الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا... فجوة اجتماعية متنامية بين «الأوسيّ» و«الويسي»

4 نوفمبر 2009 23:47
كلاي ريزن برلين بيتر وأنجليا هوفمان ليسا زوجين ألمانيين تقليديين، فهما، من ناحية، قد التقيا على شبكة الإنترنت، وهو شيء نادر في هذا البلد. ومن ناحية أخرى، فإن الزوجين اللذين يبلغان من العمر 55 عاماً انتقلا هذا العام من برلين إلى ولاية "براندنبيرج" قرب الحدود البولندية ليفتتحا نُزلاً للإقامة، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر في اقتصاد يمر بحالة ركود. بيد أن الشيء الأكثر إثارة للاهتمام من كل ذلك هو المكان الذي جاء منه كل منهما. فبيتر المولود بالقرب من دريسدن هو ممن يطلق عليهم الألمان الغربيون اسم "أوسّي" Ossi الذي يقصد به الشخص الذي ولد في ألمانيا الشرقية الشيوعية، أما "أنجيلا" التي ولدت في برلين الغربية، فتنتمي إلى الـ"ويسيّ" Wessi أي للمولودين في ألمانيا الغربية قبل سقوط جدار برلين. على الرغم من مرور عقدين على سقوط الجدار، فإن الانقسام بين الشرق والغرب في الوقت الراهن أقوى من أي وقت مضى، علاوة على أن الصور النمطية التي يتبناها أبناء كل شطر من ألمانيا نحو أبناء الشطر الآخر، مازالت فجة ومتجذرة: فالألمان الشرقيون ينظرون إلى الغربيين على أنهم ماديون وغير أخلاقيين. أما الألمان الغربيون، فينظرون إلى الشرقيين على أنهم كسالى ورجعيون. وفي ضوء انتشار مثل هذه التنميطات السلبية، فإن زواج اثنين من شطري ألمانيا يبدو شيئاً غير مألوف. تقول أنجيلا وقد لاحت على شفتيها ابتسامة حزينة "ليس هناك الكثير من الناس الذين يفعلون مثلنا". والزوجان يطلقان على النُزل الخاص بهما اسماً يبدو مناسباً هو "الملاك والشيطان" من حيث تعبيره عن حالتهما. فهما رجل وامرأة، ينتمي كل منهما لجانب من جوانب إرث ثقافي ممزق بفعل الحرب والإيديولوجيا، حيث درست أنجيلا الإنجليزية في حين درس بيتر الروسية. وبعد سقوط الجدار، لم يستطع "بيتر" وهو مهندس، التنافس مع نظرائه من الألمان الغربيين الأفضل تعليماً، والأكثر معرفة ومهارة فنية، مما أدى إلى تحرج موقفه إلى حد كبير. أما أنجيلا مدرسة اللغة الإنجليزية، فقد انهالت عليها الطلبات من الألمان القادمين من الشرق رجالًا ونساء شباباً وشيوخاً ممن يرغبون في تعلم اللغة الإنجليزية التي تعتبر اللغة الأكثر انتشاراً في دول الغرب الرأسمالي. خلال العقد الأول بعد سقوط الجدار، راود الألمان الأمل أنهم سيتمكنون بمرور الزمن من الاندماج والعودة للعيش كشعب موحد، متناسين أن ألمانيا وقبل تقسيمها عقب الحرب العالمية الثانية، لم تكن قد استمرت كدولة موحدة سوى 74 عاماً فقط. في الوقت الراهن تراجع هذا التفاؤل، وحل محله خوف من أن تكون الشيوعية قد أعادت كتابة الشفرة الوراثية للألمان الشرقيين، ودقت اسفيناً دائماً بين الجانبين. تقول إنجيلا هوفمان: "نحن في الحقيقة شعبان مختلفان تماماً"، وهو ما يوافقها عليه زوجها، الذي تحاول تعليمه الإنجليزية بإيماءة من رأسه. في الوقت الراهن، يسير اقتصاد الجزء الشرقي من ألمانيا الموحدة بشكل لا بأس به، حيث يشهد نهضة في التكنولوجيا الفائقة، وزيادة في الاستثمارات المرتفعة القيمة، بسبب تدفق الشركات العالمية عليه للاستفادة من العمالة الرخيصة. وعلى الرغم من أن هذا الاقتصاد، لا يزال متخلفاً بكثير وراء اقتصاد الجزء الغربي فإنه يمضي بخطى سريعة نحو اللحاق به. مع ذلك، فإن هذا التقدم السريع ينطوي على مفارقة. ففي الوقت الذي تتقدم فيه مدن مثل برلين ودريسدن بخطى سريعة، فإن الألمان في بقية أرجاء الجزء الشرقي -بما في ذلك العمال غير المهرة، وكبار السن، والمجتمعات الريفية- يشعرون بالإحباط بسبب نسيانهم أثناء عملية التوحيد على الرغم من أنهم كانوا يتوقعون أن يكون الهدف من هذه العملية انتشال الجميع، وليس سكان المدن الكبيرة فقط. في دراسة أجراها "معهد أبحاث الدراسات الاجتماعية"، تبين أن 25 في المئة فقط من سكان الجزء الشرقي من ألمانيا يحسون بأنهم مواطنون ألمان كاملو المواطنة. حتى الزوجان "هوفمان" اللذان كانا أحسن حظاً من غيرهما، يشاطران غيرهما هذا الاستياء: «إنهم لا يمهدون الطرق المؤدية إلى النُزل الذي افتتحناه، حيث ينصب جل اهتمامهم على المدن الكبيرة". في الفترة الأخيرة بدأ الرئيس الألماني"هورست كوهلر" يوبخ نظراءه من الألمان الغربيين بسبب الموقف المناوئ الذي يتخذونه تجاه الألمان الشرقيين، حيث قال في مقابلة صحفية أُجريت معه في الآونة الأخيرة": أعتقد أن الناس في الغرب لم يبدوا الاحترام الكامل دائماً للإنجازات الفردية التي يحققها معظم الألمان الشرقيين بعد سقوط الجدار". ولكن هذا الامتعاض لا يقتصر على سكان الجزء الشرقي من ألمانيا، بل يمتد أيضاً لسكان الجزء الغربي الذين يرى العديد منهم أن ألمانيا الشرقية كانت عبئاً على بقية البلاد، والسبب الرئيسي الذي جعل نسبة نمو البلاد أقل من المعتاد معظم سنوات عقد التسعينيات. لا يعلق الزوجان هوفمان آمالًا كبيرة على تغير هذه المشاعر والمواقف في جيلهما ويتوقعان أن تتغير تدريجياً لدى الأجيال الأصغر سناً من الشباب مع مرور الزمن. وهما يعقدان الأمل على الأشخاص الذين يتصرفون مثلهما، ويبديان استعداداً لعبور الفجوة التي تفصل بين "الأوسيّ" و"الويسي"، ويظهران بالدليل أن كل طرف ليس على هذا القدر من السوء الذي يحاول الطرف الآخر تصويره به، ونُزل "الملاك والشيطان" لن يؤدي في حد ذاته إلى إزالة وصمة الانقسام بين الشرق والغرب، ولكنه مع ذلك ليس مكاناً سيئاً للبدء في ذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©