السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لئلا ننسى».. ما راحوا الطيبين!

«لئلا ننسى».. ما راحوا الطيبين!
2 أغسطس 2016 22:28
رضاب نهار - أبوظبي (الاتحاد الثقافي) لجأنَ إلى حميمية الحياة من أجل بناء ذاكرة الإمارات. أنصتنَ إلى قصص أبنائها المتوارثة جيلاً بعد جيل، ونبشنَ في صورهنَّ العتيقة بحثاً عن ملامح البلد والولد، وإيماناً بضرورة أن تكون للماضي روح حاضرة في كل تفاصيلهنَّ اليومية. من هنا تشكّل مشروع «لئلا ننسى» الذي بدأ معهنَّ منذ سنوات الدراسة في جامعة زايد، ليصبح ثمرة جهد كبير ما زالت تنمو وتزهر يوماً تلو الآخر. وبعد أن تبنّته مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان، تحوّل الحديث عن القائمين عليه من «هنّ» إلى «هم»، وتوسّع المشروع ليطال جدران معرض «421» في ميناء زايد في أبوظبي تحت عنوان (لئلا ننسى: صور لعائلات إماراتية، 1950 - 1999)، وأُصدر كتاب مرافق بذات العنوان وثّق بالصورة والكلمة مسيرة العمل وحصد نتاجه، متضمناً صور المعرض ذاتها مع شروحات عنها كُتبت بخط الآلة الكتابة استكمالاً لطقوس الزمن الماضي. «الاتحاد الثقافي» يعرض هنا لسيرة المشروع وتفاصيله المختلفة. عن بدايات المشروع، تحدثت صفية عفيف المسكري، منسقة في المشروع، مشيرة إلى أن مبادرة «لئلا ننسى»، بدأت من جامعة زايد قبل خمس سنوات تقريباً، حين أحضرت الطالبات مجموعة من الصور القديمة لعائلاتهن نزولاً على طلب الدكتورة ميشيل بامبلينغ. وبعد نجاح المعرض الصغير الذي أقيم في الجامعة وقتها، تبنت مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان الفكرة وصار العمل في هذا الإطار مشروعها الفني والتوثيقي الخاص. وذلك انطلاقاً من أرشفة وتوثيق كل الأشياء القديمة وحتى تلك التي بين أيدينا اليوم، كالصور العائلية والملفات الخاصة بشخوص إماراتيين والأغراض المقتناة جيلاً بعد جيل. وأكدت المسكري أن المشروع ومن خلال قوالبه المختلفة، يقدّم تصوراً عاماً عن تفاصيل الحياة اليومية التي كان أهل المنطقة يعايشونها. ويسلّط الضوء على التطور كحالة سادت المجتمع الإماراتي طيلة الفترات الماضية، وأدّت به إلى شكله الواضح للعيان حالياً. فالمتلقي المعاصر يستطيع أن يجد اختلافاً ملحوظاً إثر مقارنته بين المناخ العام في الصور بما تعرضه من شخصيات وأحداث وأغراض، وبين عصرنا الراهن، الأمر الذي قد يجهله كثيرون خصوصاً من أبناء الجيل الجديد ممن لا يعرفون معاناة ذويهم في حيواتهم التي خلت. ومن الطبيعي أن تشكّل الصور الحالية إرثاً حضارياً وثقافياً لمستقبلنا. كذلك ومن خلال الاطلاع على هذا الأرشيف، يمكننا التنبؤ بالمستقبل الإماراتي، حيث المزيد من التطور والحداثة. من وحي المعيش بإطلاعنا على تجربتها الخاصة، حيث لم تخفِ حماستها أبداً، قالت آية ظافر، منسقة في المشروع، إن هذا النوع من العمل أتاح لها فرصة إبقاء ذاكرة أجدادها حيّة وحاضرة ومستمرة. فلم يتوقفوا عند المعرض الأول، إنما تمّ التحضير للمعرض الأكبر وهم الآن بصدد التجهيز لمعارض أخرى تستثمر الذكريات لأجل المستقبل. ثم أضافت: «على أرض الواقع، قصدنا أنا وزميلاتي بعض العائلات الإماراتية لنعرّف بالمشروع ونوضح أهميته بالنسبة لهم ولنا جميعاً. وجاءت معظم النتائج إيجابية ومثمرة، حيث تفاعل معنا الناس وقصّوا على مسامعنا رواياتهم الشفهية من الذاكرة القديمة، وأبدوا رغبتهم بالمساهمة بأشيائهم ومحفوظاتهم في المعرض وفي الكتاب. كذلك لفتوا أنظارنا إلى ثيمات أخرى بهدف التوثيق والأرشفة وقد أخذناها بعين الاعتبار. وبدورنا قمنا بوضع خطة معارض لخمس سنوات قادمة، استلهمنا موضوعاتها من اليومي والمعيش بالنسبة للإماراتيين سابقاً». القديم بتقنيات حديثة وحول الناحية التقنية، شرحت لنا سارة عقيل الحوسني، منسقة في المشروع، مبينة أنهم يستخدمون في عملية الأرشفة كاميرات وتقنيات حديثة تمكنهم من الحصول على صور بدقة عالية تعكس أهمية المقتنيات التي بين أيديهم وتعرض التفاصيل بوضوح وجمالية كبيرين. مع العلم أن ثمة منهجية محددة يسيرون وفقها، تستدعي تصوير وحفظ أغراض المساهمين والمشاركين في برنامج خاص، حيث يتم تصنيفها حسب التوقيت والتاريخ والنوعية وطبيعة المواد. وبعد معاينة النسخة المصورة والتأكد من جاهزيتها للعرض يقومون في ذات الملف بتوثيق جميع المعلومات الخاصة بها؛ ثم يعتمدون نسخة موافقة موقّعة من صاحبها تفيد بالسماح لهم بعرضها سواء في المعرض أو في الكتاب المطبوع، مبينين له منذ البداية استراتيجيتهم في الحفاظ على غرضه في عهدتهم. وأوضحت: «على الرغم من أننا مهتمون كثيراً بأن يطلع أبناء الجنسيات الأخرى على الحياة الإماراتية القديمة من خلال ما نعرضه، فإننا مهتمون أكثر بأن نجذب أبناء الإمارات الذين لم يسبق لهم معرفة كيف كانت حياة أهلهم في السابق، بحلوها ومرها. وليكتشفوا نشأة المجتمع الإماراتي خطوة تلو الخطوة. كذلك لم تعد المقتنيات خاصة بالطالبات فقط، حيث ساهم معنا إلى اليوم الكثير من المتطوعين والراغبين بعرض مقتنياتهم الثمينة أمام الجمهور، تحقيقاً لأهداف المشروع التي تلتقي مع شغفهم بتوثيق ذاكرتهم. وفي هذا الشأن يتم التركيز على الممتلكات الخاصة بالأفراد والعائلات، وحتى المساهمات التي تأتينا من شخصيات رسمية، تكون ذات طابع شخصي تروي تجربتهم في الحياة وتعكس نمط عيشهم في الماضي». تأثير وبإلقاء نظرة فاحصة على المشروع ككل، يبدو أن جذب الجماهير وإشراكهم في عملية التوثيق من الأهداف الأساسية. الأمر الذي أكّدته لنا إسراء إسماعيل الكمالي، منسقة في المشروع، والتي أشارت إلى أن خطتهم في العمل تقوم على ضرورة المحافظة على الإرث الثقافي الإماراتي والمتجسّد في أدق التفاصيل اليومية للإماراتيين وفي أكثرها صدقاً وتعبيراً عن حقيقتهم. وذلك من خلال طرق ملموسة تهتم بإظهار الصفات الجمالية للمعروضات بالإضافة إلى وظائفها الخدمية، كالإشارة التاريخية والمكانية. معلنةً أن المشروع نجح بالتأثير على الآخر غير الإماراتي، سواء كان عربياً أم أجنبياً. فكثيرون هم الذين غيّروا نظرتهم إلى المجتمع المحلي بعد مشاهدتهم صور المعرض والاطلاع على مراحل تطوره وتغيره، وأصبحوا ينظرون إلى الشعب الإماراتي من زوايا مختلفة، أوضح وأشد وعياً وإدراكاً. كما لفتت الكمالي إلى أن طباعة كتاب مرافق للمعرض، خطوة تفصح عن استراتيجية لحفظ الأرشيف المنجز وإبقائه في الذاكرة. فجدران المعارض تبدّل أشياءها مع الوقت، بينما تحفظ صفحات الكتب ذاكرة الإنسان وتقيها شرّ الضياع والاندثار. مع العلم أنهم ما زالوا يستلمون صوراً لعائلات إماراتية بغرض الأرشفة، وهم مستمرون باستلامها حتى بعد انتهاء المعرض. مساهمون وقد ساهم في المشروع الكثير من المتطوعين ممن رغبوا بعرض ذاكرتهم أمام الجمهور المختلف الجنسيات، من بينهم الدكتور أحمد الخوري، الذي وجد أن المبادرة هي رسالة هامة لأبناء اليوم والغد. وكم من الرائع والضروري أن نوثّق لتراثنا البدوي الأصيل! وقال: شخصياً، أعتبر المبادرة بطريقة أو بأخرى، أمنيتي التي لطالما تمنيتها. فمنذ أيام الدراسة في لندن، كنت أواجه سؤال «من أين أنت؟» وعند إجابتي «أنا من الإمارات العربية المتحدة»، كان الجميع يتساءل عن هذا البلد الجديد.. وعلى الرغم من محاولاتي الكثيرة إيضاح جذورنا الضاربة بعمق في حضارة البشرية، ظلت ثمة أسئلة عالقة في أذهان البعض عن حداثة الدولة وما تملكه من تاريخ. وإن مثل مشروع «لئلا ننسى» كفيل بالتعريف بحضارتنا القديمة، جمالياً وثقافياً واجتماعياً. وهو ما نحتاج إليه بشدة بينما نحن سائرون نحو مستقبل متطور وحداثي. وعن تجربته في هذا الخصوص، قال محمد حمد الجنيبي، مساهم ومتطوع في المشروع: الموضوع قبل أي شيء آخر ممتع. ولا يمكنني أن أخفي فرحي إثر زيارتي للمعرض أول مرة في نوفمبر الماضي، حيث اطلعت على الفكرة وقررت فوراً المساهمة في استمراريتها، فأنا من هواة جمع الأغراض والاحتفاظ بها ويبدو أن مشروع «لئلا ننسى» المكان الأمثل لاستثمار الهواية والعمل على تطويرها. وبالنسبة إلي استطعت المشاركة مع فريق العمل، بالعديد من المقتنيات التي حُفرت مطولاً في ذاكرتي وذاكرة عائلتي، كأغراض جدي رحمه الله، والتي تربطني بها علاقة حميمية، مؤمناً أن «الطيبين» ما زالوا موجودين بيننا، على عكس المثل القائل «راحوا الطيبين». وختم بالقول: حاجتنا إلى التوثيق كمفهوم ومشروع مستدام توازي حاجتنا إلى جميع سبل التطوير. وذلك نظراً إلى غيابه عن تفاصيل حياتنا اليومية، ما سبب اندثار الكثير من المفاهيم والأشياء مع مرور الزمن. فلم نعد نذكر كيف كان الأثاث القديم، المجوهرات، الملابس وغيرها من الأغراض والمتاع، وصار معظم ما نستخدمه اليوم يندرج تحت تصنيف التصاميم الحديثة و«المودرن». وبغض النظر عن تراثنا الإماراتي الذي نسعى هنا إلى بقائه واستمراريته، فإن المشروع يحرّض على «التوثيق» بوصفه ثقافة يجب أن تكون عالمية ويمكن تطبيقها عند كل الشعوب والأعراق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©