الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحياة كلقطة موجزة ومكثفة

الحياة كلقطة موجزة ومكثفة
16 يونيو 2010 21:14
اللحظات الإنسانية التي ترسم ملامحها وتضيئها القاصة السعودية شيمة الشمري في مجموعتها الجديدة “ربما غداً” الصادرة عن نادي الدمام الأدبي، هي لحظات تبحث عن عمقها باصطياد مكمن الشعور في كل قصة، إذ تتكئ دوما على مفارقات الحياة واليومي والمهمش، وكذلك التابو الاجتماعي وعلاقاته المتباينة والشاذة بل والمتعارف عليها حيث تكمن الدهشة في تحويلها إلى قيمة إبداعية قد لا يلتفت إليها عادة. نحن بصدد كتابة نص إبداعي، وفي القصة القصيرة جدا التي تكتبها شيمة الشمري يبدو جليا وعيها بمناخات حالتها الإبداعية أولاً، وبتقنية القصة القصيرة ثانياً، وبالحاجة إلى ذهنية لاقطة ومتفاعلة مع ما يحدث، ومع مكنون ما يحدث، وبالحاجة إلى تكثيف أقرب ما يكون إلى التكثيف الذي يحدث مع تقنية كتابة قصيدة النثر التي تستخدمها شيمة في عدد من قصصها، مثلاً: “لم تستطع منع نفسها احتضان ذلك الضوء، تسرب إلى الأعماق.. سكنها.. أرادت الاحتفاظ به.. فقأ عينها وخرج”. ولأنه ضوء يتسرب ولا سقف لسكونه وقوته.. تسمي شيمة هذا النص “تمرد” في إشارة تعكس تصورها ورؤيتها، إذ العنوان في كتابة القاصة وفي القصة الحديثة هو جزء مهم من سياقها ولم يعد مجرد تسمية مولود لأنه يتواجد ولأنه يتخلق.. بل قد لا تقرأ الكثير من نصوص شيمة الشمري بمعزل عن عنوانها.. إذ هو الكاشف الخفي لثنايا النص. وهي من يضيء الإيحاء ودهشة توقعنا أو تحليلنا للموقف والحالة الشعورية التي يقوم عليها مفهوم القصة القصيرة جدا، العنوان الذي لا يمنح ملخصا لفكرة ما، ولا إشارة للعبور إلى النص بل يكشف عن كونه إضافة لا غنى عنها غالباً وليس في كل النصوص، وكما هي العناوين ذات مفهوم فني في فلسفة الإبداع لدى شيمة الشمري، هناك قصة بعيدة عن الزيادات والاسترسال وما لا يحتاجه النص من فائض، هناك مشرط حاد ودقيق لا تحيد عنه، إذ القصة القصيرة جدا نص موجز ووامض ويقدم مقترحه الفني الإبداعي بهذا التصور حيث لا مجال للحشو وحيث الكلمة محسوبة بدقة وغالبا ما تكون بصرامة أيضا، بل وكل تشكيل النص من بياض ونقاط أو تتالي أو سطور متراصة له أهمية تشف عنها حالة النص ودلالته ومدى ما يصلنا من شعور أو ما يحرضه النص في دواخلنا كأثر أو دهشة. كل نص لدى شيمة الشمري يحاول النفاذ بنا إلى حالته الشعورية أو رؤيته سواء اتفقنا معها أو لم نتفق، فهي تطرح ضمنيا قضايا اجتماعية وأنساقاً رؤيوية بأسلوبها الرمزي أو الذي يعري الأقنعة أمامنا كما في قصص فناء، الدش، مثقف، مهاتفات، وفي قصة عرق مثلاً: “منعوها من الزواج به لأنه أسود البشرة، لم يغفر له بياض قلبه وعشقه لها، تنظر إليهم وتتعجب من هذا السواد الذي يسكنهم وهم لا يشعرون”. كل هذه الجوانب الفنية في عالم القصة التي تبحر خلالها شيمة ولا تنسى أن تجرب الدخول إلى فضاءات إبداعية تبتكرها وتضع لها بصمة خاصة. وكل تلك المضامين التي شكلت هواجس امرأة مثقفة لماحة وقادرة على وضع اسمها على خارطة الإبداع النسائي في السعودية وفي القصة القصيرة عموما، كل ذلك بلغة تمسكها من منتصف الدهشة حيث توازن بين النخبوي والقارئ العادي الذي لن يجد صعوبة في تلقي جرعات شيمة المركزة والمكثفة. لغتها تلك لم تكن تكترث بالبلاغي أو المجازي الشعري كثيرا، بقدر ما فرضت عليها أجواء وعوالم قصة اليوم، القصة الحديثة والسريعة والوامضة نمطا وابتكارا نفعيا مع اللغة، فنعثر على توظيف لمفردات اللهجة المحكية والمثل الشعبي ومفردات التقنية الحديثة وعوالمها لأنها ضمن استخدامنا في الحياة الجديدة وأقرب لواقعية النص، نص اليوم والنابض من أعماق إنسانه بحداثته ورؤاه المتجددة، نعثر على الكثير من توظيف المعرفة في ثنايا النصوص: الأغنية والشعر والمقولات المحورة. تدخل شيمة إلى الألم الإنساني القريب من الناس وبعين الناقدة التي لا تماري ولا تحابي، تلمس الجراحات وتصقل المرايا جيدا، حتى نشعر بشفافية المكاشفة، وتوغلها في صميم داخلي لأكثر قضايا مجتمعها حساسية وأهمية، غير متناسية شرطها الإبداعي وأفقها الذي تتحرك في براحه مجنحة بدهشة أفكارها وذكاء علاقتها مع اللغة في مقاربتها ومفارقاتها، تقول شيمة الشمري في نص ظل: “كثيرا ما سمعت جدتها تردد بإعجاب مقولة (ظل راجل ولا ظل حيطة) هي ما زالت تنتظر ذاك الظل وإن كانت تتخلله شمس حارقة”. وبوصفها كاتبة لهذا الشكل الفني الجديد الأكثر حداثة في تجربة القصة الجديدة، وحيث لا يزال لدى الكثير من النقاد أو القراء نصا لا يقبل التصنيف بل ويرفض تسميته بالقصة الكثير من كتاب القصة أنفسهم، لعل تجربة مثل تجربة شيمة الشمري وآخرين في السعودية كتجارب ناضجة يبدو أنها تنطلق من وعي بمناخاتها وعوالمها ليس سعيا وراء مشروعية لهذا النص فقط بل ومحاولة للخروج به أصلاً عن مأزق المصطلحات وتنظير النقاد إلى كتابة إبداعية باحثة دوما عن دهشة مغايرة. المجموعة القصصية هي الثانية للقاصة، واحتوت على أكثر من 60 لقطة قصصية، واستطاعت أن تحقق بها تلك المتعة التي تهرب إلينا من شقوق المعنى ونجسدها بنوافذ مفتوحة أبدا إلى دواخلنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©