الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عباس كياروستامي: ضعوني في سيارة ولا تضعوني في زنزانة

عباس كياروستامي: ضعوني في سيارة ولا تضعوني في زنزانة
16 يونيو 2010 21:19
منعت وزارة الثقافة الإيرانية مؤخرا عرض آخر الأفلام التي تحمل توقيع المخرج والمثقف العالمي عباس كياروستامي من العرض في دور السينما الإيرانية بذريعة “الملابس الفاخرة” التي تظهر بها النجمة السينمائية الفرنسية جولييت بينوشيه (أوسكار العام 1999 عن دورها في المريض الإنجليزي) في الفيلم الذي حمل العنوان: Certified Copy، أو نسخة الأصل بحسب ترجمة تقريبية، وحازت عن دورها فيه على جائزة أفضل ممثلة أولى في مهرجان كان الفرنسي لدورته الأخيرة. وقد شاركها البطولة المغني الأوبرالي الإنجليزي وليام شمل. شهد مهرجان كان أول عرض للفيلم الذي أثار اهتماما إعلاميا واسعا، ليس بسبب النجمة الفرنسية اللامعة أو الموقع الذي بات يتبوؤه كياروستامي، رئيس لجنة التحكيم في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي لدورته الأخيرة، فحسب بل بسبب الموضوع الذي يتناوله وعمق الطرح المعرفي والثقافي، من خلال قصة بسيطة تربط امرأة إيطالية تملك صالة عرض للفنون التشكيلية بناقد فني، ضمن تعقيدات درامية تجعل من الشاعر الفارسي عمر الخيام واحدا من الشخصيات الخلفية المؤثرة في التحولات الدرامية للفيلم. الأفق يضيق من المعروف أن كياروستامي قد انتقد الحكومة الإيرانية لأكثر من مرة، وتحديدا لجهة اعتقال السينمائي الإيراني جعفر بناهي ووقّع على بيان في هذا الصدد، فضلا عن أنه يرى أن أفق الإبداع السينمائي في بلاده قد بدأ يضيق إنتاجيا وغير ذلك، ومع أنه واحد من ألمع المثقفين الإيرانيين شهرة في العالم الآن إلا أنه اتجه لأول مرة لإنتاج أفلامه في الخارج بعد عشر سنوات من الصمت السينمائي تقريبا، حيث أتاح له موقعه بوصفه مخرجا متميزا الفرصة لدعم إنتاجي، قد يكون بريئا وقد لا يكون، غير المخيلة الإبداعية لرجل من طراز كياروستامي تتيح له أن يقول ما يودّ هو أن يقوله دون إذن من أحد أو حتى، دون قرار مسبق منه هو بالذات. وأثناء انعقاد مهرجان كان، أجرت الـ(نيويورك تايمز)، الأميركية واسعة الانتشار، حوارا مع كياروستامي، يمكن لقارئه أن يتلمس أن صاحب “طعم الكرز” و”عشرة على 10” هو أيضا صاحب قدر غرائبي بالفعل، فالأسئلة التي كان يجري توجيهها إليه منذ بداية الحوار لا تخلو من نوايا خفية محسوبة، من جهة، ثم كان قرار منع العرض في بلاده، ما يعني أن الرجل قد وقع، حقا، بين الجحيم البارد للغرب و”الجنة” الملتهبة في الشرق، فيما هو، لثقافته الشخصية العالية ومواقفه الثقافية الإنسانية، أشبه ببؤرة تصبّ إليها ثقافات مختلفة ومتنوعة، شرقية وغربية. يتسم الحوار المشار إليه، وقد تحدث فيه بالفارسية وتمت ترجمته عبر مترجم، بطابع شفوي تماما. ما يلي نص الحوار الذي نقله دينيس ليم: ? كنت صريحا جدا في دعمك للمخرج السينمائي جعفر بناهي، كما في نقدك لموقف الحكومة الإيرانية. ما تزال مقيما في طهران، وتخطط لتصوير فيلمك الجديد هناك، هل تشعر بالقلق حيال ذلك؟ ? كان ذلك منذ سنوات، وحتى الآن، لم أضطر للذهاب لتصوير أفلامي في إيران أو لإطلاق أي منها هناك. وأستغرب، ما الذي من الممكن لهم أن يفعلوه أيضا. ربما أمكن لهم القيام بما بدأوا به بالفعل مع جعفر بناهي عندما سحبوا جواز سفره. أشك كثيرا في حدوث ذلك، لكن مَنْ يعلم؟. شيء عن الفيلم ? يقول كثيرون أن “نسخة طبق الأصل” يأتي انطلاقا من عمل سابق، هل تنظر أنت إليه بالطريقة ذاتها؟ ? في الحقيقة، لست الشخص المناسب لامتلاك وجهة نظر معولمة حِيال سيرتي الذاتية، إنني أصنع أفلامي واحدا فآخر، وحتى هذه اللحظة، ما أزال لصيقا جدا بهذا العمل، إنه خارج بؤرة التركيز، ولا أستطيع أن أرى ماذا فعلت. على سبيل المثال، “ستحملنا الريح جميعا” العام 1999، كنت أتخيله في الوقت نفسه الذي أقوم بصناعته فيه، وأعدت اكتشافه حديثا فقط. بعد عشر سنوات اكتشفت أنني قادر على الحكم عليه باستعادة أحداثه والتأمل فيها، كي أراه ثانية بوصفه من الممكن إدراكه. ولا أريد أن أعلن أنه عمل يبعث على الفخر لكنني أحببته وكنت قادرا على النظر إليه كما لو أنه فيلم لشخص آخر. ? كان فيلم “نسخة طبق الأصل” هو أول أفلامك التي تصنعها خارج إيران، وقُدْتَ ممثلين محترفين - في مقابل ممثلين غير محترفين أنت تعمل معهم في العادة – وهم لا يتحدثون لغة أجنبية واحدة فحسب، بل ثلاث لغات مختلفة، فهل رأيت اختلافا ما في عملية كتابة السيناريو والتصوير لهذه المرة؟ ? كتبت السيناريو بالفارسية مثلما أفعل دائما، ولم أركز على حقيقة أنه ينبغي لنص السيناريو أن يكون مترجما وأن ممثليَّ سوف يتحدثون بلغة مختلفة، إذن عملية الكتابة والتصوير كانت هي ذاتها، أساسا. كان قلقي الوحيد هو العمل مع جولييت – العمل مع نجمة، فاعتقدت أنه كان ينبغي لشيء جديد ومختلف أن يحدث، لكن كان لدينا مستويات متشابهة (يقصد بين إيران وفرنسا) من التفاهم التشاركي ذاك، فأثناء ما كانت جولييت ممثلة محترفة لأقصى درجة ممكنة، فإنها سلكت بوصفها ممثلة غير محترفة. ? ماذا تقصد بقولك أن ممثلا يسلك بوصفه غير محترف؟ ? المحترفون يضبطون عامل الوقت، ويضبطون هواتفهم النقالة. يأتون إليك وإلى طاقم العمل كله من الناس الذين حولهم باحترافهم، أكثر مما بقلوبهم حتى في إيران فإن الأمر هو كذلك. لكن هذه الحالة لم تكن مع جولييت، كانت جولييت هي ذاتها. جاءت بمهاراتها وخبراتها، تلك الرائعة، لكنها مثل كل الناس، تحديدا، الذين عملت معهم من قبل. لقد أدّتْ دورها بقلبها. ? هل جاء فيلمك الأخير قريباً إلى النص الأصلي، أم أن تغييرات قد حدثت أثناء التصوير؟ ? قمنا بالتصوير تبعا للتسلسل الزمني، وكان الجزء الأول من الفيلم مكتوبا حقيقة. كنا نعرف إلى أين نمضي؛ إلى تلك النقطة من الفيلم التي تغير فيها اتجاهه. في الجزء الثاني، كنا نعيد الكتابة كل يوم، والبعض من المشاهد قد حُذفت بالكامل والبعض الآخر منها أعيدت كتابته كليا. ? في العديد من أفلامك تظهر حوارات طويلة تجري في السيارات، وثمة مشهد مبكِّر يظهر في “نسخة طبق الأصل”. في “طعم الكرز” كنت بنفسك سائقا أو راكبا غير مرئي في مشاهد الركوب، هل فعلت الشيء نفسه هنا؟ ? في ذلك الوقت (أي المشهد) كنت كامنا مع مدير التصوير ومهندس الصوت والمترجم، اختفينا جميعا في الخلف، لأن الممثلين كانوا محترفين، ولم يكونوا في حاجة مني إلى توجيه الكاميرا. في “طعم الكرز” عملت مع أولئك الناس الذين كانوا في حاجة إلى أن أكون إلى جوارهم عندما يكونون وحيدين في مواجهة الكاميرا. كان فيلمي اللاحق فيلم طريق أيضا، في فيلمي “عشرة على 10” شرحت لماذا كنت متواجدا في مشاهد الركوب تلك، في سيارة أشعر أنني بخير، والسيارة واحدة من أمكنة التصوير حيث تشعر أنك أقل حاجة إلى توجيه الكاميرا. فيلم “مبارزة” لستيفن سبيلبيرغ واحد من الأفلام النادرة بالنسبة لي، ربما يذكّر بألفريد هيتشكوك، لكن أنا افضِّله أكثر من هيتشكوك. إن أغلقت عليّ الباب مع كاميرا، ومع ممثل أيضا، فلن أكون قادرا على الاعتراض. ولن يكون بمقدوري أن أعدك بأنني سأخرج من السيارة، لذلك – مَنْ يعلم – إن عدت إلى إيران وورِّطْتُ في إزعاج فإن ما أتوقع أن أقوله لهم: لا تضعوني في زنزانة بل ضعوني في سيارة. ترجمة: جهاد هديب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©