى استخدام لغة سلسة واضحة بعيدة عن التعقيد» لكنها أخذت عليه أنه «أدخل في نصه الروائي اللهجة العامية العراقية ولا سيما في العبارات الحوارية»، ورجحت أنه «ربما أراد أن يؤكد من وراء هذا المزج الطابع العراقي للرواية». وبحسب الشيخة ميثا بنت محمد بن خالد آل نهيان حرم سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، فقد «نجح الكاتب في نقل واقع العراق... وجعلنا نعايش مأساته بقلوب حزينة». ورأت الشيخة أن الرواية «حفلت بالكثير من الشخصيات ولا سيما الذكورية إلا أن الأحداث كانت فقيرة، ولم ينجح الكاتب بجذب وتشويق القارئ لأن الحدث كان واحداً والصورة متكررة ... والوقائع متماثلة». وختمت الشيخة ميثا بنت محمد بن خالد آل نهيان حرم سمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان مداخلتها بالقول: «أرى أن رواية «فرانكشتاين في بغداد» قد تصلح فيلماً نشاهده لساعة أو ساعتين أجمل من رواية استغرقت 350 صفحة». أسئلة معلقة بعد ذلك فتحت الزميلة السعد المنهالي عوالم الرواية أمام الحاضرات، وأوقفتهن عند عتبة من عتباتها التي يبدو أنها شغلتها أكثر من غيرها، وهي شخصية (الشسمة) التي رأت فيها الشخصية المحورية في الرواية، ما جعلها تقول إنه «كان من الأنسب لهذا العمل أن يسمى الشسمة.. وخيوط العتاك!!!؛ ففي رأيي تمثلت عبقرية العمل في استخدام مفردة (الشسمة) فلا أحد يعرف ما هو الاسم الذي يمكن أن يطلق على (كل ما يجري في العراق)، والذي لا اسم له يبدو الأكثر ملاءمة، فعبر خيوط العتاك (البطل) صانع الجسد الذي جمع أجزاءه من جثث ضحايا تفجيرات مختلفة، كتب لنا أحمد سعداوي عملاً اتسم بالإبداع والخيال الواسع وفيه غير قليل من الفرادة والمتانة الفكرية والتماسك السردي». وأشارت المنهالي إلى أن الكاتب «تمكن من ترجمة كثير من تفاصيل وخصوصيات حالات العنف والعنف المقابل التي يعيشها العراق وأهله، وقدم إسقاطات مثيرة عن وعلى مفردات الحياة الاجتماعية والسياسية المحيطة بالعناصر التي تحرك الوضع في العراق»، لافتة إلى أن عبقرية العمل «تمثلت، أيضاً، في التحول الذي طرأ على حال (الشسمة) والذي جاء في الفصل العاشر وسط الرواية تماماً، حيث يبدأ مسلسل إجرامه، وتبريراته التي ساقها بعد قتله للعجوز وانتزع عينيه، كذلك كان الحال مع استخدام الرموز في شخصيات الساحر والمجانين والعدو والسفسطائي ودوافع كل منهم وتوجهاته». وتساءلت السعد المنهالي مجموعة من الأسئلة التي تركتها معلقة حيث قالت: «لكن الإسقاط الأكبر - في رأيي - كان في التساؤل الذي طرحته شخصية (الشسمة) فهل قصد بهذا الممزق جسد العراق الذي تقطع على أيدي الإرهابيين فأصبح عبارة عن خليط مشوه من أطراف غير متجانسة، أم هل قصد بالمسخ كل بطل نصنعه بأفكارنا ونسير فيما بعد وراءه كمريدين ومطيعين ثم نتحول من معجبين إلى عبيد له، أم هل قصد بالمسخ كل شخص بدأ طريقه معتقداً أنه يحقق العدالة على الأرض ثم مع الوقت يتحول إلى طاغية ظالم بسبب تأليه الناس له؟!». صناعة البطل المخلّص «فكرة جديدة ومبتكرة»، هكذا رأت جهينة ناصر إسماعيل زوجة السفير العراقي، فكرة الرواية، مؤكدةً في مداخلتها أن الكاتب «نجح في إيصال ما يرغب بإيصاله على مستويين من السرد، مستوى واقعي مستمد من الحياة اليومية للعراقيين الذين يعانون من القتل والقهر والفقر، وآخر خيالي مستوحى من شخصية فرانكشتاين»، وقالت: «تمثل شخصية (هادي العتاك) إحدى شخصيات الرواية الرئيسية، وهو بائع الأشياء القديمة وصانع الشخصية الغريبة (الشسمة) أو (فرانكشتاين العراقي)، التي صنعها من أشلاء التفجيرات التي تتناثر في كل ومكان أو باحة أو مسجد أو كنيسة أو حتى حديقة عامة أو مقهى، تلك الأشلاء التي كونت ذلك المخلوق المشوه الذي يشبه الواقع. لا تشير هذه الشخصية (الشسمة) إلى شخص أو كائن محدد ولا إلى طبيعة المهمة التي تقوم بها، إنما تشير إلى حالة المجتمع العراقي الذي وجد نفسه أمام حالة انقسام حادة عام 2003، كل طائفة ومكوّن وجماعة ترى نفسها ضحية للآخرين وتغض النظر عن جرائمها التي ترتكبها بحق الطرف الآخر، الجميع مظلومون ويطالبون بالثأر من ظالميهم ومن هنا فإن الجميع تتمثل فيهم شخصية (الشسمة)، وتسمية الشخصية تعني الذي لا اسم له فهو القاتل والمقتول والضحية والمنتقم في نفس الوقت». وتعتقد جهينة إسماعيل أن الرواية «رمزية قبل أن تكون خيالية، الفكرة تتمحور حول صناعة البطل أو المخّلص، وهي صناعة تجيدها الشعوب اليائسة الغارقة في البحث عن أي شخصية تنقذها من واقعها، وكل الشخصيات التي تعلقنا بها في تاريخنا الحديث عبارة عن أوهام ونسخ مشابهة (للشسمة)، حيث يلتف حوله عدد كبير من الأتباع يفتح لهم باباً للراحة عبر الثأر والانتقام ممن تسببوا في إزهاق الأرواح وحالة الفقر والبؤس التي يعيشونها، ثم تطغى النزعة الإجرامية على تصرفات هذه الشخصية ويبدأ مسلسل القتل والقتل المضاد، ولا يدري المرء من سينتقم من من؟ وإلى متى سيستمر هذا المسلسل الدموي ومن المتهم في كل ذلك، ولا يبرّئ الكاتب السياسة والسياسين في كل ما يجري بالعراق من القتل والقهر والفقر». جرأة ومهارة وترى الشاعرة هند شعبان أن أحمد سعداوي «امتلك مهارة عالية في توظيف فن الحكاية ليعرض أحداث الرواية في قالب غرائبي وعجائبي ويبني الحبكة الفنية، وأنه تستَّر وراءهما في طرح فكرة جريئة مستوحاة من قصة فرانكشتاين للروائية البريطانية ماري شيلي»، وقالت: «رواية سعداوي تمثل شريحة من نسيج مجتمع العراق الذي تشكل من بقايا الواقع الغرائبي عام 2005 الذي كان أكثر دموية و إجراماً وفوضى، مستثمراً الشخصيات: هادي العتاك جامع الأنتيك والمواد المستهلكة والقديمة وجامع أشلاء الضحايا والمجرمين ليشكل المسخ (الشسمة) من بقايا ضحايا التفجيرات فيشكل رمز الوحش المقاوم للوحشية، ويخرج عن السيطرة ليجسد الرعب القادم واللامتناهي. والراوي لحكايات الرعب بآليات بوليسية واصفاً واقع العراق الدامي الرازح تحت وطأة التفجيرات والدمار والموت المجاني، أم دانيال المرأة المفجوعة بابنها، فرج الدلال الطماع، أم سليم البسيطة الحنونة الصابرة على ترهات وخرافات أم دانيال، القط، الأيقونة، محمود السوادي الصحفي، العميد سرور، دائرة التفتيش، السائق سلطان، مشهد الشحاذين الذين قتلوا بعضهم حيث رمز لما آل إليه واقع العراق من فقر وفساد». وتساءلت: «ترى هل جاء اختيار الكاتب رقم الزقاق (7 ) عفوياً أم أنه تأثر بفيلم (سفن) حيث يتم التحقيق في جرائم مستوحاة من الخطايا السبعة؟»، وألمحت إلى أن «ثيمة (تجسيد الجسد البشري) وخلق جسد مماثل للبشر هي فكرة غير ملائمة للمجتمع العراقي بكل أطيافه من مسلمين ومسيحيين». وطرحت هند شعبان عدداً من الأسئلة التي تبدو محيّرة والتي يثيرها العمل منها: هل (الشسمة) حارب الإرهاب أم أصَّله وزاده شراسة وعنفاً؟ فقد قتل المسن البريء ليأخذ عينيه!. ثمَّ، من هو المجرم الحقيقي الذي يضعه على قائمة الإرهاب والانتقام، وما الجرم الذي يحاسب عليه؟ وما نسبة الإجرام حتى يتم الحسم بقتله والانتقام منه؟ هل يرمم أشلاءه ببقايا من ضحايا أو مجرمين حسب تصنيفه؟ وأي نوع من العدالات الثلاث التي حددها تتحقق عندما يقتل ليجد قطعه وأشلاءه، هل هي عدالة السماء أم عدالة القانون، أم عدالة الشارع (بعد مقتل أخ الكوربان الذي تسلم بعده زعامة العصابة). وماذا عن قطع الجسد المبتورة من أجساد الموتى إلام تستمر صالحة للعمل، وهل البديل قتل المزيد؟ لقد جعل المؤلف من مهمة الانتقام مهمة أبدية، يقول في الرواية: «وربما صحا ذات نهار ليكتشف أنه لم يعد هناك من يقتله في هذا البلد، لأنه لا يوجد أبرياء بشكل كامل أو مجرمين كاملين (ص 255)». وخلصت إلى القول: «إذاً دائرة العنف في اتساع ولا حد لها، وهذا ما يثير الخوف وربما ينمي ويحرك شهوة الانتقام تحت مبرر شخصي: هذا ظلمني أو قتل من أحب لندخل في دوامة عنف لا تنتهي». ومما أثارته شعبان في مداخلتها أن (الشسمة) هو جسر عبور أو تنفيس للبعض (العميد: للترقية والذي يعتمد في تأدية واجبه على المنجمين ( وهذا المضحك المبكي) وقد فقد آليات تحقيق الأمن في بلد تسود فيه الفوضى وشهوة القتل والدمار، وهنا نتساءل: ما مصير الشعب الذي يتحكم بحاضره وبمستقبله أناس هدفهم المنصب والترقيات بغض النظر عن الوسيلة؟». عجائبية الواقع وفي مداخلتها التي حملت عنوان «فرانكشتاين في بغداد من الهاجس اليومي إلى المتخيل العجائبي» وصفت فائقة النعيمي الرواية بأنها «رواية اللحظة»، وأوضحت: «عندما نقرأ رواية الكاتب العراقي أحمد سعداوي (فرانكشتاين في بغداد) نشعر بثقل الأحداث اليومية التي اتسمت بالعنف الدموي في مجتمع الرواية منذ سقوط بغداد، والذي كان سعداوي بارعاً في تصويره أيضاً، سواء في بناء الشخصيات المشاركة في الأحداث بقوه متناسبة بحيث كان لكل شخصية دورها وفاعليتها أو في بناء الأحداث اليومية الصغيرة، وكذلك في وصف الأمكنة والأزمنة والأهواء (الحب، الرعب، القتل، والانتقام)، إذ تأخذنا هذه الرواية إلى هاجس يومي يعيشه المجتمع العراقي ما يعني أنها رواية اللحظة ذات الصورة القاتمة وبذلك يمكن أن نقول إن المتخيل في هذه الرواية هو متخيل واقعي. وما هذه الغرائبيات والحكايات التي يرويها العتاك (أحداث حي البتاويين، الشخصيات الغرائبية والأساطير الذي تنسجها أحداث الرواية) إلا فنتازيا غير معاكسه للواقع بل هي الواقع نفسه». وأضافت: «قد يبدو أن هذا أمراً معتاداً للتعبير عن قدرة الكاتب في بناء عالم روائي متخيل لكن سعداوي أبدى براعة في تصوير ما هو فنتازي عجائبي والمتمثل في الشخصية الغامضة الواضحة أي شخصية (الشسمة) والذي سمّاه الصحفي محمود السوادي: (فرانكشتاين) والذي ظهر أيضاً بوصفه (شبحاً) نجح هادي العتاك بجمع أشلائه من أجساد ضحايا الانفجارات حيث كان سعداوي بارعاً في ضخ علامات جسدية ونفسية له في كل مراحل الرواية. إذ هو شخصية مركبة انتفض وصار إنساناً له جوانب نفسية متعددة، تحول إلى مجرم قاتل في أحد جوانب شخصيته كذلك له شخصية إنسانية أيضاً في جانب آخر. ولا يقتصر البناء الفنتازي في الرواية على شخصية (الشسمة) فقط بل يسري على المدينة ككل كما يطال بقية الشخصيات التي تتحرك في واقع عبثي قوامه القتل اليومي والخداع والنصب والثأر والانتقام وتدمير بنية الإنسان والمجتمع والدولة». وفي قراءتها لبعض شخصيات الرواية أشارت فائقة النعيمي إلى مرموزات بعضها وما تمثله في الحياة العراقية، موضحة أن بعضها يعكس الشخصية الانتهازية التي استغلت الحرب لتحقق مآربها الشخصية أو تحقق الثراء المادي والمنافع الاجتماعية (فرج الدلال الانتهازي الذي يسعى إلى تحقيق مآربه المالية ويمثل الوجه القبيح في مجتمع طاله الخراب، والعميد سرور الذي يمثل الوجه الانتهازي الآخر للوطن العراقي، وعلي السعيدي الذي يمثل وجهاً براغماتياً حيث يعيش على مآسي الآخرين)، وخلصت إلى أن «جميع هذه الشخصيات عاثت فساداً بالمجتمع وأخذته نحو التدمير الكامل». وتعتقد النعيمي أن سعداوي «اشتغل بترميز عالٍ على درامية المجتمع وعلى إبراز مساوئ الإنسان، مجسداً كائنات لها مفهومها الخاص لموضوع الحرية وتؤمن أن الانتقام والثأر ممن أساؤوا إليهم هي العدالة الوحيدة التي يتعطشون لها، لتستيقظ فجأة طاقه الكراهية النائمة تجاه شخص غير مناسب ليحسم أمر العدالة هنا على الأرض؛ فيبدأ الانتقام والقتل. المجتمع كله ليس فيهم بريء ولكن الاختلاف في النسبة فقط، حيث يظهر التضامن النفسي والعاطفي مع الجريمة التي تُصوَّر على أنها بمثابة انتقام. كلهم يكوّنون هذا الصراع على شكل جسد متنافر، مكوّن من جذاذات بشرية تعود إلى التنوع الديني والعرقي والمذهبي والثقافي والآيديولوجي، خلطة مستحيلة لم تتحقق سابقاً تحققت اليوم في هذا الجسد (الشمسة) الذي خلق من نفسه أسطورة بسبب جهل الناس وفوضى الواقع، ليجهز على المواطنين وينتقم منهم حتى بلغ الشر مداه». وختمت النعيمي بأن «المؤلف جعل النص يصل إلى النهاية بنفسه. فبرغم النهاية المأساوية لكثير من المشاركين في أحداث الرواية إلا أن (الشسمة) بقي حراً طليقاً، وإذا كان هذا الكائن يمثل الرمز الدموي المحير في أحداث الرواية فإن هذا يعني أن الشر بقي متواصلاً في إشارة إلى السنوات التي تلت عام 2005 ذلك العام الذي جرت فيه أحداث الرواية». رعب على الأرض أما فايقة الراوي فاعتبرت الرواية «بوليسية وتحتوي على مسحة من الرعب، لكنه رعب حقيقي عرفه العراق في زمن الرواية على نحو خاص، الذي حدده المؤلف بشكل واضح (خلال شتاء 2005) الذي كان مميزاً بعنفه ودمه وأعداد ضحاياه جرّاء أعمال العنف والانفجارات. وأنها من الروايات المثيرة التي تشد القارئ لمتابعة أحداثها حتى النهاية». وتجد فايقة الراوي في سلوك بطل الرواية (هادي العتاك) الكثير من الأبعاد الرمزية، حيث يقوم العتاك بائع الأجهزة المستعملة، بتجميع كائن غريب، مكون من أشلاء ضحايا التفجيرات والمفخخات التي تتطاير أمام عينيه، لينهض هذا الكائن ويثأر وينتقم من المجرمين الذين كانوا سبباً في جمع أشلائه والمجرمين الذين قتلوا أجزاءه التي يتكون منها في الوقت نفسه، في إشارة إلى أن الجميع مسؤول عن الخراب الذي حلّ بالعراق». وترى فايقة الرواي أن العنوان «مستعار» لكن القصة «عراقية بحتة وسياقها مختلف تماماً»، مؤكدة أن الروائي «جعلنا نتابع ونعايش مستوى غريباً من الأحداث العراقية خلال السنوات الماضية يصعب تصديقها أحياناً». وأضافت: «تعمد الكاتب أن يختار شخصياته من هويّات متعددة وشخصيات قادمة من قاع المجتمع مثل: هادي العتاك وأم سليم وفرج الدلال وغيرهم من سكان زقاق (7) في حي البتاويين، لأنهم المحيط المناسب الذي تتشكل فيه الرواية، وارتباطها بفترة الاحتلال الذي يولد الخوف من المجهول». أخيراً، لا ينبغي أن تفوتني الإشارة إلى أن ما قيل في هذه الحلقة النقاشية كثير ولكن المجال لا يتسع لكل ما قيل، بيد أن من الضروري ذكر ملاحظة تكررت في أكثر من مداخلة وهي وجود الأخطاء اللغوية والأغلاط الإملائية التي أفسدت أحياناً متعة القراءة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©