الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البنك الآسيوي.. والمجازفة الأوروبية

11 ابريل 2015 22:20
في مطلع هذا الشهر صرح لاري سامرز وزير الخزانة الأميركي السابق بأن جهود الصين الرامية لإقامة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وفشل الولايات المتحدة في إقناع عشرات من حلفائها التقليديين -وأولهـم بريطانيا- بعدم الانضمـام لهذه المؤسسـة، حــدثٌ لم يسـبق له مثيــل منــذ اتفاقيــة «بريتون وودز». وأشار إلى أن هذا قد يسجل على أنه هو اللحظة التاريخية التي فقدت فيها الولايات المتحدة مكانتها في قيادة الاقتصاد العالمي. ويرى «جيدون راتشمان» المحلل الاقتصادي في «فاينانشيال تايمز» في ارتباك واشنطن بشأن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية علامة على أفول نجم الولايات المتحدة. ويرى صانعو السياسة الأوروبيون والأميركيون أن الصين تتزايد قوة بينما أميركا تزداد ضعفاً. وهم يتخذون قرارات تعكس تكيفاً حذراً مع رياح التغيير هذه. ولكنني أنظر إلى الأمر بشــكل مختلف قليلاً. فقرار أوروبا دعم البنك على رغم الاعتراضات الأميركية يعكس ضعفها هي وليس ضعف أميركا. وهو يقدم دليلاً إضافياً، إذا كانت هناك حاجة إلى دليل، على خضوع أوروبا الجيوسياسي الذي يبدو أنه بلا قرار. وفي البداية، أود الإشارة إلى أنني أعتقد أنه كان خطأ من الولايات المتحدة أن تعارض إنشاء البنك. فالبنك الجديد ربما يستطيع فعل بعض الأمـــور الجيدة، فالترويج لقروض لبناء جسور ومحطات طاقة جديدة طريقة سليمة تماماً لدعم البنك. وزعامة الصين في المساعي متعددة الأطراف من هذا النوع يجب الترحيب بها وليس مقاومتها. وكان من الخطأ أيضاً أن تصر الولايات المتحدة، عاماً بعد آخر، على سوء إدارة البنوك متعددة الأطراف القائمة، خاصة البنك الدولي، وأن تنكر أن يكون للصين نفوذ في هذه المؤسسات بحكم مكانتها الاقتصادية الحالية. ولولا هذا لربما لم تسع الصين أصلاً لإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار. ولكن هذا لا يبرر أيضاً الحسابات التي يفترض أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي أجرياها. فالمشاركة في البنك الآسيوي قد تجلب على أوروبا بعض المكاسب الاقتصادية المتواضعة، والأهم أنها تقربها إلى قلوب الحكام في بكين. ولكن هذه المكاسب لا تمثل شيئاً أمام تكلفة تقويض تحالفها مع الولايات المتحدة. فعلى مدار سنوات مقبلة ستظل الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الأبرز، على رغم صعود الصين. وعزوف أوروبا عن التسلح يستوجب منها أن يدوم هذا الحال. وحكومة بريطانيا التي تحب أن تصور نفسها باعتبارها حليفاً مخلصاً للولايات المتحدة تعمل هي أيضاً على جرعة جديدة من تقليص الإنفاق العسكري. وهي في هذا تلحق بشركائها الأوروبيين الذين طالما أظهروا عجزاً مؤسسياً في دفاعهم القومي. وإذا أنتجت إيران أسلحة نووية، فإن التهديدات المباشرة وغير المباشرة ستكون أكبر بكثير لأوروبا مقارنة بالولايات المتحدة. فهل أوروبا قادرة على تبديد أو تعطيل طموحات إيران دون القيادة الأميركية؟ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن أراد تفكيك أوكرانيا، واختبار مدى التزام الغرب بالدفاع عن دول أخرى كبولندا ودول البلطيق وإشاعة عدم الاستقرار السياسي في شرق أوروبا، فماذا هم فاعلون وحدهم؟ ومفهومٌ أن التشدد القومي الروسي يمثل تهديداً أكبر بكثير لأوروبا منه لأميركا. ولتحقيق توازن قوى مع الجيش الروسي تعتمد أوروبا كلية على حلف شمال الأطلسي «الناتو» وهذا يعني، بعبارة أخرى، الولايات المتحدة. والصين بعيدة عن أوروبا ولكن القارة العجوز التي تستطيع دعم طموحات الصين في القيادة يجب أن تزن هي أيضاً بعناية مصالحها العالمية. ومن حق أوروبا أن تسعى لمواكبة أكبر قوة دولية ناشئة ولكن كان يجب أن تسعى لاجتذاب الصين إلى العالم الغربي. وأفضل طريقة لعمل هذا هي السعي إلى ذلك، قدر الإمكان، بالتنسيق مع الولايات المتحدة. ولكن إعطاء الصين نصرها الدبلوماسي الكبير فيما يتعلق بالبنك الآسيوي، وهو عمل خانع جداً إلى درجة أدهشت بكين نفسها، عطل هذا المسعى. وإذا اختارت أوروبا أن تتولى أمرها بنفسها فيمكنها أن تبتسم برضا لتراجع الولايات المتحدة، وأن تصوغ استراتيجيتها الخاصة بها للتعامل مع روسيا والصين وإيران. ولكن من الأفضل لها الآن أن تفهم أولاً مَن يحتاج مَن؟ كليف كروك * * محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©